أوروبا المحاصرة بين أميركا والصين.. القارة العجوز تسعى للإفلات من مصير التبعية

يبدو أن أوروبا غير قادرة بالفعل على رفع مكانتها لدى الأميركيين إلى درجة الحليف، بالرغم من سعيها لمحاولة دعم المشروعات الأميركية في إيقاف التطور الصيني وتهميش النفوذ الروسي والإيراني.

أوروبا والسعي للإفلات من الهيمنة.

أوروبا والسعي للإفلات من الهيمنة.

لا يرغب الأوروبيون، أسياد الكشوفات الجغرافية والاستعمار في العصر الحديث، بالاعتراف بالحقيقة الواقعية، أن كياناتهم الإمبراطورية السابقة قد هرمت بالفعل وأصبحت، في واقع الأمر، تابعة للأميركيين وحتى ليست حليفة، كما بدا للبعض عقب نهاية الحرب العالمية الثانية. نعم، ربما كانت تابعاً أكثر تطوراً من تابعين آخرين، لكنهم في النهاية اقتربوا بالفعل من مصير دول العالم الثالث التي خضعت للنفوذ الأميركي سابقاً؛ مصير التبعية الكاملة.

يرغب الأوروبيون في الإفلات من هذا المصير المؤلم للذاكرة الإمبراطورية لديهم، والتي دفعت الرئيس الفرنسي جاك شيراك يوماً ما، بمنتهى الغطرسة الاستعمارية، إلى تهديد دول من العالم الثالث باستخدام الأسلحة النووية ضدها.

هذه الذاكرة نفسها تمارس ضغوطاً على الأوروبيين لمحاولة الإفلات من هذا المصير. فبعد استفزاز الدب الروسي تبعاً للمشروعات الأميركية وعدم قدرة أوروبا، سواء عبر الحرب أم العقوبات، على تحجيم روسيا؛ والانسحابات الأوروبية، وخاصة الفرنسية، من أفريقيا في الفترة الأخيرة، والتي كان الأميركيون ضالعين فيها في محاولة للقضاء على النفوذ الفرنسي والثقافة الفرنكوفونية؛ التعرفات الجمركية التي ينوي ترامب (والمفترض أنه حليف) فرضها على التبادل التجاري بين أوروبا وأميركا؛ يضاف إليها صعود القوة الصينية (الشيوعية) السريع اقتصادياً وعسكرياً. وجدت أوروبا نفسها مؤخراً بين حلين أحلاهما مر: إما التبعية للأميركيين، أو الابتعاد عن أميركا للسقوط في فخ التبعية للتحالف الصيني-الروسي.

الأسباب السابقة أثبتت للأوروبيين مدى عجزهم عن التأثير في الأحداث المحيطة، كما كشفت الهجمات الصهيونية على إيران مدى تبعيتهم الكاملة للموقف الأميركي، وتسببت في أزمات اقتصادية تهدد الأمن الأوروبي، لذلك سعى الأوروبيون إلى محاولة الدخول إلى سباق الصراع على الطرق التجارية عبر إطلاق الاتحاد الأوروبي مبادرة البوابة العالمية والتي ينوي الاتحاد الأوروبي من خلالها حشد استثمارات تزيد على  300 مليار يورو من التمويلات العامة والخاصة لتطوير البنية التحتية العالمية بين عامي 2021 و2027، في التحول المناخي والتحول الرقمي، فضلاً عن الصحة والتعليم والبحث العلمي.

إن حجم التمويل الكبير لهذه المبادرة يشير إلى الهدف الأوروبي الحقيقي، وهو الدخول ضمن الصراع بوضع سياسي يؤهل أوروبا لموقع الحليف وليس التابع، ولهذا السبب يبدو أن أوروبا اختارت أكثر منطقتين تسعى الولايات الأميركية حالياً للسيطرة عليهما في إطار الصراع بينها وبين التحالف الرافض للهيمنة (الصين، وروسيا، وإيران وكوريا الشمالية)، وبحسب ما أعلنه الاتحاد الأوروبي فإن المشروعات الأولى لهذه المبادرة انطلقت من آسيا الوسطى وأفريقيا، في محاولة من الأوروبيين لإثبات قدرتهم ودورهم كحليف، وكذلك تأمين سلاسل توريد الطاقة والمعادن الحيوية .

الموقف الأميركي وصراع الممر الأوسط (ممر بحر قزوين) - طريق الحرير الروسي (ممر المريديان).

في شهر يوليو من العام 2019، أعلن رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف عن عزم روسيا تشييد ما أطلق عليه وقتها (طريق المريديان السريع)، وهو الطريق الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام (طريق الحرير الروسي) و(طريق الأرز) .

لقد جرى الإعلان عن هذا المشروع، الذي سيربط بين آسيا وأوروبا وسيعزز مكانة روسيا اللوجستية، عقب المنتدى الثاني لمبادرة (الحزام والطريق) الذي عقد في بكين بشهر أبريل من عام 2019، وهو ما يحمل دلالة على متانة التحالف الروسي – الصيني في مواجهة الهيمنة الأميركية، وهو ما انعكس على تصريحات رئيسي البلدين التي وصفت التحالف والتنسيق بين البلدين بالوثيق والفعال.

وبحسب ما أعلنته الدوائر الاقتصادية الروسية، يتضمن المشروع شق طريق سريع للسيارات بطول 2000 كيلومتر، يمتد من حدود كازاخستان إلى حدود بيلاروسيا عبر الأراضي الروسية، ومنذ الإعلان عن المشروع قامت الشركة المكلفة بتنفيذه بشراء 80% من الأراضي التي سيمر عبرها. وقد توقعت هذه الدوائر أن يكلّف المشروع 9.5 مليارات دولار، وأن يتم نقل بضائع عبر الطريق تبلغ من 6.1 إلى 11.5 مليون طن في السنة بحلول عام 2035. وسوف تمر به 12 ألف سيارة كل يوم حسب هذه التوقعات.

من ناحية الموقف الأوروبي، فمنذ الإعلان عن المشروع للمرة الأولى عام 2005، كان هناك حماسة أوروبية لإتمامه، وفي أعقاب منتدى الحزام والطريق الثاني الذي عُقد في أبريل 2019، جرى إدماج الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية من خلال إقامة هذا المشروع (طريق المريديان).

لكن اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية أوقف الحماسة الأوروبية تجاه إتمام المشروع الروسي – الصيني، وهنا يأتي الموقف الأميركي الحريص على الفصل بين روسيا وأوروبا، وبالأخص بين روسيا وألمانيا، الأمر الذي أثبت مدى تبعية أوروبا للولايات المتحدة، وبالتالي فإن إيقاف هذا المشروع هو من أسباب التحريض الأميركي لإشعال الحرب الروسية الأوكرانية، وهو كذلك من أسباب الدعم الأميركي (المؤقت) للمشروع الإردوغاني في سوريا وآسيا الوسطى.

كان البديل بالنسبة إلى أوروبا لإعادة سلاسل توريد الطاقة والمواد الخام الحيوية، هو التوغل في آسيا الوسطى والتي تمثل كذلك منطقة نفوذ صيني – روسي، عبر دعم الممر الأوسط أو ممر بحر قزوين، والهدف المعلن هو تأمين التجارة بين الصين وأوروبا، لكن الهدف الحقيقي لأوروبا هو إيجاد بديل للطاقة الروسية، والمواد الحيوية الصينية عبر آسيا الوسطى، بما يعني استبعاد روسيا والتقليل من الاعتماد على الصين. وعبر الرؤية الأميركية الأخيرة، التي يشارك الأوروبيون في تنفيذها، فإن هناك هدفاً ثالثاً وهو استبعاد إيران كذلك عبر تغيير نظامها الإسلامي المعادي للغرب كهدف أول ثم تفتيت وحدتها، أو على الأقل فصل آذربيجان عنها كهدف نهائي، وتحويل القيادة الإسلامية (دينياً وثقافياً) في المنطقة إلى تركيا.

إن الدور التركي في هذا المشروع واضح تماماً، فالدعوة إلى هذا المشروع انطلقت أساساً من تركيا وجورجيا في عام 2012، وبناء عليه جرى تشييد مشروع سكك حديد باكو-تبليسي-قارص كجزء من هذا المشروع الذي سيمر عبر الدول المتحدثة بالتركية في تطوره الأخير، بالرغم من أنه عند بدء طرحه كان من المفترض أن يشمل إيران كذلك، لكن الرؤية الأخيرة للمشروع (نظرياً) ترى أن مساره الرئيسي سينطلق من الصين بواسطة السكك الحديد إلى ميناء أكتاو في كازاخستان، ومنه عبر بحر قزوين إلى ميناء باكو في أذربيجان ثم تبليسي في جورجيا بالسكك الحديد، وينتهي في تركيا، وثمة مسار آخر له يمر عبر تركمانستان، متجهاً إلى ميناء باكو عبر بحر قزوين، ومنها إلى تبليسي ثم تركيا.

لقد جرى التوافق على المشروع رسمياً في فبراير سنة 2022 خلال الاجتماع الوزاري الثالث عشر لوزراء النقل في دول منظمة التعاون الاقتصادي (إيكو)، وفي نوفمبر 2023 توافقت دول هذه المنظمة على المشروع مرة أخرى خلال أعمالِ المؤتمرِ الدولي " اللوجستيات ومزاياها في تطوير روابط النقل بين طاجيكستان ودول المنطقة" المنعقد في العاصمة الطاجيكية دوشنبه.

يجب عدم الاستهانة هنا بالتواريخ، فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن مبادرة البوابة العالمية في ديسمبر 2021، بينما حصل التوافق على هذا الممر عبر الدعوة التركية في فبراير 2022، ولا يمكن الاعتقاد أن مثل هذا التلاحق للأحداث يأتي عن طريق الصدفة، خاصة أن الاتحاد الأوروبي أعلن في أبريل 2025 عن تمويل هذا الطريق بمبلغ 10 مليارات يورو، بعد قمة سمرقند التي جمعته مع دول آسيا الوسطى، إضافة إلى تمويل مجموعة من المشروعات في النقل بـ3 مليارات يورو، والمواد الخام الحيوية بـ2.5 مليار يورو، والمياه والطاقة والمناخ بنحو 6.4 مليارات يورو، وبعدها بشهر واحد كشف السفير الأميركي الجديد في تركيا، توم باراك، عن حقيقة النوايا المرتبطة بهذا المشروع الأوروبي المتسرب تحت الغطاء التركي " يمكن لتركيا أن تصبح مركزاً لتوريد المزيد من الغاز إلى أوروبا، عبر محطات توزيع الغاز.

وستوفر لأوروبا درعاً إضافياً في مواجهة التدخل الروسي. كما أن تركيا من خلال شراكاتها مع شركات الدفاع والطيران الأميركية، تؤدي دور الواجهة الاستراتيجية الدولية، بل ويمكنها أيضاً أن تبعد الصين ومبادرة الحزام والطريق مؤقتاً عن الساحة". 

ويبدو أن كلاً من إيران والصين قد اكتشفتا بالفعل الغرض من هذا الممر، فبالرغم من أن إيران عضو في هذه المنظمة (إيكو)، وكانت هي والصين من بين الدول التي رحبت بالمشروع في البداية، إلا أن أزمة ممر زانجزور والعدوان الصهيوني على إيران في يونيو الماضي، إضافة إلى التصريحات الفجة لرئيسة المفوضية الأوروبية (أورسولا فون دير لاين) التي قالت فيها بصراحة " ليس من المنطقي لأوروبا بناء طريق بين منجم نحاس وميناء مملوكين للصين!"، فهذا المشروع لا يرغب في التبادل التجاري مع الصين وإنما توجيه ضربات لنفوذ كل من الصين وروسيا وإيران والدول الرافضة للهيمنة الأميركية، والتسابق من أجل الحصول على منصب الحليف مع الولايات المتحدة الأميركية لا التابع .

موقف الدول الرافضة للهيمنة الأميركية 

لقد كشفت أزمة ممر زانجزور مدى وعي الإيرانيين لخطورة إتمام هذا المشروع بهذه الصيغة سواء على وحدتهم السياسية أم على نفوذهم في المنطقة وقوة المحور الرافض للهيمنة، وربما كان هذا الوعي لخطورة المشروع من أسباب التعجل بتوجيه ضربة إلى إيران من قبل الكيان الصهوني، والدعم الأوروبي لهذه الضربة إلى درجة أن يقول المستشار الألماني فريدريش ميرتس بكل صراحة، خلال لقاء مع القناة الثانية بالتلفزيون الألماني (ZDF) في 16 يونيو الماضي، إن الكيان الصهيوني يقوم بالأعمال القذرة نيابة عن الغرب بأكمله.

لكن في المقابل فإن الصين التي رحبت بالمشروع في البداية تقف الآن حجر عثرة أمام إتمام مبادرة البوابة العالمية ككل، بعد أن جرى الكشف بوضوح عن النوايا الحقيقية لكل من أوروبا وتركيا. تدرك الصين أن تداعيات هذا المشروع لن تتوقف عند تهديد الوحدة السياسية لإيران، فحتى وحدتها السياسية كقوة عظمى صاعدة سوف تصير مهددة، في حال نجح إردوغان في إتمامه بهذه الطريقة، حيث سيتمكن من التواصل البري السهل مع الدول التركية، وهو ما يهدد بحدوث اضطرابات في إقليم سينكيانج (تركستان الشرقية) حيث تقطن قومية الويغور التركية.

كما تراقب الصين الموقف الهندي بدقة، فإنشاء هذا الطريق قد يصب في النهاية بمصلحة طريق التوابل الهندي الذي ترعاه الولايات المتحدة، ويحتاج إلى طريق بري ينطلق من الهند إلى تركيا، ومن المؤكد أن هذا الطريق لن يمر على كل من الصين وباكستان العدوتين اللدودتين للهند، الأمر الذي يشير إلى احتمالية أخرى بالتشجيع على حركات انفصالية في إقليم التبت بالصين، وإقليم بلوشستان في باكستان وإيران، وهي حركات تتواصل فعلاً مع الحكومة الهندية.

ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى كل من روسيا وباكستان، فتنفيذ طريق التوابل وربطه بالممر الأوسط (ممر بحر قزوين) في مقابل تحجيم دور الصين يعني خروج الدولتين من دائرة التأثير في المحيط الخاص بهما، ما يعني تفجرهما داخلياً، أو تغيير مواقفهما السياسية والقبول بالخضوع للهيمنة الأميركية، وحتى على هذا المستوى فإن استمرار وحدتهما السياسية لن يكون مضموناً بكل تأكيد، كما حدث للأنظمة السابقة في ليبيا وسوريا والعراق.

  الممر الأوسط (ممر بحر قزوين) – ممر داود

هنا من الضروري طرح تساؤل حول العلاقة بين الممرين، بالرغم من أن الأول ممر تجاري، بينما الثاني في شكله الحالي هو ممر عسكري صهيوني يستهدف التواصل البري مع المجموعات الكردية في سوريا والعراق. لكن النظر إلى الخريطة بهذا الشكل يؤكد وجود علاقة بين الممرين، ووجود تغييرات سياسية يجب أن تتم من أجل إتمام التواصل بينهما.

ربما يؤيد هذا الاستنتاج ما أعلن في الفترة الأخيرة عن إمداد سوريا بالغاز عبر خط أنابيب من آذربيجان عبر تركيا، وهو الخط الذي دعمته كل من تركيا والكيان الصهيوني، ومن المؤكد أن هذا الخط الذي لن يمر على مناطق الساحل السوري التي تحظى بوجود روسي، بل عبر مناطق الداخل الواقعة تحت السيطرة الأميركية والصهيونية في الجنوب السوري وحتى المناطق الكردية، يمكن أن يتصل لاحقاً بالكيان الصهيوني ذاته، ولن يكون الأمر هنا قاصراً على الغاز الآذري، وإنما الطاقة الآتية من آسيا الوسطى (الدول التركية) بصورة عامة، ليصب لاحقاً في موانيء الكيان، حيث يلتقي مع طريق التوابل الهندي، ومنها إلى أوروبا عن طريق البحر.

لكن إتمام الممر بهذا الشكل يستدعي تغييرات سياسية في الشرق كما أكد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، وخاصة في الدول القريبة: إيران، والعراق، وسوريا والأردن، وقد جرت بالفعل محاولة للتغيير في إيران، وتمكنت الأخيرة من التصدي لها، لكن إذا كان هذا الاستنتاج صحيحاً فسوف تكون هناك محاولات للتغيير في هذه الدول، وهي تسير بشكل سريع في سوريا، حيث لا يمكن الفصل بين أحداث السويداء والتدخل الصهيوني فيها، وبين هذا المشروع الذي يمنح الكيان الصهيوني وصولاً مباشراً إلى الفرات والعراق، وهو ما قد يستدعي إقامة دولة كردية بانتزاع مناطق الكرد في إيران والعراق وسوريا، وهي دولة كانت ضمن طموحات الأميركيين والصهاينة خلال ضرباتهم الأخيرة لإيران. وتبقى الإشكالية الوحيدة في عدم قبول الأتراك بكيان كردي على حدودهم، لكن يبدو أن هذه المشكلة صارت قابلة للحل بعد إعلان حزب العمال الكردستاني نزع سلاحه وإنهاء العمل العسكري.

إن الفائدة الأساسية التي ستعود على أوروبا وحتى أميركا من رعاية تواصل كهذا بين الممرين، هو زيادة الضغط على كل من روسيا والصين وإيران في الشرق العربي وإضعاف نفوذهم في المنطقة، وسيتاح لهم كذلك القضاء على حركات المقاومة، إضافة طبعاً إلى إبقاء سلاسل توريد الطاقة والمواد الحيوية خارج السيطرة التركية المطلقة.

  ممر لوبيتو، وخطوط الغاز النيجيري في أفريقيا 

 يتمثل التدخل الأوروبي في القارة الأفريقية عبر مبادرة البوابة العالمية، بكونه تابعاً تماماً للمشروعات الأميركية وداعماً لها، وخاصة مشروع ممر لوبيتو الذي يمتد من موانيء أنغولا مروراً بالكونغو وزامبيا لينتهي في تنزانيا، وهو مشروع يسعى للتصدي للمد الصيني في هذه المناطق والحصول على المعادن الحيوية كالكوبالت والليثيوم والنحاس والنيكل والذهب، وفي هذا الإطار يبدو أن كلاً من الحلفاء: أميركا والإمارات والاتحاد الأوروبي، يركز جهوده على استقطاب الكونغو خصوصاً، نظراً لأهميتها في إنتاج هذه المعادن، إضافة إلى النفط والغاز والذهب والألماس.

ومن الواضح أن ميول الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي تلتقي مع المشروعات الأميركية، بالرغم من أن الصناعات التعدينية في بلاده تخضع لشركات صينية في الأغلب إضافة إلى شركات أوروبية، لكن الأميركيين ومنذ العام 2021 يهتمون بوضع الكونغو، وقد وقّعت الدولتان مذكرة تفاهم في ديسمبر 2022 لتطوير سلسلة توريد لبطاريات السيارات الكهربائية. كما تعهدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على هامش قمة مجموعة العشرين في سبتمبر/أيلول 2023 بتطوير ممرّ لوبيتو. يضاف إلى ذلك التعاون العسكري بين أميركا والكونغو، والمساعدات الأميركية التي بلغت 838 مليون دولار سنة 2024.

أما المشروع الثاني فهو خط الغاز النيجيري الممتد عبر دول غرب أفريقيا إلى المغرب ومنه إلى أوروبا، وهناك مشروعان آخران يتعلقان بالغاز النيجيري وكلاهما يمران عبر دول الصحراء الكبرى لينتهي أحدهما عند الجزائر، والآخر عند ليبيا ومنهما إلى أوروبا.

وقد أعلن الاتحاد الأوروبي عبر مبادرة البوابة العالمية دعم هذه المشروعات بالمشاركة مع الولايات المتحدة والإمارات العربية، لكن في هذا الإطار، تلاحظ الضغوط والحصار اللذان تتعرض لهما الجزائر نتيجة علاقاتها المتميزة مع روسيا والصين وإيران، كما يتحدث بعض المحللين الليبيين عن أن الوجود الروسي في ليبيا هو ما يعرقل إتمام مشروع خط الغاز النيجيري الذي سيمر عبر تشاد.

إلا أن تباطؤ العمل الفعلي لهذه المشاريع، دفع الصحافي في شبكة أفريكا نيوز رونالد كاتو إلى التغريد في العام 2022، قائلاً "يمكننا في هذه المرحلة الإقرار بأن قمة الاتحاد الأوروبي وأفريقيا الأخيرة (17، 18 فبراير 2022) كانت مضيعة للوقت. وبأن مبادرة البوابة العالمية أصبحت ميتة ". إن ما يدفع هذا الصحافي الأفريقي إلى إطلاق هذه التغريدة، هو وعيه بأن التدخل الأوروبي في الواقع يستهدف الصين تبعاً للأميركيين وليس لدعم أو تنمية أفريقيا، وبالتالي فمعظم هذه المشروعات لن تتم بواسطة الدعم الأوروبي، وإنما بإرادة أميركية وتنفيذ إماراتي، كما أن الواقع الذي تعيشه أوروبا حالياً، خاصة مع التوسع الروسي في أوكرانيا لن يسمح لها بأن تنفق هذه المبالغ الضخمة خاصة مع اضطرارها إلى رفع ميزانياتها العسكرية لمواجهة احتمالية استمرار التوسع الروسي في بحر البلطيق وبولندا عقب الانتهاء من أوكرانيا.

أخيراً، يبدو أن أوروبا غير قادرة بالفعل على رفع مكانتها لدى الأميركيين إلى درجة الحليف، بالرغم من سعيها لمحاولة دعم المشروعات الأميركية في إيقاف التطور الصيني وتهميش النفوذ الروسي والإيراني، وربما حتى التركي لاحقاً، خاصة بعد أن اتضح في الواقع العملي أن كلاً من الهند والإمارات لهما مكانة أكثر تأثيراً لدى الولايات المتحدة الأميركية في الفترة الحالية، ولديهما قدرات عملية في رعاية المصالح الأميركية في آسيا وأفريقيا، ودعم خطواتها ومشروعاتها، في الوقت الذي تبدو فيه أوروبا متهالكة القدرة وهرمة الشخصية .

إن هذا الواقع المتردي لأوروبا سيرتد عليها عبر الأزمات الاقتصادية، فإضافة إلى كل المشكلات التي تعاني منها أوروبا والتي سبق استعراضها، اضطر الاتحاد الأوروبي إلى توقيع اتفاق تجاري مذلّ مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التزم فيه بشراء سلع طاقة أميركية بقيمة 250 مليار دولار سنوياً خلال ثلاث سنوات، وقد تركزت الصفقة على واردات الغاز الطبيعي المسال، وذلك بالرغم من أن صادرات الغاز الأميركي لأوروبا في العام الماضي بلغت 74.3 مليار دولار في عام 2024، ما يعني أن الاتحاد الأوروبي سيضاعف الواردات أربع مرات لتحقيق هذا الرقم المتفق عليه.

إن هذا الاتفاق يأتي في محاولة من أوروبا لتجنب حرب تجارية مع الولايات المتحدة، في حال قرر حليفها الأميركي فرض رسوم جمركية على البضائع الأوروبية، وهو خضوع أوروبي كامل للهيمنة الأميركية، وإذا أضفنا اضطرار أوروبا لزيادة ميزانيتها العسكرية تحت الضغط الأميركي، فمن المحتمل أن تؤدي هذه النفقات الجديدة إلى موت سريري لمبادرة البوابة العالمية الأوروبية، وسيبقى على الأوروبيين الذين يسعون لمحاولة تجنب التبعية الكاملة، التنافس مع قوى أخرى للحصول على موقع متقدم في إطار هذه التبعية، ويبدو أنه حتى هذا الاحتمال غير قابل للتحقق .