ليبيا على صفيح ساخن: الاستخبارات التركية تدخل على الخط وسباق محموم على رئاسة الحكومة
طرابلس تشهد توتراً أمنياً متصاعداً وزيارة استخباراتية تركية لاحتواء التصعيد، وسط غضب شعبي وسباق محتدم بين 13 مرشحاً لرئاسة الحكومة.
-
تصاعد الدخان الأسود في سماء طرابلس الليبية (أ ب)
شهدت العاصمة الليبية طرابلس تصاعداً ملحوظاً في التوترات الأمنية والسياسية خلال الأيام الماضية، وسط تحرّكات دبلوماسية واستخباراتية دولية، وتنافس محموم بين 13 مرشحاً على رئاسة الحكومة الجديدة، في ظل مخاوف من انفجار أزمات أعمق تُعيد البلاد إلى مربع العنف والاقتتال.
زيارة استخباراتية تركية في توقيت حساس: دعم للاستقرار أم ضبط للتوازنات؟
وصل نائب رئيس جهاز المخابرات التركي، جمال الدين تشاليك، إلى طرابلس في زيارة هي الأولى لمسؤول تركي منذ اندلاع الاشتباكات الأخيرة.
وجاءت الزيارة بعد ساعات فقط من المواجهات المسلحة بين جهاز الردع واللواءين 444 و111 التابعين لوزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية، ما دفع وزارة الدفاع إلى إعلان وقف لإطلاق النار في محاور التوتر، في محاولة لاحتواء التصعيد وحماية المدنيين.
وتأتي هذه الخطوة من أنقرة في توقيت لافت، يُظهر اهتماماً متجدداً بتطورات المشهد الليبي، خصوصاً في ظل المتغيرات الأمنية المتسارعة.
فمقتل رئيس جهاز دعم الاستقرار، عبد الغني الككلي، يُعد حدثاً مفصلياً بالنظر إلى موقعه ضمن الترتيبات الأمنية القائمة في طرابلس، وقد ينعكس على التوازنات الحساسة التي ساهمت تركيا في بلورتها خلال السنوات الماضية.
وبحسب مصادر مطلعة، التقى تشاليك بعدد من كبار المسؤولين الأمنيين المرتبطين بوزارتي الداخلية والدفاع، في إطار تأكيد دعم بلاده للاستقرار، والتشديد على أهمية ضبط إيقاع التحالفات الميدانية بما ينسجم مع مساعي التهدئة وتجنّب الانزلاق إلى فوضى أوسع.
المجلس الرئاسي يتحرّك لتثبيت الهدنة وسط غضب شعبي
وفي محاولة لاحتواء الأزمة وتهدئة الأوضاع، أطلق المجلس الرئاسي الليبي آلية لتثبيت الهدنة في طرابلس، شملت ترتيبات أمنية تهدف إلى منع تكرار الاشتباكات العنيفة التي شهدتها العاصمة مؤخراً.
وجاءت هذه الخطوة على خلفية احتجاجات شعبية طالبت بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة والتي قوبلت، وفق تقارير وشهادات محلية، باستخدام مفرط للقوة، ما خلّف عدداً من الضحايا بين المتظاهرين.
وتزامنت هذه التطورات مع تصاعد مطالب سياسية في الشرق والغرب لتشكيل حكومة جديدة، وسط اتهامات متبادلة لحكومة الدبيبة بعدم السيطرة على الوضع الأمني، وتجاوزها للمدة المحددة وفق الاتفاق السياسي الموقع في جنيف سنة 2021.
سباق محتدم على رئاسة الحكومة: 13 مرشحاً ومرحلة تقييم دقيقة
في خضم هذه الأزمات، بدأت لجنة فرز ملفات المرشحين لرئاسة الحكومة أعمالها داخل مقر مجلس النواب بمدينة بنغازي، حيث تم استلام ملفات 13 مرشحاً حتى الآن، من بينهم ترشحان جديدان لعصام أبو خضير وعبد الكريم مقيق.
وأكّدت المقررة البرلمانية صباح الترهوني أن جلسة مجلس النواب ستناقش الأوضاع في طرابلس، بما في ذلك مطالب المحتجين، بينما ستُعرض ملفات المرشحين رسمياً في جلسة لاحقة، لتبدأ بعدها مرحلة التقييم الفني والسياسي تمهيداً لاتخاذ القرار النهائي.
انقسام نيابي وتحذير من خطوات أحادية
في المقابل، أصدر عدد من أعضاء مجلس النواب بياناً رفضوا فيه أي محاولات لتشكيل حكومة جديدة دون توافق سياسي شامل بين مختلف الأطراف، مؤكدين أن الخطوات الأحادية تمثل إجراءً غير مشروع سياسياً ودستورياً.
وحذّر النواب من أن أي حكومة تُشكّل خارج إطار التوافق الوطني ستعيد ليبيا إلى مربع الانقسام والتصعيد، خصوصاً في ظلّ الظروف الراهنة التي تستدعي وحدة الصف الوطني لتجاوز الأزمة.
وشدد البيان على ضرورة احترام مبدأ الشراكة بين مجلسي النواب والدولة، كما نص عليه الاتفاق السياسي الليبي، مع التأكيد على أن الحكومة الجديدة يجب أن تمثل كافة الليبيين وتكون قادرة على قيادة البلاد نحو الانتخابات واستعادة الاستقرار.
طرابلس تتقاطع فيها الحسابات والمشهد مفتوح على المجهول
وفي ظل كل هذه التطورات تجد ليبيا نفسها اليوم في مفترق طرق حرج، حيث تتداخل عوامل التوتر الأمني والسياسي، مع محاولات دولية وإقليمية لاحتواء النزاع.
فالزيارة التركية الأخيرة تبرز الدور الكبير لأنقرة في المشهد الليبي، لكنها تعكس أيضاً هشاشة الوضع داخل طرابلس، وعمق الصراعات بين الفصائل والسلطات.
فلا حكومة قادرة على فرض سلطتها بالكامل، ولا دعم دولياً كافياً لدفع باتجاه تسوية شاملة. وبين صمت البعثة الأممية، وغياب رؤية إقليمية موحدة، يبقى الاحتمال الأقرب هو الدخول في مرحلة إعادة تشكل توازنات، قد تحمل معها مزيداً من التصعيد، أو تعيد إنتاج تفاهمات هشة سرعان ما تتآكل عند أول هزّة. وحتى يحين ذلك، ستظل ليبيا على صفيح ساخن.
ارتدادات الصفيح الليبي على الجارة تونس
ما يحدث في طرابلس لا يتوقف داخل حدودها. فالتوتر الأمني واهتزاز السلطة في ليبيا يُلقيان بظلالهما مباشرة على الجارة تونس، حيث سُجّل في الأيام الأخيرة تدفّق متزايد لليبيين عبر المعبر الحدودي رأس جدير، وسط مخاوف من توسّع رقعة الاشتباكات أو انزلاق العاصمة إلى سيناريو فوضوي.
وبحسب شهود عيان، فقد رفعت الأجهزة الأمنية التونسية من مستوى جاهزيتها تحسّبًا لأي تطورات ميدانية في الغرب الليبي، خاصة في ظل وجود جماعات مسلحة تتحرك في محيط طرابلس.
ويخشى مراقبون من أن ينعكس اختلال التوازنات الأمنية في ليبيا على أمن تونس، سواء عبر أنشطة التهريب، أو تسلل مجموعات مسلحة، أو من خلال التبعات الاقتصادية المباشرة المرتبطة بالتبادل التجاري بين البلدين.