كيف تستنفد صليات حزب الله الصاروخية قدرات "إسرائيل" الدفاعية؟

كيف يهدّد إطلاق حزب الله لعشرات الصواريخ الصغيرة على شمال فلسطين المحتلة، واعتراضها من قبل القبة الحديدية، منظومة التصدّي الصاروخي في "إسرائيل"؟

  • صواريخ حزب الله
     تكثّف المقاومة الإسلامية في لبنان ضرباته الصاروخية باتجاه جبهة الشمال

"سماء الشمال بدت هذه الليلة مثل سماء الجنوب.. وهذا فقط القليل من قدرة حزب الله". بهذه الكلمات وصف الإعلام الإسرائيلي، الشهر الفائت، إطلاق حزب الله صلية صاروخية كبيرة نحو مستوطنة "كريات شمونة" ومستوطنات أخرى شمالي فلسطين المحتلة. وشدّد إعلام الاحتلال على أنّ وابل الصواريخ الذي أُطلق من لبنان لم تشهده "إسرائيل" منذ عام 2006.

يوماً تلو الآخر، تكثّف المقاومة الإسلامية في لبنان ضرباتها الصاروخية باتجاه جبهة الشمال، مطلقةً عشرات الصواريخ باتجاه مواقع الاحتلال وتحشّدات جنوده على طول الحدود اللبنانية الفلسطينية، مكبّدةً إياه خسائر بشرية ومادية كبيرة يجهد الأخير في التكتم عنها.

وفي محاولة للتصدي لصليات المقاومة المتواصلة، تعمل منظومات الدفاع الجوي الصاروخي الإسرائيلي جاهدةً من أجل الحدّ من أضرارها، إلا أنّ نجاح المقاومة في تطوير قدراتها الصاروخية بطريقةٍ متسارعة طوال العقد الماضي، تثير المخاوف لدى الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية من قدرة المعترضات الإسرائيلية على تحجيم فعالية صواريخ المقاومة.

المقاومة تستنزف الاحتلال

يؤكد خبراء أنّ المقاومة لم تكشف حتى الآن عن كلّ أوراقها في مواجهة الاحتلال ضمن معركة "طوفان الأقصى"، إذ إنها تستخدم صواريخها القديمة في معظم هجماتها على الأهداف الإسرائيلية، ولم تكشف بعد عن أي صواريخ ضخمة وبعيدة المدى بعد 153 يوماً من القتال. وهو ما يتوافق مع كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد، الذي أكد، قبل أيام، أنّ المقاومة الإسلامية لم تستعمل كل أسلحتها، مشدداً على أنّ "أسلحة الحرب الكبرى لم نفتح مخازنها بعد".

ويشير الخبراء إلى أنّ المقاومة تهدف، بهذه الطريقة، إلى استنزاف قدرات الاحتلال الاعتراضية عبر إجباره على استهلاك صواريخ منظومات دفاعه الجوي. في مقابل ذلك، تمتلك المقاومة ترسانةً ضخمةً من الصواريخ، غير معروف حجمها بالتحديد، لكن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أنّ القدرة الصاروخية لحزب الله تزيد على 150 ألف صاروخ.

وتشمل ترسانة حزب الله الصاروخية مئات الصواريخ الدقيقة ذات القدرة التدميرية العالية، والتي تملك القدرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي وضرب الأهداف بدقةٍ شديدة وهامش خطأ أقل، وهو ما أثار مخاوف المسؤولين الإسرائيليين في حال توسعت الحرب لتشمل جبهة جنوب لبنان، إذ ستضطرّ "إسرائيل" حينها إلى تحويل منظومتها الدفاعية بالكامل لحماية مؤسساتها العسكرية الحساسة.

وفي هذا السياق، أوضح تقرير صادر عن معهد مكافحة الإرهاب في جامعة "رايخمن" الإسرائيلية، شارك فيه أكثر من 100 من كبار المسؤولين العسكريين والحكوميين الإسرائيلية، مدى عدم استعداد الجبهة الداخلية الإسرائيلية لحربٍ شاملة مع حزب الله. وذكر التقرير أنّ الحرب ستبدأ من الشمال "بوابلٍ هائل ومدمر من صواريخ حزب الله في جميع أنحاء البلاد تقريباً".

وبحسب ما تابع التقرير، الذي يتألف من 130 صفحة، والذي جاء نتيجة دراسة غير مسبوقة استمرّت ثلاث سنوات، فإنّ إطلاق الصواريخ من لبنان سيكون مكثفاً، حيث يتراوح بين 2500 و3000 عملية إطلاق يومياً، بما في ذلك صواريخ أقل دقة وصواريخ بعيدة المدى دقيقة.

كذلك، أكد أنّ معدل إطلاق النار "سيتحدّى التكنولوجيا الإسرائيلية كما لم يحدث من قبل"، مشيراً إلى أنه سيتم استنفاد مخزونات صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية وصواريخ مقلاع داوود في غضون أيام قليلة من القتال، مما يترك "إسرائيل" عرضةً لآلاف الصواريخ والقذائف دون دفاعٍ نشط فعال.

المعترضات الإسرائيلية.. مم تتألف؟

يستخدم الاحتلال الإسرائيلي في التصدّي لصواريخ المقاومة، في لبنان، وفلسطين المحتلة، عدة أنظمة متكاملة للدفاع الجوي، ومن ضمنها القبة الحديدية، منظومة باتريوت، نظام أرو (السهم)، ومقلاع داوود. وهذه المنظومات، ذات الطبقات المختلفة، تكلّف الميزانية الإسرائيلية مبالغ طائلة، نظراً لارتفاع أسعار صواريخها وتكلفة تشغيلها العالية.

صواريخ "تامير"

تُعتبر صواريخ "تامير" العنصر الأساسي في منظومة القبة الحديدية الدفاعية الإسرائيلية، بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيوزويك" الأميركية. وكانت صواريخ "تامير" من بين العناصر الأولى التي تم إرسالها إلى "إسرائيل" بعد هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

  • صواريخ حزب الله
    صواريخ "تامير" (أرشيفية)

وتُصنع هذه الصواريخ بواسطة شركة "RTX" ومقرّها الولايات المتحدة، والمعروفة سابقاً باسم "رايثيون"، بالشراكة مع شركة تكنولوجيا الدفاع الإسرائيلية "رافاييل".

وتحتوي كل بطارية من بطاريات القبة الحديدية بين 3 و4 حاويات، في كلّ منها 20 صاروخاً معترضاً جاهزاً للإطلاق. ومن أجل تقريب الفكرة أكثر، فإنّ الاحتلال يملك رسمياً 10 بطاريات من القبة الحديدية، تستطيع كلّ منها حماية مساحة تبلغ نحو 150 كلم مربعاً. وتقدّر تكلفة كل بطارية واحدة للقبة الحديدية بنحو 50 مليون دولار.

خلال الحروب السابقة مع المقاومة في غزّة، ادّعى الاحتلال على الورق أنّ نسب اعتراض القبة الحديدية للصواريخ فاقت 90%. وفي أسوأ حالاتها، تراجعت النسبة إلى 75%. في المقابل، فنّد خبراء فاعليّة القبة الحديدية من الناحية التقنية، حيث تبيّن أنّ نسب الاعتراض الفعلية تتراوح بين 6 و15%، وهي نسبةٌ أقل بكثير من الادعاء الإسرائيلي.

وفي حالة إطلاق الصواريخ باتجاه "إسرائيل"، يتم الاعتراض في العديد من الأحيان عبر إطلاق صاروخين معترضين، تبلغ كلفة الواحد منها نحو 40 ألف دولار، لاعتراض صاروخٍ بسيط التصنيع يبلغ ثمنه عدّة مئات من الدولارات. 

هذا من دون التطرق إلى التكلفة التشغيلية لهذه الصواريخ، فمع إضافة هذه التكلفة، بما في ذلك تكاليف نقلها وتحميلها والأفراد القائمين على خدمتها وتلقيمها وإطلاقها، وغيرها من التكاليف التشغيلية، فإنّ كلفة الاعتراض سترتفع بشكلٍ كبير.

وتشير تقديرات خبراء إلى أنّ الاحتلال لا يمتلك أكثر من 10 آلاف إلى 20 ألف صاروخ "تامير" معترض كحدٍّ أقصى. ونذكّر هنا بأنه يمتلك 10 بطاريّات، ولن تأتي الصواريخ بواقع الحال من اتجاهٍ واحدة في أية حرب قادمة، أي أن جزءاً منها فقط سيكون في الشمال. ولنتذكّر أنها تحتاج إلى إعادة تذخير بعد كلّ رشقة، كما أنها تمّ استنفادها بشكلٍ كبير في جبهة غزة خلال الحرب الجارية.

صواريخ باتريوت

وفي ما يخصّ منظومات الدفاع الجوي "باتريوت"، فهي عبارة عن نظام صاروخ أرض- جو، يُصنّع من قبل شركة "رايثيون" الأميركية،  ومصمّم للحماية من الصواريخ المهاجمة والطائرات، إذ يقوم بإصابتها وتفجيرها في الهواء قبل بلوغها أهدافها.

  • صواريخ حزب الله
    منظومة الدفاع الجوي "باتريوت" (أرشيفية)

وصُمّم صاروخ "باتريوت" لاعتراض عددٍ من الصواريخ المعادية والتهديدات الجوية، ومنها الصواريخ ذاتية الدفع التي يمكن أن تحمل رؤوساً كيميائية أو نووية أو بيولوجية.

وتبلغ تكلفة مجموعة "باتريوت" حديثة الإنتاج أكثر من مليار دولار، منها 400 مليون دولار للنظام و690 مليون دولار للصواريخ في البطارية، وفقاً لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

 وتمّ نشر بطاريات "الباتريوت" مطلع العام الحالي شمالي فلسطين المحتلة، بالقرب من الحدود مع سوريا ولبنان، لاعتراض الصواريخ المعادية في مناطق مختلفة من جبهة الشمال، وفق الإعلام الإسرائيلي.

ويمكن أيضاً للباتريوت إسقاط طائرات "انتحارية" مُسيّرة، وهو ما فعله عبر إسقاط بعض المسيّرات القادمة من لبنان، لكنه وسيلة مكلفة للغاية لتدمير الطائرات بدون طيار التي لا تكلّف سوى مئات الدولارات، في الوقت الذي يبلغ فيه سعر صاروخ "باتريوت"، حالياً، 5 مليون دولار أميركي تقريباً للصاروخ الواحد.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة، التي تزوّد الاحتلال بهذه المنظومة، كانت تملك 3 آلاف صاروخ "باتريوت" جاهز ضمن البطاريات، ونحو ألفي صاروخ لإعادة التلقيم، وذلك قبل الحرب على أوكرانيا. إلا أنّ الحرب تسبّبت باستنفاد هذا المخزون، ما يعني أنّ الاحتلال الإسرائيلي بات يملك الآن، بحسب التقديرات، المئات فقط من هذه المعترضات، وهو ما سيؤثر بطبيعة الحال على قدرته في التصدي لصواريخ المقاومة في حال تصعيد الحرب.

من المعروف أنّ أي نظام دفاعي، سواء كان القبة الحديدية أو غيره، يمكن التغلب عليه، فالموضوع يرتبط بعدد الصواريخ التي يمكن للمهاجم إطلاقها، ولأنّه عادة ما يكون الدفاع أكثر تكلفةً من الهجوم، لذلك يمكن للجانب المهاجم دائماً اختراق الدفاع، إذا كانت لديه القدرة على تطوير عددٍ كبير بما فيه الكفاية من الصواريخ.

وتُظهر صواريخ المقاومة بوضوحٍ شديد أنّ أفضل أنظمة الدفاع الجوي يمكن هزيمتها إذا تغلّب عليها عدد التهديدات التي يتعين عليها مواجهتها في الوقت ذاته. ويفاقم مشكلة الدفاع الإسرائيلي استنفاده للصواريخ الاعتراضية في هذه الجولة الاستنزافية من المواجهة.

اقرأ أيضاً: "رماة ماهرون": تطور سلاح ضد الدروع لدى حزب الله.. ضابط يكشف ماذا ينتظر الاحتلال

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.