كلمة السيد خامنئي.. رسائل حازمة لواشنطن وتأكيد على ثوابت الردع
كلمة السيد خامنئي الأخيرة اعتُُبرت محطة مفصلية في الخطاب الرسمي الإيراني، إذ وضعت سقفاً واضحاً للرد على الضغوط الأميركية والإسرائيلية.
-
قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي
ما زالت كلمة قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي تتصدر واجهة المشهد السياسي والإعلامي في طهران لما حملته من مواقف ورسائل حاسمة في مواجهة التصريحات الأميركية الأخيرة، وخصوصاً تلك التي صدرت عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول البرنامج النووي الإيراني والصواريخ الباليستية.
الكلمة اعتبرت محطة مفصلية في الخطاب الرسمي الإيراني، إذ وضعت سقفاً واضحاً للرد على الضغوط الأميركية والإسرائيلية، وحددت ملامح المرحلة المقبلة في ما يعرف بالمعركة الرمادية إقليمياً ودولياً.
جاءت كلمة السيد خامنئي رداً مباشراً على تهديدات واشنطن التي طالبت طهران بالتخلي عن صواريخها الباليستية بعيدة المدى.
وقد قدم قائد الثورة رداً حازماً ومباشراً على تفاخر الرئيس الأميركي بقصف الصناعة النووية الإيرانية و"تدميرها "، ثم أضاف ساخراً: "عش هذا الوهم".
هذا النفي الصريح عُدَ تشكيكاً واضحاً في صدقية الرواية الأميركية، ورداً على ما حاول ترامب تصويره كإنجاز عسكري ضد القدرات النووية الإيرانية.
في المقابل، أكد السيد خامنئي أن منطق الوصاية الأميركية على العالم مرفوض، متسائلاً بلهجة حادة: من أنت لتقول إن دولة ما يجب أن تمتلك الطاقة النووية أو لا؟ وبهذا السؤال، وضع واشنطن في موقع المتجاوز سيادة الدول، وذكر أن امتلاك التقنية النووية حق سيادي، وليس منحة تمنح أو تسحب بإرادة البيت الأبيض.
وفي ما يتعلق بالضغوط الاقتصادية، دان السيد خامنئي ما يعرف بالعقوبات الثانوية التي تستهدف الشعب الإيراني مباشرة، معتبراً أن الادعاء الأميركي بأن هذه العقوبات تهدف إلى حماية الإيرانيين كذبة مكشوفة، كما رد على محاولات ترامب تصوير نفسه كـ"صديق لإيران" بالقول إنه من الأولى به أن يهتم بالملايين من الأميركيين الذين يهتفون ضده في بلاده، في إشارة إلى الأزمات الداخلية التي تواجه الإدارة الأميركية.
الجانب الأبرز في الخطاب كان تأكيده أن برنامج الصواريخ الباليستية جزء لا يتجزأ من منظومة الردع الوطني، وأن طهران لم تشترِ صواريخها من أحد، بل طورتها بقدراتها الذاتية، وأشار إلى أن إيران لن تتخلى عن سلاح الردع الذي أثبت فعاليته في حفظ التوازن الإقليمي، مؤكداً أن الصواريخ الإيرانية جاهزة للاستخدام عند الحاجة، في رسالة واضحة إلى من يحاول المساس بأمن البلاد أو فرض قيود أحادية على قدراتها الدفاعية.
لم تقتصر ردود السيد خامنئي على الملفات المرتبطة بالشأن الإيراني، بل تناولت أيضاً تصريحات ترامب بشأن القضية الفلسطينية، واصفاً إياها بالسخيفة، معتبراً أنها محاولة لرفع معنويات الإسرائيليين لا أكثر.
على الصعيد الداخلي، حملت الكلمة رسالة واضحة للرأي العام الإيراني بأن النظام لن ينحني أمام الضغوط، وأن أي مفاوضات مقبلة، إن حصلت، لن تكون خاضعة لشروط مسبقة.
أما خارجياً، فقد أرادت طهران التأكيد أن مناخ الخطاب ليس مواجهة كلامية فحسب، بل هو تثبيت لمعادلة جديدة في الصراع مع واشنطن و"تل أبيب"، مفادها أن إيران ليست دولة خاضعة أو ضعيفة، كما يروج الغرب، بل قوة إقليمية قادرة على فرض توازنها وحماية مصالحها.
من خلال هذه الكلمة، تسعى القيادة الإيرانية إلى إعادة صياغة الرهانات في التعاطي مع ملفي الصواريخ والنووي، عبر تقديمهما كعنصرين متكاملين في استراتيجية الردع، ما يمنح طهران مكانتها الاستراتيجية، من دون أن يعني ذلك القبول بالتفاوض على قدراتها الصاروخية.
وبذلك، يكون الخطاب قد أسقط محاولات تصوير إيران كدولة منكسرة تحت العقوبات، مؤكداً أن الصراع مع واشنطن لم يعد حول التقنية النووية فحسب، بل حول حق إيران في تقرير مصيرها وموقعها في المعادلة الدولية أيضاً.
كلمة السيد خامنئي جاءت رداً متعدد الأوجه على مزاعم ترامب، من نفي التدمير النووي إلى التشكيك في شرعية التدخل الأميركي، مروراً بالتأكيد على حق إيران في امتلاك الصواريخ، وصولاً إلى رفض التفاوض تحت الإكراه.
ويمكن القول إن الخطاب مثل إعلاناً واضحاً لمرحلة جديدة من التحدي المتبادل، تصرّ فيها طهران على ثوابتها، وتبعث برسالة مزدوجة إلى الداخل والخارج بأن إيران لا تساوم على سيادتها، وأنها مستعدة للصمود والمواجهة إذا فرضت عليها معادلات القوة.