مآلات توجهات الناتو لدعم كييف عسكرياً

زيادة الدعم العسكري المقدم لكييف وانضمام الأخيرة إلى حلف الناتو ربما يحمل في طياته "ضغطاً" على موسكو لتحجيم شروطها التي تضعها لبدء تفاوض سياسي حول إنهاء الحرب.

  • الناتو.. برامج تدريب وتسليح جديدة لدعم كييف.
    الناتو.. برامج تدريب وتسليح جديدة لدعم كييف.

صرح الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في الخامس من تموز/يوليو الجاري أن "أوكرانيا تقترب أكثر من الحلف، وأن كييف ستتلقى خلال المرحلة المقبلة المزيد من التمويل والدعم العسكري والاتفاقيات الأمنية". 

بطبيعة الحال، كان هذا على المستوى الظاهري تدشيناً لمرحلة جديدة من الدعم العسكري الذي يقدمه الحلف لأوكرانيا، لكن واقع الحال أنه في جوهره يعد "تثبيتاً" للحد الأدنى من المساعدات العسكرية السنوية التي يقدمها الحلف لأوكرانيا، والبالغ قيمته 40 مليار يورو، أي ما يناهز 43 مليار دولار.

أما على مستوى المضمون، فيمكن القول إن هذه المرحلة الجديدة من الدعم العسكري لأوكرانيا تنطوي على عدة اتجاهات أساسية، منها اتجاهان يتعلقان بالتسليح، في حين تتعلق الاتجاهات الأخرى بالدعم المعلوماتي واللوجستي، وكذلك خطوات شرعت دول أوروبا الشرقية في تنفيذها على أراضيها، كجزء من الجهد الداعم لكييف.

أولوية للمقاتلات والدفاعات الجوية الأوكرانية

صرح الرئيس الأوكراني مؤخراً بأن أوكرانيا بحاجة ماسة إلى 7 بطاريات باتريوت إضافية لصد الضربات الروسية ضد شبكة الكهرباء والمناطق العسكرية والمدنية، كما ذكر في تصريح منفصل أن بلاده بحاجة إلى بطاريتي باتريوت على الأقل لحماية مدينة "خاركيف" ومنعها من السقوط.

وقد أصدرت عدة دول من حلف الناتو، وهي رومانيا وألمانيا والولايات المتحدة وهولندا وإيطاليا، بياناً مشتركاً، أعلنت فيه تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي استراتيجية إضافية، تتضمن 3 بطاريات باتريوت إضافية من الولايات المتحدة وألمانيا ورومانيا ومكونات وقطع غيار لتشغيل بطارية باتريوت إضافية، مصدرها هولندا ودول أخرى، ومنظومة SAMP-T إضافية من إيطاليا.

يضاف إلى ذلك أأنه سيتم لاحقاً الإعلان عن تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي تكتيكية من أنواع NASAMS – HAWKs - IRIS T-SLM/SLS- Gepard، وستعمل هذه الأنظمة على توسيع وتعزيز تغطية الدفاع الجوي لأوكرانيا، وسيتولى كل من النرويج وإسبانيا وكندا والنرويج والمملكة المتحدة عملية توريد هذه الأنظمة، في حين ستوفر دول أخرى الصواريخ الاعتراضية الخاصة بهذه المنظومات.

من جانبها، ستعيد الولايات المتحدة تشكيل وإدارة تسلسل عمليات التسليم المخطط لها لهذه المنظومات من الصفقات الموقعة بين دول حلف الناتو أو بين هذه الدول ودول خارج الحلف، بحيث يتم إعادة توجيهها إلى أوكرانيا، ما يوفر للأخيرة مئات من صواريخ الدفاع الجوي الاعتراضية الإضافية خلال المدى المنظور.

على مستوى سلاح الجو، كان الرئيس الأوكراني قد صرح في أيار/مايو الماضي أن بلاده بحاجة إلى ما يتراوح بين 120 و130 مقاتلة من نوع "إف-16". وقد أعلن أعضاء حلف الناتو خلال قمتهم الأخيرة أنهم بدأوا عملية نقل طائرات إف-16 إلى أوكرانيا، إذ أصدرت كل من الولايات المتحدة الأميركية وهولندا والدنمارك أن أولى الطائرات المقاتلة من هذا النوع ستكون بحوزة سلاح الجو الأوكراني خلال الصيف الحالي.

وقد انتهت بالفعل عمليات تدريب الدفعة الأولى من الطيارين والأطقم الأرضية الأوكرانية على هذا النوع من المقاتلات في رومانيا والولايات المتحدة الأميركية. وحتى الآن، تعهدت كل من هولندا وبلجيكا والدانمارك والنرويج بتزويد أوكرانيا خلال المدى المنظور بمجموعات من المقاتلات من هذا النوع، إذ سترسل هولندا 24 مقاتلة من إجمالي 42 مقاتلة تمتلكها من هذا النوع، علماً أنها أرسلت بالفعل عدة مقاتلات إلى رومانيا لتدريب الطيارين الأوكرانيين عليها.

وسترسل بلجيكا ما مجموعه 30 مقاتلة من هذا النوع بحلول العام 2028، وسترسل الدنمارك 19 مقاتلة من هذا النوع. وقد أكملت بنجاح تدريب 50 من أفراد الطاقم الأرضي للقوات الجوية الأوكرانية على هذا النوع من المقاتلات، وستبدأ بتدريب الدفعة التالية المكونة من 50 فرداً بعد الصيف الحالي، في حين سترسل النرويج 6 مقاتلات من إجمالي 12 مقاتلة تمتلكها.

وجدير بالذكر هنا أن كندا أعلنت رصد أكثر من 500 مليون دولار كندي (360 مليون دولار)، كحزمة مساعدة عسكرية إضافية لأوكرانيا هذا العام، سيتم تخصيص مبلغ 280 مليون دولار منها لبرنامج تدريب الطيارين الأوكرانيين وشراء معدات وأجهزة خاصة بمقاتلات "إف-16".

برامج تدريب وتسليح جديدة لدعم كييف 

وافق حلف الناتو على إطلاق برنامج جديد لتقديم المساعدات العسكرية والتدريب لأوكرانيا تحت اسم برنامج المساعدة الأمنية والتدريب (NSA TU)، لتحقيق هدفين أساسيين؛ الأول هو توجيه الأداء العسكري الأوكراني ليصبح أكثر فعالية وإيجابية، والآخر هو مساعدة كييف على الإيفاء بمتطلبات الانضمام إلى الحلف.

ولإدارة هذا البرنامج، تم إنشاء مركز تنسيق دولي في قاعدة "لوسيوس كاسيرن" التابعة للجيش الأميركي في مدينة "فيسبادن" الألمانية، إذ سيعمل فريق - يقوده ضابط أميركي - يضم 700 موظف في هذا المركز وفي نقاط لوجيستية في أوروبا الشرقية لتحديد احتياجات أوكرانيا من الأسلحة والذخائر وقطع الغيار.

هذا البرنامج سيكمل المسار الذي كانت تتبعه "مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية" التي أسسها وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن منذ عامين. ويستهدف الإشراف على 3 مجالات رئيسية؛ الأول هو تطوير القوات المسلحة الأوكرانية وتدريبها، والثاني تخطيط وتنسيق المساعدات المقدمة من الدول الأوروبية لكييف، وتسليمها عبر نقاط لوجستية في دول مثل بولندا ورومانيا وسلوفاكيا، إضافة إلى إصلاح المعدات العسكرية الأوكرانية وصيانتها.

وافتتح حلف الناتو مؤخراً مركز تدريب مشتركاً في منطقة "بيدوغوشتش" في بولندا تحت اسم مركز التحليل والتدريب والتعليم المشترك (JATEC) لمساعدة الحلف على تطبيق الدروس بشكل استراتيجي مباشرة من ساحة المعركة، على أن يكون المركز عاملاً بشكل كامل مع حلول العام القادم.

بشكل أساسي، سيكون هذا المركز مخصصاً لتحليل مجريات العمليات العسكرية الجارية حالياً في الجبهات الأوكرانية كافة، وسيتكون طاقمه في المقام الأول من ضباط من جميع دول الحلف، وكذلك من أوكرانيا. وهناك احتمالات كبيرة بأن يتم استخدام هذا المركز في توفير التدريب العسكري لملايين الأوكرانيين الذين يعيشون في الخارج.

خطوات من دول الحلف لتقوية قدرات الردع الأوروبية

يضاف إلى ما سبق ملاحظة تحركات متعددة الاتجاهات من دول حلف الناتو في اتجاه تقوية قدرات الردع الخاصة بها ضد روسيا، فخلال قمة الناتو الأخيرة، قالت الولايات المتحدة إنها ستنشر صواريخ طويلة المدى في ألمانيا بحلول عام 2026. وعلى الرغم من عدم تحديد نوع هذه الصواريخ، فإنّ التوقعات تشير إلى صواريخ "توماهوك" الجوالة والصواريخ بعيدة المدى المضادة للطائرات "SM-6". 

كما أعلنت وزارة الدفاع الأميركية الشهر الجاري أن موقع الدفاع الصاروخي الباليستي الأميركي الجديد في منطقة "ريدزيكوو" في بولندا، والذي يحتوي على منظومة "إيجيس آشور"، قد أصبح جاهزاً للعمل كجزء من الدرع الصاروخي الخاص بحلف الناتو، وهو مصمم لكشف وتتبع واعتراض الصواريخ الباليستية أثناء الطيران. 

يمكن لهذا الموقع مواجهة الصواريخ البالستية قصيرة ومتوسطة المدى، وسيعمل بالتنسيق مع موقع مماثل في منطقة "ديفيسيلو" برومانيا، إلى جانب مدمرات البحرية الأميركية في قاعدة "روتا" في إسبانيا، ورادار للإنذار المبكر في "كوريسيك" في تركيا.

كذلك، أعلنت ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبولندا خلال قمة الناتو الأخيرة تجهيزها لإطلاق برنامج مشترك لتطوير الصواريخ الجوالة. وقد وقع وزراء دفاع هذه الدول بالفعل على إعلان نيات حول هذا الأمر على هامش القمة. 

وتهدف هذه الخطوة إلى سد الفجوة في ترسانات الأسلحة الأوروبية التي كشفت عنها الحرب الروسية الأوكرانية. وتم إطلاق اسمDeep Precision Strike System على هذا البرنامج، وتشير توقعات إلى أن مدى صواريخ هذا البرنامج قد يصل إلى 2000 كيلومتر.

موسكو تتجهز لسيناريوهات المرحلة القادمة

على المستوى العام، كان واضحاً أن اهتمام موسكو حيال التطورات السالف ذكرها منصب بشكل أساسي على مراقبة عمليات التعزيز العسكرية التي تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية في أوروبا الشرقية، وخصوصاً في ما يتعلق بنشر صواريخ بعيدة المدى، إلى جانب مسألة انضمام كييف إلى حلف الناتو، وهي مسألة كانت الحيلولة دون تحققها من أهم أهداف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. وقد كان اهتمام موسكو موجهاً نحو كلا الأمرين أكثر من مسألة المساعدات العسكرية التي سيقدمها حلف الناتو لأوكرانيا.

وعلى الرغم من أن اللهجة الروسية كانت حادة بوضوح حيال قرارات الحلف بتوسيع مجالات دعم أوكرانيا عسكرياً، فإن اللهجة الرسمية كانت تميل إلى انتقاد البيان الختامي لقمة الناتو، من زاوية أنه بيان تصعيدي يعبر عن رفض الحلف للغة الحوار وتفضيله استمرار المواجهة مع روسيا.

وقد أكدت موسكو – على لسان الناطق باسم الرئاسة الروسية – أن موسكو ما زالت مستعدة لمناقشة جميع جوانب الأمن في أوروبا، مع التأكيد على أن توسع حلف الناتو يمثل "تهديداً وجودياً لا يمكن لروسيا أن تقبله أو تتعايش معه".

على المستوى الميداني، عبرت بعض التصريحات الروسية، وخصوصاً نائب وزير الخارجية سيرجي ريابكوف، عن أن موسكو سترد عسكرياً على النشر المقرر لأسلحة أميركية بعيدة المدى في ألمانيا. ولهذا، قد يكون مفهوماً عودة موسكو للحديث عن "تعديل عقيدتها النووية"، لكن ردود الفعل الميدانية التي تمت ملاحظتها حتى الآن ترتبط بشكل أكبر بملف مقاتلات "إف-16" من منطلق أـأن هذه المقاتلات ستكون جوهر الدعم العسكري الذي يقدمه حلف الناتو، وهي أهم وسيط قتالي يمكن أن يشكل تهديداً للعمليات الجوية والبرية الروسية.

وقد بدأت موسكو بالفعل في وقت سابق باستهداف المرافق التي من الممكن استخدامها لتشغيل مقاتلات "إف-16" على الأراضي الأوكرانية، إذ نفذت المقاتلات الروسية في وقت سابق من شهر أيار/مايو الماضي ضربة استهدفت مطار "ستاروكونسستانتينوف" في مقاطعة "خميلنيتسكي" غربي أوكرانيا، وهو أحد المطارات التي جهزتها كييف لاستقبال مقاتلات "إف-16".

تُلاحظ أيضاً كثافة كبيرة في الأنشطة الجوية الروسية في بيلاروسيا خلال الشهر الماضي بنسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف الأنشطة الجوية الروسية في هذا النطاق خلال الشهر الذي سبقه، وبلغ عدد الطائرات التي وصلت إلى خمس مطارات بيلاروسية خلال شهر يونيو 12 طائرة نقل، إلى جانب ارتفاع عدد الطائرات الروسية المتمركزة في بيلاروسيا بشكل دائم إلى 27 طائرة، تتمركز في مطار "بارانافيتشي" ومطار "ماتشوليشي"، بواقع 15 مقاتلة، وقاذفة واحدة، و11 مروحية نقل وقتال.

التأثيرات والمآلات الميدانية لخطوات حلف الناتو

تمثل مقاتلات "إف-16" أبرز نقطة في الدعم العسكري المقدم من حلف الناتو لأوكرانيا، وتفتقر المقاتلات السوفياتية الصنع التي تمتلكها كييف من نوعي "سوخوي-27" و"ميج-29" – رغم تعديلها لتحمل ذخائر غربية – إلى القدرة على الرصد الراداري متوسط أو بعيد المدى، وتتزود غالبيتها برادارات "N019" قصيرة المدى ذات القدرات المحدودة جداً على مقاومة عمليات التشويش، وهو ما يوفر للمقاتلات الأوكرانية فرصاً محدودة لرصد التهديدات الجوية المعادية. 

وتتزود مقاتلات أف-16 برادارات "AN/APG-66V" التي توفر لها القدرة على رصد الدفاعات الجوية والمقاتلات المعادية من مسافات تصل إلى 70 ميلاً، وتمتلك قدرات تهديف وحرب إلكترونية جيدة، مثل حواضن "AN/ALQ-213"، التي تربط بين أجهزة الاستشعار وأجهزة التشويش والإجراءات المضادة للصواريخ المعادية، مثل مشاعل التضليل الحرارية.

بالنسبة إلى مهام التفوق الجوي، فإن هذه المقاتلات – على عكس المقاتلات الموجودة في حوزة أوكرانيا حالياً – تمتلك صواريخ اشتباك جوي خلف مدى الرؤية، وخصوصاً صاروخ "AIM-120"، الذي يعمل بمبدأ "أطلق وانسَ"، وبالتالي في المجمل يمكن القول إن مقاتلات "أف-16" تعزز قدرة أوكرانيا على القتال في الجو واستهداف المواقع الأرضية، وهذا يخدم الاستراتيجية الحالية التي تتبعها أوكرانيا، والقاضية بتكثيف استهداف مواقع داخل الأراضي الروسية، لكن يعتمد حجم التأثير الذي ستمثله هذه المقاتلات على العدد الذي سيحصل عليه سلاح الجو الأوكراني منها.

على مستوى الدفاع الجوي، تعاني كييف من تراجع في قدرات الدفاع الجوي الخاصة بها، وبالتالي تمثل الوحدات الجديدة التي سيتم إرسالها إليها، وخصوصاً بطاريات "باتريوت"، في إكمال النواقص في وحدات الدفاع الجوي الأوكرانية، وخصوصاً أن هذه الوحدات ستعمل في مرحلة ما بشكل آني مع مقاتلات "إف-16" لتشكيل كمائن جوية للمقاتلات الروسية وتأمين المناطق الحيوية في غرب ووسط البلاد.

لكن يلاحظ أنَّ الربط بين زيادة الدعم العسكري المقدم لكييف وانضمام الأخيرة إلى حلف الناتو ربما يحمل في طياته "ضغطاً" على موسكو لتحجيم شروطها التي تضعها لبدء تفاوض سياسي حول إنهاء الحرب، وهو المنظور نفسه الذي يمكن من خلاله النظر إلى عملية النشر المستقبلية لصواريخ جوالة في ألمانيا.

وبناء عليه، يمكن أن نخلص إلى أن حزم الدعم التي أقرها حلف الناتو لا تشكل في جوهرها عاملاً حاسماً للعمليات الميدانية، بل يمكن أن نعتبرها وسيلة لوقف محاولات موسكو توسيع خط المواجهة العسكرية في أوكرانيا ليشمل مقاطعة "خاركيف"، كما يمكن اعتبارها أيضاً "سداً للنواقص" الموجودة في سلاح الجو وسلاح الدفاع الجوي في أوكرانيا، بعدما تم إكمال بعض النواقص المتعلقة بذخائر المدفعية في وقت سابق.