مخيم الفرنسيين في إدلب بين النار والوساطات: القصة الكاملة لتوتر "حارم" الأخير

مدينة حارم في ريف إدلب شهدت مؤخراً توتراً أمنياً بين قوات تابعة لوزارة الدفاع السورية ومقاتلين أجانب يقودهم الفرنسي "عمر أومسن"، انتهى بوساطة محلية واتفاق هشّ لوقف إطلاق النار داخل "مخيم الغرباء"، فما خلفيات التوتر وأسبابه؟

  • اتفاق لوقف إطلاق النار وتجميد الإجراءات الأمنية داخل مخيم الفرنسيين في إدلب
    مخيم الفرنسيين في إدلب بين النار والوساطات: القصة الكاملة لتوتر "حارم" الأخير

شهدت مدينة حارم في ريف إدلب الشمالي توتراً أمنياً غير مسبوق خلال الأيام الماضية، إثر مواجهات محدودة واحتقان متبادل بين عناصر تابعة لوزارة الدفاع السورية ومجموعة أجنبية يقودها الفرنسي المعروف باسم "عمر أومسن"، زعيم ما يُعرف بـ"فرقة الغرباء"، التي تضم مقاتلين ومتطوعين من أصول فرنسية وأوروبية، حيث انتهت التطورات بوساطة محلية أفضت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتهدئة الوضع داخل المدينة، بعد أن كاد التصعيد يتحول إلى اشتباك واسع النطاق.

خلفيات وأسباب التوتر

وبدأت شرارة الأحداث في 22 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، عندما توجهت قوة أمنية تابعة لوزارة الدفاع نحو منطقة "مخيم الغرباء" في أطراف مدينة حارم – بحسب الرواية الحكومية –  بهدف "ملاحقة عناصر مطلوبين في قضية اختطاف طفلة من والدتها".

وفي المقابل، اعتبرت "فرقة الغرباء" أن التحرك جاء دون تنسيق أو إنذار مسبق، وأن الهدف الحقيقي هو محاولة اقتحام المخيم والسيطرة عليه، وهو ما أدى إلى حالة استنفار في صفوف المقاتلين الأجانب وحواجزهم المنتشرة في محيط المخيم، إلى جانب دعوة بقية الفصائل الأجنبية الأخرى من تركستان وأوزبكستان، لما تم وصفه بـ"الفزعة" لمساندة الفصيل الفرنسي.

وبدأت التطورات تتسارع، حيث اندلعت اشتباكات محدودة لم تُعرف خسائرها، إلى جانب تبادل تهديدات واستنفار متبادل، قبل أن تتدخل شخصيات دينية ومحلية للوساطة، مهدّدة بانفجار الموقف إذا لم يُحتوَ سريعاً.

اتفاق التهدئة

واستمرت حالة التوتر على مدى يومين، تخللتها مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء محليين من وجهاء المنطقة وفصائل أخرى عاملة في إدلب، حيث تزعم الوساطة قيادي تركستاني، وكان أحد الضامنين على توقيع اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار.

وفي مساء 24 تشرين الأول/أكتوبر، تم الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار وتجميد الإجراءات الأمنية داخل المخيم، على أن يتم تسوية أوضاع المطلوبين عبر لجان مدنية وقانونية، بعيداً عن الحل العسكري، حيث شهدت مدينة حارم، وصولاً إلى مدينة إدلب، انتشاراً أمنياً محدوداً بعد الاتفاق، مع بقاء نقاط تفتيش مشتركة لضمان الالتزام ببنود التهدئة، فيما تحدثت تقارير عن استمرار المراقبة والمتابعة الدقيقة للمخيم تحسباً لأي طارئ.

من هو "عمر أومسن"؟

عُرف "عمر أومسن"، واسمه الحقيقي عمر ديابي، بكونه أحد أبرز المقاتلين الفرنسيين في سوريا منذ عام 2013.

وينحدر من أصول سنغالية، وبرز بدايةً كداعية ومجنّد على الإنترنت قبل أن يقود مجموعة من المقاتلين الناطقين بالفرنسية تحت اسم "فرقة الغرباء"، التي تمركزت في مناطق شمال إدلب.

ويُعدّ "أومسن" شخصية مثيرة للجدل في الأوساط الغربية، إذ تتهمه السلطات الفرنسية بلعب دور في تجنيد شبان فرنسيين للقتال في سوريا، فيما يظهر إعلامياً كقائد ديني–عسكري يحاول تنظيم مجتمع مصغّر من أسر ومقاتلين فرنسيين يعيشون ضمن ما يُعرف بـ"مخيم الغرباء" في حارم.

ويضم المخيم، وفق تقديرات منظمات مراقبة، عشرات الأسر الأجنبية التي وصلت إلى إدلب منذ سنوات، ويُدار بشكلٍ شبه مستقل، عبر إدارة داخلية تفرض قواعدها الخاصة على المقيمين، ولا تعترف حتى اليوم بالمؤسسات الحكومية التابعة للسلطة الحالية.

وتشير مصادر متابعة إلى أن المخيم يضم مرافق بسيطة كمسجد ومدرسة ومركز إغاثي صغير، وأن إدارة "أومسن" تمارس سلطة داخلية واضحة تشمل تنظيم الدخول والخروج، وتقديم تعليم ديني باللغة الفرنسية، إضافةً إلى خدمات معيشية أساسية.

ورغم طبيعة الحياة شبه المدنية داخل المخيم، إلا أنه يبقى منطقة مغلقة أمنياً، ما جعله موضع ريبة لدى السلطات المحلية والجهات الأمنية السورية، التي ترى فيه بؤرة يمكن أن تُستغلّ من جهات خارجية أو مجموعات متشددة.

وفي المحصلة، انتهت أحداث حارم مؤقتاً بتهدئة هشّة حالت دون تصعيد دموي، لكن جذور الأزمة لا تزال قائمة، إذ يشير التوتر بين السلطات المحلية والمجموعات الأجنبية المسلحة إلى أنّه قابل للاشتعال مجدداً، بعد الكشف عن حالة التفاهم بين الفصائل الأجنبية ضد السلطة عند أول احتكاك مباشر، مما يشير إلى توترات لاحقة قد تتوسع مع انتشار تلك الفصائل داخل الجسم العسكري للجيش السوري الجديد.

وتثير هذه التطورات تساؤلات حول مدى قدرة الإدارة السورية في إدلب على استيعاب وجود جماعات أجنبية مسلحة داخل أراضيها، في ظل تشابك الولاءات والتدخلات الخارجية المعقدة.

اخترنا لك