المغطوطة الحمصية.. حلويات تراثية تغني مائدة الفطور

إن اهتمام الحماصنة بطبق المغطوطة ورواج صناعتها لا يتوقف عند عمر معين، بل تتوارثه الأجيال من حيث تناولها أو حتى العمل في صناعتها، بما يضمن استمرارية هذه الأطباق لأجيال مقبلة، حباً من شيوخ الكار بالمحافظة على استمرارها وجودتها وشهرتها.

  • المغطوطة الحمصية.. حلويات تراثية تغني مائدة الفطور
    المغطوطة الحمصية.. حلويات تراثية تغني مائدة الفطور

المأكولات الشعبية والحلويات التقليدية جزء هام من ذاكرة الناس تتوارثها الأجيال عبر السنين وترتبط بالذكريات والأماكن والمناسبات ارتباطاً وثيقاً.

قليلة هي المدن التي تتربع الحلويات على قائمة معالمها كمدينة حمص التي ذاع سيطها في سوريا والعالم، بأسماء شهيرة لحلويات عبرت القارات حاملة عبق حجارتها السود لأبنائها المنتشرين في الأصقاع. 

تزخر موائد البيئة السورية بالكثير من الأطباق والمأكولات الحديثة منها والقديمة، ويرجع ذلك لوفرة المواد الأولية المكونة لها، مما أغنى ذائقة الناس، وترك لهم حيزاً واسعاً في تنويع أصناف الطعام والحلويات.

ولكل محافظة سورية خصوصية لأطباق تشتهر بها عن سواها، ومن الأكلات الشعبية المشهورة "المغطوطة"، والتي اشتهرت بها مدينة حمص وذاع سيطها بين المحافظات، وعبرت الحدود، وتصنف المغطوطة من الحلويات البسيطة ومادتها الأساسية هي الحليب والخبز والسكر. 

المغطوطة موروث حمصي 

  • المغطوطة الحمصية
    المغطوطة الحمصية

لا يزال طبق المغطوطة من الأكلات التراثية السورية التي تشتهر بها محافظة حمص، وتتوارثها جيلاً بعد آخر. 

إن اهتمام أهالي حمص بهذا الطبق جعل منه وجبة غذائية أساسية على وجبة الفطور، ويتوفر في المحال المختصة لإعداده منذ ساعات الفجر حتى ساعات الصباح الأولى، مما ساعد في انتشار هذا الطبق وأصبحت الأجيال تتناقله منذ عشرات السنين على موائدها. 

زهرة مبارك (59 عاماً) تسترجع ذاكرة طفولتها عندما كانت والدتها تحضر هذا الطبق التراثي، وتقول للميادين نت: "هي أكلة موسمية، يكثر تحضيرها في فصل الشتاء والربيع، ويبدأ صنعها بصب الحليب فور حلبه من البقر أو الماعز أو الغنم في صواني كبيرة، وتكون حرارته 37 درجة ليلامس حرارة الجو البادر في لحظات الفجر، ويترك بحدود ثمان ساعات حتى تظهر طبقة تسمى "الأيما" أو "القيمق"، أي وجه الحليب، وهي طبقة تكون دسمة أكثر من القشطة، ثم يوضع خبز التنور على وجه الصواني حتى يتشرب "الأيما" ويتم صنعها على شكل طبقات، ويقطع ويضاف إليه العسل أو السكر أو القطر، أو يبقى من دون هذه الإضافة حسب رغبة كل شخص وتؤكل باردة". 

تتأمل مبارك وتقول: "لقد رحلت أمي ولكن لم أنس حماسنا وحبنا لذلك اليوم الدافئ الذي كنا نستدير به أنا وأخوتي حول صواني مغطوطة أمي". 

على أنغام فيروز في الصباح ورائحة القرفة التي تنبعث من إبريق الشاي المغلي، يتبسم علاء السباعي (55 عاماً) ويضيف للميادين نت أنه اعتاد تناول هذا الطبق منذ 20 عاماً كوجبة فطور أساسية بعد صلاة الفجر.

وأردف: "المغطوطة أكلة شعبية يأكلها الدراويش وصغار الكسبة لبساطة مكوناتها ومتعة طعمها ولذتها، كانت والدتي عندما تريد تدليلنا تحضر هذا الطبق بخبز التنور، وعندما أستيقظ أجده تحت المكبة وبجانبه إبريق من الشاي المخمر نأكلها أنا وإخوتي، ونحن نردد: يا الله طعميتنا من خيرك لا تحيجنا لغيرك، ونذهب بعدها إلى المدرسة، والآن نقلت هذا الطقس التراثي إلى أبنائي، فأنا أريديهم أن يستمتعوا به كما كنت أستمتع به في السابق، ولكن هذه المرة من السوق، فبالرغم من المنافسة الواسعة بين المأكولات والمعجنات وأطباق الفطور والحلويات الحديثة والتي ملأت واجهات المحلات بألوانها وطعومها المتعددة، لكنها لم تزحزح مكانة المغطوطة الحمصية من مائدتنا ومن قلوب ذاكرتنا الجميلة".

إقرأ أيضاً: 6 طرق لإعداد المولتن كيك: النباتي والخالي من الغلوتين أيضاً! 

المغطوطة الحمصية تعبر الحدود 

إن اهتمام الحماصنة بطبق المغطوطة ورواج صناعتها لا يتوقف عند عمر معين، بل تتوارثه الأجيال من حيث تناولها أو حتى العمل في صناعتها، بما يضمن استمرارية هذه الأطباق لأجيال مقبلة، حباً من شيوخ الكار بالمحافظة على استمرارها وجودتها وشهرتها، بالمقابل يلقى ذلك تقديراً من أهالي حمص وزبائنها من المحافظات لطبق المغطوطة الشعبي دفعهم لجعله مرتبطاً بطقوس اجتماع الأسرة وفي المناسبات والأعياد والأفراح وعند تجمعهم في منازل جداتهم، فهي لا تعد حلوى تؤكل فحسب بل هي رائحة الجدات والأمهات وعبق ذكريات ستبقى. 

ياسر العبد (44 عاماً) مقيم في الخارج أجبرته ظروف الحرب على الهجرة وحمل معه موروثاً أصيلاً في صناعة المغطوطة، فهو تتلمذ على يد معلمه في سوق الحميدية، فنقل خبرته معه لتكون باب رزق له في ألمانيا، حيث افتتح محلاً هناك ونشر ثقافة المغطوطة الحمصية بخبز التنور الطازج الذي يصنع في البيت، ويصحبه معه، فلاقت نجاحاً ورواجاً واسعاً من الألمان والمغتربين. 

يشار إلى أن الحليب ومشتقاته هو المكون الرئيسي لقسم كبير من الحلويات الحمصية، كحلاوة الجبن والمغطوطة، وتعد الأخيرة من الحلويات الباردة التي تلقى إقبالاً شعبياً واسعاً وتحظى على علامة حمصية، حيث تمتاز بشكلها الجذاب وطعمها الشهي، وهي طبق يصنع على مدار العام، ويزداد الإقبال عليه في الشتاء خاصة، وتمتاز بطعمها اللذيذ الطازج والذي يرضي جميع الأذواق نظراً لحلاوتها المتوسطة ودسامتها المحببة.