إيران بعد الحرب: المقاومة المدنية تنتصر
رغم العدوان الإسرائيلي الذي استمر 12يومًا، أصرّ الإيرانيون على مواصلة حياتهم اليومية بروح صامدة. لم تتوقف الأسواق ولا السينما ولا المستشفيات، في مشهد جماعي يعبّر عن مقاومة مدنية صلبة.
-
إيران بعد الحرب: المقاومة المدنية تنتصر
على مدى 13 يومًا من العدوان الإسرائيلي، أصرّت شوارع إيران على رسم صورة مختلفة؛ صورة شعب لم تكسره الاعتداءات، بل زادت من عزيمته وتمسّكه بإيقاع حياته المعتاد. فلا مكاتب أغلقت، ولا أسواق أُفرغت، ولا قاعات السينما هُجرت، كأنما التحدي صار خبزًا يوميًا نجح الإيرانيون في تجسيده بنبض الحياة المتواصل. في 13 يومًا؛ بين ضجيج الحرب وأمل الاستقرار، تكشّفت قصص صمود حقيقية أظهرت معدن شعبٍ أبى الاستسلام للعدوان.
في هذه الحرب المفروضة، أثبت الشعب الإيراني مرة أخرى قدرته على التكيّف والتماسك في وجه التحديات، من خلال استمرار حياته اليومية بروتينها المعتاد، وكأن العدوان لم يغيّر من ملامح الشارع شيئًا.
طوال هذه الأيام وبرغم دوي أصوات الدفاعات الجوية وأخبار القصف المتواترة في العاصمة وعدد من المحافظات، أصرّ الإيرانيون على ممارسة نشاطاتهم المعتادة، من الترفيه إلى التسوّق والعلاج وحتى استخدام الخدمات المصرفية، في رسالة صمود داخلي وتحدٍّ جماعي. الشاب مهرداد، الذي التقته الميادين نت، تحدّث بابتسامة واثقة قائلًا: "أنا وزوجتي اعتدنا الذهاب إلى السينما مرّة كل أسبوع، وخلال هذا الأسبوع الذي شنّ فيه الكيان الصهيوني عدوانًا على بلدنا، ظننت أن دور السينما ستغلق أبوابها، لكن لم يحدث ذلك. ورغم العدوان ذهبنا مرتين إلى السينما"، مؤكدًا أنّ الأمر لم يمنعهما من ممارسة هوايتهما المفضّلة.
وبحسب منصّات بيع التذاكر، فقد شهدت السينما إقبالًا كبيرًا من الإيرانيين الذين يتوجهون بالآلاف يوميًا لحضور الأفلام الجديدة وقضاء وقت ممتع في دور السينما، ما يدلّ على إصرار الشعب على متابعة شغفه الفني رغم الظروف الاستثنائية. وتقول نرجس للميادين نت بلهجة واثقة: "لا يمكن تجاهل العدوان الصهيوني المفروض علينا، لكن لا يمكن أن تتوقف حياتنا بسبب ذلك. المؤسسات الثقافية لم توقف نشاطها طيلة الأسبوع الماضي، وهذا ساعدنا على الاستمرار وكأن شيئًا لم يكن".
أما المشهد في الأسواق فلم يختلف كثيرًا عن الأيام الطبيعية. فاطمة تقول للميادين نت: "كنت أذهب يومياً إلى السوق لشراء ما أحتاجه من مواد أساسية، وخلال الأسبوع الماضي لم أشعر بأي شيء غير طبيعي. جميع السلع متوفّرة ولم ألحظ أي ارتفاع بالأسعار"، مؤكدة أن المواطن الإيراني متمسّك بروتينه. ويعزز حسين ذلك بالقول: "هناك تعاون ملحوظ بين الشعب والمسؤولين، خاصة في ظل العدوان الإسرائيلي. صحيح أن المواد الأساسية متوفّرة، لكن الناس هنا لم تشترِ أكثر مما كانت تحتاجه تاجه، وهذا دليل على وعي جماعي بالتضامن وعدم الاستغلال".
ولم يُسجَّل أي خلل كبير في القطاعات الحيوية، إذ يشير شادمهر، سائق سيارة أجرة، للميادين نت إلى أن شوارع المدن لم تعاني من أزمات الوقود التي كان يتخوّف منها، يقول: "توقّعت ازدحامًا شديدًا على محطات الوقود ونقصًا محتملًا فيه، وقلقت من ضياع الكثير من الوقت في الطوابير، لكن بفضل التنظيم من الحكومة وتحديد الكميات، لم تحدث أي فوضى، والأمور سارت بشكل طبيعي".
أما على صعيد الصحة، فتؤكد تصريحات إحسان، طبيب متخصص في طهران للميادين نت، أن المؤسسات الطبية كانت طوال فترة العدوان مجهزة لاستقبال الحالات الطارئة، ويضيف: "منذ اليوم الأول للعدوان تابعت وزارة الصحة عمل المستشفيات في مختلف المحافظات لاستيعاب أي ضغط، وما ساعد على ذلك هو التطوّع الذي قامت به قوات التعبئة "الباسيج" لوجستيًا لنقل المصابين ومساندة فرق الطوارئ، ممّا خفّف العبء وأبقى الخدمات الطبية في حالة جاهزية كاملة".
علي رضا، الذي يجري جلسات غسل كلى منتظمة، أوضح للميادين نت أن الرعاية الطبية استمرت على المستوى نفسه من الانتظام والدقة: "كنت قلقًا من حصول أي خلل في جلسات غسل الكلى التي أخضع لها ثلاث مرات أسبوعيًا، لكن لم يحصل أي تأخير، وكل شيء سار كما جرت العادة".
وبينما واجهت بعض القطاعات المصرفية تحديات بسبب عدوان سيبراني موازٍ للعدوان العسكري، أشار معين، الموظف في أحد بنوك طهران للميادين نت، إلى قدرة النظام المصرفي على احتواء هذه الهجمات وإعادة الاستقرار بسرعة كبيرة: "العدوان السيبراني كان كبيرًا بالفعل وتعرضت بعض البنوك لعمليات قرصنة معقدة، وأدى ذلك إلى خلل مؤقت في حسابات المواطنين، لكن خلال يومين، ورغم استمرار محاولات الاختراق، تمكّنا من إعادة الأمور إلى طبيعتها".
12 يومًا؛ بين صواريخ العدوان وأصوات المقاومة، واصل الإيرانيون حياتهم اليومية بروح من الثبات والتكاتف. أثبت الشعب من جديد أن إرادة الحياة أقوى من خسائر الحرب، وأنه قادر على تحدّي الظروف الصعبة بصبره وتعاون مؤسساته وأفراده، متمسّكًا بأمل بأنّ الأمن والاستقرار سيعودان إلى ربوع بلاده أفضل من السابق ومقاومة تكللت بالنصر.