60 عاماً من تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية: مكاسب وتحديات

تأسست منظمة الوحدة الأفريقية بهدف توحيد الصفوف بين دول أفريقيا وحل التحديات المشتركة من خلال العمل الجماعي المركّز على تحقيق الاستقلال وإنهاء جميع أشكال الاستعمار من القارة.

  • 60 عاماً من تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية: مكاسب وتحديات
    60 عاماً من تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية: مكاسب وتحديات

احتفل الاتحاد الأفريقي بعيد ميلاده الستين في 25 أيار/مايو الماضي، والذي صادف أيضاً "يوم أفريقيا". وكانت الكتلة القارية خليفة لمنظمة الوحدة الأفريقية (Organisation of African Unity) التي تأسست في عام 1963 من قبل 32 دولة أفريقية. ورغم وحدة الأهداف العامة بين منظمة الوحدة الأفريقية وخليفتها الاتحاد الأفريقي المعتمد رسمياً في عام 2002، إلا أن أهداف الاتحاد الأفريقي كانت أكثر ملائمة من حيث الانخراط الوثيق مع الأنشطة الداخلية بالدول الأعضاء وتحقيق الوحدة الاقتصادية والسياسية للقارة مع أداء دور فاعل في ضمان السلام والأمن.

ومن النقاط البارزة أنّ المقرّ الرئيسي للاتحاد الأفريقي يقع في أديس أبابا، عاصمة إثيوبيا التي فشلت فيها مساعي الاستعمار الغربي. وفي العرض التالي يتناول المقال المكاسب التي حقّقتها المنظمة في القارة والتحديات التي تواجهها.

منظمة الوحدة الأفريقية وديناميكيات أفريقيا بعد الاستقلال

تأسست منظمة الوحدة الأفريقية بهدف توحيد الصفوف بين دول أفريقيا وحل التحديات المشتركة من خلال العمل الجماعي المركّز على تحقيق الاستقلال وإنهاء جميع أشكال الاستعمار من القارة. فنظّمت المنظمة دعماً دبلوماسياً ومساعدة لوجستية لحركات التحرير عبر القارة الأفريقية. وتحقّق الهدف الأساسي للمنظمة عندما حصلت 50 دولة أفريقية بحلول عام 1977 على استقلالها من القوى الاستعمارية الغربية.

على أن استقلال معظم الدول الأفريقية يعني أن بعض القضايا الرئيسية التي كانت توحّد صفوف دول المنظمة قد حُلّت، وأن أعضاءها أصبحوا أقل اهتماماً بقضايا أخرى مرتبطة بالتكامل السياسي والاقتصادي على مستوى القارة، وأن قادة الدول الأفريقية مشكّكون في المنظمة وأهميتها لبلدانهم، الأمر الذي خلق فجوة للمنظمة حيث لم يكن لها دور حقيقي إيجابي في التحديات الجديدة التي ظهرت بعد الاستقلال في الدول المختلفة. 

كما أن دولها الأعضاء أكثر انشغالاً بالقضايا الداخلية متجاهلة القضايا القارية، وهو ما تسبّب في حدوث انشقاقات في الوحدة بين الصفوف والتوجّهات التي توقّعها مؤسسوها. بل انتشرت المواجهات المسلحة والحروب الأهلية حيث لم تُؤسس المنظمة-آلية استراتيجية كإيجاد جيش دائم-للتعامل مع مثل هذه التحديات، إذ بدلاً من ذلك اعتمدت فقط على الجهود الفردية للدول الأفريقية للحصول على الدعم لإنهاء هذه الصراعات ومعالجة هذه الأزمات.

وعلى سبيل المثال، أدّى عدم التكامل السياسي بين أعضاء منظمة الوحدة الأفريقية إلى انقسام حادّ بين الأعضاء خلال الحرب الأهلية النيجيرية (المعروفة أيضاً بحرب بيافرا) بين عامي 1967 و1970، الأمر الذي أدى إلى معاناة تنزانيا وزامبيا وساحل العاج والغابون وإلى عزلة تامة داخل المنظمة بسبب دعمها استقلال بيافرا والعمل ضد الحكومة النيجيرية. 

وفشلت المنظمة في وقف الأعمال العدائية بين الدول الأعضاء المختلفة، إذ بحلول عام 1979 تحاربت إثيوبيا والصومال كما تحاربت تنزانيا وأوغندا. وأدى عدم وجود مبادئ سياسية معينة أو لوائح سياسية ملزمة للمنظمة إلى عدم احترام بعض القوانين الدستورية، ونمو الهيمنة السلطوية من قبل بعض الزعماء المتهمين بالاستبداد من دون تدخّل من المنظمة القارية، كما هو الحال في دول مثل جمهورية أفريقيا الوسطى إبان حكم جان بيدل بوكاسا، وأوغندا إبان حكم عيدي أمين دادا.

ومما يلاحظ طوال فترة وجود منظمة الوحدة الأفريقية أنها لم تكن مجهّزة لمكافحة الاستعمار الجديد بعد استقلال الدول الأفريقية، وهو ما أدى إلى اعتماد الدول حديثة الاستقلال على مستعمريها السابقين الذين بدورهم حافظوا على نفوذ قوي على هذه الدول. وساهم في هذا أيضاً أن المنظمة بعد استقلال الدول الأفريقية تجاهلت تعديل ميثاقها حول مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، الأمر الذي منح الرؤساء والزعماء حرية تمديد بقائهم في السلطة والإقبال على خطوات أثّرت سلباً في سياستهم الوطنية وحقوق مواطنيهم.

جدير بالذكر أن ضعف اهتمام المنظمة بتعزيز التكامل الاقتصادي لقارة أفريقيا أدى إلى تزايد التعامل التجاري بين الحكومات الأفريقية الفقيرة ومستعمريها السابقين وشركائها خارج القارة، وعزز ظهور تجمّعات إقليمية اقتصادية كمحاولات بديلة، مثل: المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (Economic Community of West African States)؛ ومنطقة التجارة التفضيلية لدول شرق وجنوب أفريقيا التي أصبحت لاحقاً السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (Common Market for Eastern and Southern Africa)؛ ومؤتمر تنسيق التنمية للجنوب الأفريقي التي خلّفتها الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي (Southern African Development Community). 

هذا، إلى جانب ما وُجِّهت إلى المنظمة من انتقادات مفادها أنها فوّتت الفرصة لسد الفجوة بين الأفارقة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وشمال أفريقيا، أو بين ما يُتصوّر من الانقسام بين الأفارقة "السمر" والأفارقة "العرب"، وهو انشقاق بارز ومؤثّر حتى اليوم في مختلف القضايا الأفريقية والقرارات الإقليمية المهمة، إضافة إلى مساعي كلا الجانبين لترجيح كفة مواقفه على الآخر.

إن التغيرات الجديدة في الساحة الأفريقية بعد الاستقلال والتحديات الجديدة التي لم تكن في حسبان الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية وغيرهما من الأمور فرضت على القيادة الأفريقية ضرورة التغيير في المنظمة ووضع مقترحات لإعادة هيكلتها في عام 1994. 

إضافة إلى خطط لتوسيعها بإنشاء مؤسسات فرعية إضافية، مثل البرلمان الأفريقي وصندوق النقد الأفريقي والبنك المركزي وغيره. ولكن هذه الدعوات الإصلاحية ومحاولات إعادة الهيكلة واجهت مقاومة لعدة سنوات من قبل بعض القادة نتيجة للانقسام في الصفوف ومخاوف من تأثّر سيادة دولهم بالمبادئ والهياكل المقترحة الجديدة.

وقد تعززت فكرة إنشاء اتحاد أفريقي في عام 1999 عندما تصدّر الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي المشهد وأوضح فكرته عن المنظمة الجديدة خلال الجمعية السنوية لمنظمة الوحدة الأفريقية مع ذكر الأسباب التي توجب إنشاء الاتحاد الأفريقي الجديد وإمكاناته للقارة الأفريقية ومواطنيها. 

ولكن رؤيته أثارت مشاعر متباينة وانتقادات مختلفة متمثّلة في أن الزعيم الليبي يريد دولة على خطى الولايات المتحدة الأميركية لتحقيق أهدافه الشخصية، وأن فكرته تعني تخلّي الدول الأفريقية عن سيادتها لصالح الاتحاد الجديد تحت حكومة أفريقية واحدة يقودها رئيس واحد وقوة دفاع موحدة وسياسة خارجية وتجارية مشتركة. 

ومع ذلك، أشعلت رؤية القذافي الخطوات الأولية واللازمة لإنشاء الاتحاد الجديد، حيث في 9 أيلول/سبتمبر 1999 أصدر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية إعلان سرت الليبية الذي دعا إلى إنشاء اتحاد أفريقي. وأعقبت ذلك قمم في لومي التوغولية في عام 2000 بعد الموافقة على القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، ومؤتمرات في لوساكا في عام 2001 حيث اعتُمِد وضع خطة التنفيذ الخاصة بالاتحاد الأفريقي الذي أُطلِق رسمياً في 9 تموز/يوليو 2002 في مدينة ديربان بجنوب أفريقيا، وترّأسه رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي في الدورة الأولى لمؤتمر الاتحاد الأفريقي.

الاتحاد الأفريقي: مكاسب متعددة رغم الانتقادات

ضم الاتحاد الأفريقي 53 عضواً عند تأسيسه في عام 2002، وزاد العدد في السنوات اللاحقة إلى 55 عضواً. وأصبح على مرّ العقدين الماضيين منتدى للقادة الأفارقة لمناقشة القضايا المشتركة وتنسيق الجهود لمواجهة التحديات الوطنية والقارية. وشملت الآليات الفعالة التي طوّرها الاتحاد الأفريقي لتعزيز السلام والأمن الأفريقي: الوساطة والحوار السياسي وأنظمة الإنذار المبكر وعمليات دعم السلام. 

كما أثّر الاتحاد بشكل إيجابي في عقلية النخب السياسية الأفريقية من اللامبالاة بقضايا إخوانهم الأفارقة ومشاكلهم إلى عقلية تشجّعهم على التدخّل في شؤون بعضهم البعض لإحلال السلام والتقدّم، كما هو الحال في أعمال العنف التي أعقبت الانتخابات في كينيا وعملية الديمقراطية في جزر القمر. 

بل ساعدت عمليات الاتحاد الأفريقي على تجنّب الكوارث وحماية السكان من النزاعات في دول مثل بوروندي وجمهورية أفريقيا الوسطى وجزر القمر والسودان والصومال وجنوب السودان ومالي. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2022 أسفرت جهود الاتحاد الأفريقي عن عقد مناقشات في جنوب أفريقيا وإنهاء حرب تيغراي بعد توقيع اتفاقية سلام بين الحكومة الإثيوبية ومقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تغراي.

وفي حين تشمل أهداف الاتحاد الأفريقي أيضاً دعم القيم والمؤسسات الديمقراطية على مستوى القارة الأفريقية حيث ساهم في صياغة المعاهدات الدولية لتعزيز السلام والديمقراطية والحكم الرشيد؛ فقد أعلن الاتحاد أيضاً عن مساعيه لتنفيذ تدابير مكافحة الفساد وتنظيم مبادرات اجتماعية وتمويل مشاريع الصحة ووضع الأجندات الأفريقية وصنع القرار واللوائح وصياغة السياسات والقيادة الاستراتيجية، الأمر الذي عزّز قدرته على التأثير في جدول الأعمال والخيارات داخل أفريقيا وعلى القضايا العالمية. 

وعلى سبيل المثال: أصبح الاتحاد الأفريقي منتدى لحشد الأعضاء لدعم المرشحين الأفارقة لشغل مناصب في المنظمات الدولية، وتمكّن من اتخاذ مواقف مشتركة بشأن أكثر من 20 قضية رئيسية دولية شكّلت المناقشات والقرارات العالمية.

ومما يُثنى الاتحاد الأفريقي عليه أنه يجتذب مجموعة من أفضل العقول الأفريقية، وأن موظفيه يحملون درجات عالية من التعليم في تخصصات مختلفة ويملكون خبرات عمل واسعة. كما أنه نجح مراراً وتكراراً في حشد جميع أعضائه لتبنّي مواقف موحّدة بشأن قضايا عالمية حاسمة. 

وكذلك قاد جهود التوصل إلى اتفاق بشأن أمور مثل ضرورة إحداث تغيير في الأمم المتحدة وتعزيز جهود أفريقيا لمكافحة وباء كوفيد-19 ودعم الدول الأفريقية التي تعاني أزمة الديون أو تواجه غلاء الأسعار بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

ومن خلال ما سبق يمكن القول إن النقاط السابقة تميّز الاتحاد الأفريقي عن منظمة الوحدة الأفريقية التي ركّزت على نضالات التحرير؛ إذ يعطى الاتحاد الأفريقي الأولوية لخلق الوحدة والتضامن بين دوله الأعضاء من أجل تحقيق أفريقيا المتكاملة والمزدهرة والسلمية التي يقودها أبناؤها وتمثّل قوة ديناميكية في الساحة العالمية. 

وأظهر الاتحاد الأفريقي أيضاً قدرته على توفير القيادة والعمل كمستشار لبلدانها والمنظمات متعددة الأطراف. وكانت نتيجة لجهوده وسدّ الثغرات الاقتصادية والتنموية أن أنشأ منظمات إنمائية مثل وكالة التنمية التابعة للاتحاد الأفريقي، وأطلق أجندة 2063 لتحقيق الاستقلال السياسي وتعزيز الديمقراطية والدور الأفريقي العالمي النشط. 

وفي عام 2018 توصّل أعضاؤه إلى اتفاق لتقليل الحواجز التجارية في أفريقيا من خلال منطقة التجارة الحرة في القارة الأفريقية (African Continental Free Trade Area) التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2021، وذلك لتسهيل التجارة في المنتجات والخدمات وتبسيط الإجراءات الجمركية وتسوية النزاعات التجارية.

على أنه رغم نجاحات الاتحاد الأفريقي في إقناع أعضائه الأفارقة بتبنّي مفاهيم التنمية ودمجها في خططهم الاقتصادية الوطنية؛ فقد واجهت المنظمة مجموعة من الانتقادات والاتهامات في ظل التحديات التي تتعرض لها جهودها. وكمثال: هناك من يرى أن الاتحاد بارع في الخروج بمفاهيم مهمة فقط ولكنه يفشل أحياناً في تنفيذها. 

وهناك من يصف المنظمة بالنادي الذي يجمع كبار السن والقادة العجائز والدكتاتوريين وأنه يرحّب بهم دون زجر أو عقوبة تليق بمستوى ما ارتكبوه بحق شعوبهم وبلدانهم ويحميهم من المثول أمام المحاكم الدولية، إضافة إلى صعوبة وصول الأفارقة الشباب أو المواطنين العاديين إلى المنظمة.

وإذا كان الاتحاد الأفريقي يتعرّض إلى الانتقاد أيضاً لاعتماده المستمر على الشركاء الأجانب والمانحين الخارجيين في تعبئة موارد أنشطتها وعمليات أعضائه نتيجة لضعفه المالي؛ فقد كان جزء من هذا راجع إلى إعاقة بعض الأعضاء جهود الإصلاح منذ عام 2016 الذي يقوده الرئيس الرواندي بول كاغامي. 

وهذا الجمود في الإصلاح أثّر سلباً على عمليات الاتحاد الأفريقي. وتدخل في هذا أيضاً حقيقة أن عمليات الحفاظ على وحدة أكثر من 50 عضواً داخل الاتحاد الأفريقي ليست سهلة، وخاصة في ظل الانقسام بين الكتل المختلفة داخل المنظمة والخلاف شبه الدائم في الاتفاق على بعض السياسات والقضايا، كما هو الحال بشأن قضية الصحراء الغربية ومنح "إسرائيل" صفة مراقب للاتحاد الأفريقي.

ومع ذلك، كانت بعض تلك الانتقادات جديرة بالاعتبار والدراسة من قبل مسؤولي الاتحاد الأفريقي، حتى وإن بعضها الآخر قد يعرّض المنظمة ومؤسساتها لفقدان وكالتها الأفريقية في حال اتباع مقترحات تلك الانتقادات. وعلى سبيل المثال: سيعيق تسليم القادة الأفارقة لمحكمة دولية عملَ المحاكم الأفريقية وسيقلل من أهمية أدوار مؤسساتها التي تُختَص بالنظر في التهم الموجّهة إليهم. 

كما أن التدخّل المتكرّر والسافر في الدول الأعضاء دون حِكمة وتأنٍ أو آلية محكمة سيجعل جميع الدول الأعضاء في حالة حرب وشكّ مع بعضها البعض كما سيفاقم من الصراعات ويجبر الأعضاء على سحب عضويتهم من المنظمة. 

 وأخيراً، يرى البعض أن من الإصلاحات الملحة للاتحاد الأفريقي في الوقت الراهن: معالجة القضايا المرتبطة بسوء الإدارة داخل المنظمة، وعبادة الشخصية، وتركيز السلطة في مكتب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وتضييق المجالات لمشاركة المواطنين الأفارقة في عمليات صنع القرار داخل المنظمة. 

كما دعاه البعض إلى إعادة النظر في سياساته للتعامل مع التحوّلات غير القانونية للأنظمة السياسية، حيث يتهم الاتحاد بالتساهل مع مخطّطي الانقلابات في دول أفريقية مختلفة في السنوات الأخيرة، وهو ما يتعارض مع خطواته السابقة عندما اتخذت المنظمة موقفاً صارماً ساهم في صد الحكومات العسكرية وزجرها في غينيا بيساو و"ساو تومي وبرينسيبي" وتوغو وموريتانيا وغينيا ومالي (في عام 2012) ومصر وجمهورية أفريقيا الوسطى.