جرائم "مُتستّرة" خلف اللثام.. السوريون يعيشون الرعب يومياً
شهدت محافظات سورية عديدة حوادث سرقة وقتل نفذها مسلحون "ملثمون"، وكانت أصابع الاتهام تُوجّه إلى الأمن العام التابع للإدارة الجديدة، لكن الجهات الأمنية نفت ذلك، وأكدت وجود من يستغلّ اللثام لتنفيذ جرائم ضد المدنيين.
-
جرائم "مُتستّرة" خلف اللثام.. السوريون يعيشون الرعب يومياً
وسط العاصمة السورية دمشق، وتحديداً في منطقة "القصّاع" ذات الغالبية المسيحية؛ قام مسلحون "ملثمون" بالسطو على ورشة لصناعة الذهب، وأفرغوا محتوياتها بالكامل تحت تهديد السلاح، قبل أن يلوذوا بالفرار مستقلين سيارات لا تحمل لوحات تسجيل.
صاحب الورشة ماهر مُحاما قال إن مجموعة من المسلحين "الملثمين" ادّعوا أنهم من الأمن العام هجموا بشكل جماعي على المكان، وطلبوا تفتيشه بحجة وجود أسلحة، وطلبوا فتح الصناديق الموجودة في الورشة، ليقوموا بسرقة الذهب الموجود داخلها، من دون أيّ قدرة منه أو من أهل المنطقة على إيقافهم، حيث كانوا مُدجّجين بالأسلحة.
اللافت بحسب مُحاما أن المسلحين كانوا يرتدون زيّ الأمن العام ويضعون شاراته، لذلك اعتقد في البداية أنه تفتيش اعتيادي، لكن بعد سرقة الذهب أطلق نداءات استغاثة للأهالي، ما دفع المسلحين "الملثمين" إلى الهرب من المكان بعد أن نهبوا كل شيء.
هذه الحوادث تكررت بشكلٍ مثير للقلق في مناطق سوريّة مختلفة خلال الأشهر الماضية، حيث يقوم "ملثمون" مجهولون بعمليات السرقة والنهب، والاعتداء على المدنيين، والقتل أحياناً، ثم الهرب بدون إمكانية تحديد هوياتهم، ويستغلّ هؤلاء التشابه مع عناصر الأمن العام الذين يضعون "اللثام" على وجوههم، وبهذه الطريقة يعتقد الضحايا أن "الملثمين" من العناصر الأمنية ولا يقومون بالمقاومة.
القصة بدأت في كانون الأول
بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد نهاية العام الماضي، انتشرت في مختلف المناطق السورية مجموعات مسلحة تابعة للإدارة السورية الجديدة، وكان أغلب عناصرها يضعون اللثام على وجوههم لأسباب لم يتم الكشف عنها.
خلال الفترة اللاحقة، شهدت محافظات سورية عديدة حوادث سرقة وقتل نفذها مسلحون "ملثمون"، وكانت أصابع الاتهام تُوجّه إلى الأمن العام التابع للإدارة الجديدة، لكن الجهات الأمنية نفت ذلك، وأكدت وجود من يستغلّ اللثام لتنفيذ جرائم ضد المدنيين.
في آذار/مارس الماضي، تداولت مواقع إعلامية قراراً صادراً عن الإدارة المركزية لإدارة الأمن العام في دمشق يقضي بمنع ارتداء "اللثام" منعاً باتاً في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها، بهدف تمكين المدنيين من التعرف على الأشخاص الذين يتعاملون معهم بشكل مباشر، ما يساهم بالحد من المخاوف المرتبطة بانتحال الهوية، وتعزيز الثقة بين الأفراد والجهات المعنية؛ إلا أن هذا القرار لم يتم تنفيذه على الأرض، وهو ما أثار مخاوف كبيرة بين المدنيين.
وخلال الشهر الحالي، أكد وزير الداخلية السوري أنس خطاب أن وضع اللثام من قبل العناصر في الماضي "سببه وجود عائلاتهم ضمن مناطق سيطرة النظام البائد، بينما تتم حالياً دراسة موضوع اللثام، حيث سيتم إلغاؤه على الحواجز والطرقات العامة".
ولم يُنكر خطاب وجود بعض التجاوزات من عناصر تابعين لوزارة الداخلية، وعزا ذلك إلى "تنسيب عناصر غير مُدرّبين لضبط الأمن بعد انهيار نظام الأسد"، مشيراً إلى أن عدد التجاوزات سيقلّ بعد خضوع العناصر الجدد في الأمن للدورات التدريبية.
"أبو خالد" –اسم مستعار- صاحب محل لبيع الهواتف المحمولة في منطقة "المزة" بدمشق، يكشف للميادين نت كيف تعرّض ابنه للخطف ومحله للتخريب من قبل ثلاثة مسلحين ملثمين في وضح النهار.
يقول أبو خالد: "دخل ثلاثة مسلحين ملثمين إلى المحل قالوا إنهم من الأمن العام، ثم طلبوا فتح الخزنة الصغيرة من أجل الحصول على الأموال الموجودة داخلها، ولدى سؤالهم عن السبب، قالوا: عليك التوجه إلى قسم الأمن العام لمتابعة القضية"؛ ويتابع: "بعد مناوشات مع المسلحين لدقائق، أقدموا على اعتقال ابني الذي يعمل معي بحجة استجوابه في قسم الشرطة، وأخذوا الأموال معه وخرجوا مسرعين".
ويضيف أبو خالد: "ذهبتُ مباشرة إلى قسم الشرطة في المنطقة لمعرفة السبب، لكنهم أكدوا عدم إرسال أيّ دوريّة إلى المحل، وأن هذا الأمر ليس من اختصاصهم أصلاً، وأكدوا وجود عشرات الحالات المشابهة لديهم لأشخاص تعرّضوا للاحتيال عن طريق ملثمين، من دون قدرة القسم على معالجتها".
وحول عدم طلبه الحصول على إثباتات من المسلحين عن الجهة التي أرسلتهم، قال أبو خالد: "من المستحيل أن يطلب المدنيون من المقاتلين الملثمين خلع اللثام وكشف هوياتهم، كون الأمر يعرّضهم لمشاكل عدّة بينها الاعتقال"، وتابع أبو خالد: "لا يهمني اليوم الأموال أو المحل الذي تعرّض للتخريب، ولكن ما يهمني هو معرفة مصير ابني المجهول منذ أيام".
القتل تحت غطاء اللثام
عام 2016؛ انتشرت فكرة وضع اللثام على الوجه في مدينة إدلب، التي كانت معقلاً للجماعات المسلحة والفصائل الأجنبية، وفي بادئ الأمر ارتبط اللثام بعمليات "التمويه" أثناء المعارك العسكرية، لكنه سرعان ما تحوّل إلى وسيلة للتخفي أثناء تنفيذ الجرائم، سواء القتل أو السرقة.
ومنذ العام 2016، شهدت مدينة إدلب مئات الجرائم التي ارتكبها مسلحون "ملثمون"، وطالت المدنيين وعناصر الفصائل على حدٍ سواء، وسادت حالة من الفلتان الأمني لسنوات، حيث اعتمد "الملثمون" على سيارات بدون لوحات تظهر رقمها.
هذه الطريقة انتشرت لاحقاً في معظم المناطق السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث استُخدِمَ اللثام في عمليات الاغتيال والسرقة والاعتداء على الممتلكات الخاصّة وأماكن العبادة، ولإثارة النعرات الطائفية.
المرصد السوري لحقوق الإنسان وثّق مقتل 7670 مواطناً سورياً من بينهم 5 آلاف مدني، منذ سقوط نظام الأسد في كانون الأول الماضي، وكانت أغلب عمليات التصفية مبنية على أساس طائفي.
واللافت في الإحصائية التي تم الكشف عنها أن عدد كبير من الجرائم ارتكبها مسلحون "ملثمون" لم يتم الكشف عن هوياتهم حتى اليوم.
ومن الجرائم التي أثارت غضب الرأي العام داخل سوريا خلال الفترة الأخيرة، حادثة جرت ثالث أيام عيد الأضحى في حي النازحين بمدينة حمص وسط البلاد، وذهب ضحيتها أمجد ملحم ووالده رافع ملحم، إضافة إلى إصابة الطفلة تيا ملحم التي تبلغ من العمر عامين فقط، حيث قام مسلحون "ملثمون" بإطلاق النار على العائلة بشكل مباشر أمام أعين الناس ولاذوا بالفرار.
وفي حمص أيضاً، أقدم "ملثمون" على إلقاء قنـبلة صوتية بالقرب من الكنيسة الإنجيلية في حي "العدوية"، ما أدى إلى وقوع أضرار مادية بالكنيسة، وقبل هذه الحادثة بأيام هاجم مسلحون "ملثمون" كنيسة أم الزنار في حي "الحميدية" وأطلقوا النار على جدرانها.
وقبل ذلك، هزّت العاصمة السورية دمشق جريمة قتل مروّعة، حيث أقدم "ملثمون" على اختطاف مجموعة من الشباب أثناء عودتهم من عملهم في "مساكن برزة" إلى منطقة "عش الورور" ذات الغالبية العلوية، قبل أن يتم العثور على جثث 5 شبان منهم في منطقة "القابون"، ولم تستطع الجهات الأمنية تحديد الجهة الخاطفة حتى الآن.
وفي الساحل السوري، تتواصل يومياً عمليات التصفية الميدانية والخطف لأبناء الطائفة العلوية من قبل مسلحين "ملثمين"، وسط عجز كامل من الأمن العام على وضع حد لتلك الجرائم، التي تتم في مناطق سكنية بوضح النهار وبالقرب من النقاط العسكرية لوزارة الدفاع السورية، وهو ما يثير الرعب بين المدنيين ويجبرهم على البقاء في منازلهم وعدم الخروج منها إلا للضرورة.
إن ما يجري من حوادث أمنية بشكل يومي على الأراضي السورية، يكرّس حالة الرعب والخوف لدى الأهالي، خصوصاً أن تلك الحوادث تتم دون أيّ رد فعل من قبل السلطات الأمنية للكشف عن ملابساتها أو ملاحقة مرتكبيها، إضافة إلى غياب الإعلام الرسمي لتسليط الضوء عليها، وهو ما يعزز حالة القلق التي يعيشها مختلف أطياف الشعب السوري، الأمر الذي يفرض على الحكومة التحرك سريعاً لإنهاء حالة الفلتان الأمني التي تتمدد من منطقة إلى أخرى يومياً.