هل تنجح الحكومة السورية الجديدة في إصلاح قطاع الطاقة بعد سنوات من الانهيار؟
ترتكز جهود الحكومة السورية الجديدة على دمج “قسد” واستعادة السيطرة على حقول النفط والغاز الحيوية إلى جانب إعادة تأهيل شبكات الكهرباء المنهارة عبر تمويل خليجي ودولي وتخفيف العقوبات. فهل تنجح في ذلك؟
-
هل تنجح الحكومة السورية الجديدة في إصلاح قطاع الطاقة بعد سنوات من الانهيار؟
قطاع الطاقة السوري بين الأمل والتحديات
أعاد الاتفاق بين الحكومة السورية الجديدة و"قوات سوريا الديمقراطية – قسد" ملف النفط والغاز إلى الواجهة من جديد، في ظل سعي دمشق لإنعاش الاقتصاد المنهك منذ سنوات الحرب. الاتفاق الذي يشمل دمج "قسد" بمؤسسات الدولة، يعوّل عليه البعض لإعادة السيطرة على الحقول الاستراتيجية في شرق الفرات، بينما يراه آخرون تحديًا جديدًا في ظل العقبات السياسية والعسكرية.
اتفاق دمشق وقسد: خطوة نحو الوحدة أم بداية لصراع جديد؟
في 9 آذار الماضي، وُقّع اتفاق بين رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، يتضمن وقف إطلاق النار، ودمج مؤسسات الإدارة الذاتية ضمن الدولة السورية، بما يشمل المعابر وحقول النفط والغاز. ويهدف الاتفاق إلى تمثيل جميع السوريين من دون تمييز، ضمن عملية سياسية شاملة.
رغم التفاؤل، يواجه الاتفاق اعتراضات من "قسد" التي تطالب بضمانات سياسية وتمثيل فعلي في المؤسسات، وهو ما لم يتحقق في الإعلان الدستوري الأخير ولا في الحكومة الانتقالية، ما دفع الكرد إلى التنديد بما وصفوه بـ"الإقصاء".
كما يُضاف إلى ذلك التحدي الأميركي، حيث تسيطر القوات الأميركية على مواقع قريبة من حقول النفط في دير الزور والحسكة، وتسليم هذه الحقول للحكومة السورية يتناقض مع السياسة التي اعتمدتها واشنطن سابقًا، خاصة في عهد ترامب.
اقرأ أيضاً: "الإدارة الذاتية": لسنا معنيين بتطبيق قرارات الحكومة السورية الجديدة
قطاع النفط السوري: من الاكتفاء إلى الانهيار
قبل الحرب، كانت سوريا تنتج نحو 350 ألف برميل نفط يوميًا، وتصدّر قرابة 150 ألف برميل. اليوم، لا يتجاوز الإنتاج 15 ألف برميل، فيما تُسيطر "قسد" على أكثر من 75% من الاحتياطي النفطي، أبرزها في حقول العمر، والتنك، وحقول رميلان في الحسكة.
أبرز حقول النفط في سوريا
- حقل العمر
في ريف دير الزور، ويُعتبر أكبر الحقول السورية بقدرة إنتاجية تبلغ 90 ألف برميل يومياً
- حقل التنك
يقع أيضاً في ريف دير الزو وهو أحد أكبر الحقول النفطية في سوريا بقدرة إنتاجية تبلغ 40 ألف برميل يومياً.
- حقول رميلان
تقع في ريف الحسكة وتضم أكثر من 1322 بئراً، تجاوز إنتاجها اليومي في العام 2010 حاجز الـ 90 ألف برميل يومياً.
- حقل السويدية
موجود في ريف الحسكة ويراوح إنتاج آباره ما بين 60 إلى 80 ألف برميل يومياً.
بينما تنتشر مجموعة من الحقول النفطية الصغيرة في أرياف حمص وبادية تدمر منها حقول التيم والورد، وحقل الشاعر، لكنها تنتج كميات محدودة من النفط يومياً.
كما تُشير معلومات إلى أن النفط حالياً يُباع جزئياً عبر العراق بطرق غير رسمية، في حين يُنقل جزء آخر من قبل القوات الأميركية إلى خارج سوريا.
اقرأ أيضاً: النهب الأميركي المنظّم للنفط السوري... جريمة متمادية
الغاز والكهرباء: أزمة مستمرة تهدد الاقتصاد
-
عناصر داعش بعد السيطرة على حقل الشاعر للغاز في ريف حمص (أرشيف) (سانا)
انخفض إنتاج سوريا من الغاز من 30 مليون إلى 10 ملايين متر مكعب يوميًا، ما أثر بشكل مباشر على توليد الكهرباء. اليوم، لا تنتج سوريا سوى 1300 ميغاواط من الكهرباء، بينما تحتاج إلى أكثر من 6500 ميغاواط. وتعتمد الحكومة على الغاز والفيول لتشغيل المحطات، إضافة إلى كميات محدودة من الطاقة الكهرومائية والمتجددة.
رغم محاولات الصيانة والتمويل المحدود، يواجه قطاع الكهرباء خسائر تقدر بعشرات المليارات، بسبب الحرب والعقوبات.
أبرز حقول الغاز في سوريا
- حقل "الشاعر"
يعتبر أكبر حقول الغاز الطبيعي في سوريا، مع احتوائه على احتياطيات كبيرة، تُقدَّر -وفق معلومات غير رسمية- بنحو 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
يقع في محافظة حمص، شمال غرب مدينة تدمر، ويحدّه من الشمال حقل جحار للغاز، وقد بدأت جهود استكشافه في ستينات القرن الماضي، وطُوِّرَ ليصل حجم إنتاجه في عام 2010 إلى نحو 35 مليون متر مكعب سنوياً.
- حقل جحار
يُعدّ واحداً من أهم وأكبر 5 حقول نفط وغاز في سوريا، إذ اعتمدت عليه دمشق لسنوات طويلة في تلبية احتياجات البلاد من الطاقة، خاصّة ما يتعلّق بتوليد الكهرباء والصناعات المختلفة.
وبفضل موقعه الاستراتيجي، غرب مدينة تدمر في محافظة حمص، يُعدّ الحقل قريباً من شبكة خطوط الغاز السورية الوطنية، وهذه ميزة لا تتوافر في كثير من الحقول، كما أنه يُعدّ من الاكتشافات الحديثة، إذ يعود اكتشافه إلى العام 2001، ويُقدّر احتياطي الغاز فيه بنحو 25 مليار متر مكعب، بينما تذهب تقديرات أخرى إلى أنها قد تزيد على 30 ملياراً.
- معمل كونيكو للغاز
يقع في الريف الشمالي لمحافظة دير الزور، وهو أكبر معامل معالجة الغاز الطبيعي في سوريا، إضافة إلى أنه كان يُنتج 10 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، وهذه الكميات كانت مخصصة بالكامل قبل الحرب لمحطات الطاقة الكهربائية في البلاد.
وتمتلك سوريا مصفاتين أساسيتين لتكرير المشتقات النفطية، الأولى في حمص والثانية في بانياس، وكانتا تلبّيان ثلاثة أرباع طلب البلاد على المنتجات البترولية المكررة قبل عام 2011، لكن قدرتهما الإنتاجية تضاءلت بشكل كبير خلال سنوات الحرب، نتيجة الأعطال المستمرة وعدم توفر قطع الغيار لإجراء عمليات الصيانة اللازمة.
نقص الغاز ينعكس على توليد الكهرباء
يواجه قطاع الكهرباء في سوريا اليوم تحديات كبيرة نتيجة تهالك البنى التحتية، وخروج عشرات المحطات وخطوط التوتر العالي من الخدمة، لكن المشكلة الأبرز تكمن في انخفاض كميات الغاز والفيول الواصلة إلى المحطات الكهربائية، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على الكميات المولّدة من الكهرباء.
وكشفت وزارة الكهرباء السورية مؤخراً جزءاً من حجم الأزمة التي تعاني منها البلاد، إذ لا تتجاوز القدرة الإنتاجية الحالية 1300 ميغاواط، في حين تحتاج سوريا إلى نحو 6500 ميغاواط لتلبية الطلب الكلّي. وتؤكد الوزارة إن رفع القدرة الإنتاجية إلى 4000 ميغاواط على المدى القصير سيكون من خلال إعادة تأهيل المحطات المتضررة، عبر تعزيز التعاون مع الدول العربية والدولية لتوفير الدعم المالي والتقني اللازم للنهوض بالقطاع الكهربائي.
وتعرّض قطاع الكهرباء في سوريا لخسائر كبيرة خلال السنوات الماضية، حيث دُمِّرت 59 محطة تحويل بالكامل، وخرجت مئات خطوط التوتر العالي من الخدمة، في حين تعرضت المحطات لعمليات النهب والسرقة، وبلغت الخسائر المباشرة لقطاع الكهرباء نحو 40 مليار دولار أميركي، في حين تجاوزت الخسائر غير المباشرة 80 مليار دولار.
وتعتمد سوريا أيضاً على السدود المائية الرئيسية لتوليد الكهرباء، مثل سد الطبقة الذي يُنتج 880 ميغاواط، وسد تشرين الذي يُنتج 630 ميغاواط، وسد البعث الذي يُنتج 81 ميغاواط، لكن إنتاج هذه المحطات يُغذي مناطق شمال وشمال شرق سوريا، وربما يكون الاتفاق مع قوات سوريا الديموقراطية مقدمة لدمج إنتاج هذه المحطات ضمن الشبكة الكهربائية السورية في المستقبل القريب.
ويؤدي النقص الحاد في توليد الكهرباء إلى انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة يومياً في جميع المحافظات السورية، ما أثّر بشكل سلبي على مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية في البلاد، في وقت يشكّل فيه تخفيف العقوبات الاقتصادية الغربية، وفتح باب الاستثمار أمام الشركات العربية والأجنبية فرصة لإنعاش واقع الكهرباء داخل سوريا.
اقرأ أيضاً: وزير الكهرباء السوري: نحتاج إلى شهرين لتوفير الكهرباء بين 6 و8 ساعات يومياً
استثمارات غادرت... وديون متراكمة مع خسائر بالمليارات
غادرت شركات أجنبية كبرى مثل "شل" و"توتال" و"غلف ساندز بتروليوم" بعد 2011 نتيجة العقوبات، تاركة فراغًا كبيرًا في قطاع الطاقة.
تؤكد إحصائيات رسمية أن الحرب ألحقت خسائر ضخمة بقطاع النفط والغاز في سوريا، حيث وصلت فاتورة الأضرار إلى نحو 107 مليارات دولار أميركي.
كما أدى الانهيار القياسي في كميات الغاز المُنتجة، إلى توجّه دمشق نحو الاستيراد لتأمين 95% من احتياجاتها النفطية والغازية؛ وكان ذلك عبر الخط "الائتماني الإيراني"، الذي وصلت فاتورته المترتبة على دمشق، وفقاً لمصادر إيرانية، إلى قرابة 30 مليار دولار أميركي، وهذه الديون باتت اليوم محلّ إشكال بين الإدارة الجديدة في سوريا وإيران.
ما بعد الحرب: هل تنجح الحكومة الجديدة في إعادة تأهيل الطاقة؟
تعوّل الحكومة الجديدة على دمج قسد وتوحيد السيطرة على الموارد، إضافة إلى إلغاء العقوبات وعودة الشركات الأجنبية. كما تأمل بدعم خليجي لإعادة بناء البنية التحتية للطاقة والكهرباء، رغم التحديات الأمنية والسياسية؛ فهل تنجح الحكومة الجديدة في هذه المهمة الشاقّة؟