جنوب سوريا تحت النيران: "إسرائيل" تعتقل وتُهجّر وتُجرف بلا رادع
مزارعو قرية "الحميدية" في الجنوب السوري يناشدون لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، وسط غياب أي رد من الحكومة السورية وصمت دولي مطبق.
-
جنوب سوريا تحت النيران: "إسرائيل" تعتقل وتُهجّر وتُجرف بلا رادع
"الحميدية أرض سورية. أنقذونا"؛ صرخة استغاثة وجّهها المزارع أحمد محاوش (42 عاماً) إلى الإدارة السورية الجديدة والمنظمات الدولية والإنسانية، لإيقاف الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة ضد المدنيين في الجنوب السوري.
ابن قرية "الحميدية" بريف القنيطرة في أقصى الجنوب الغربي من سوريا اعتُقِلَ ابنه الذي يبلغ عمره 18 عاماً على أيدي القوات الإسرائيلية قبل أيام.
تلك القوات تتوغل يومياً في قرى وبلدات مدينة القنيطرة وتقتل أبناءها وتعتقل شبابها وتجرّف أراضيها، من دون أيّ رادع من أحد، ومن دون أيّ تنديد من قبل الحكومة السورية التي تكتفي بدور "المتفرّج" على ما يجري في الجنوب.
"ما يجري هو احتلال بكل ما للكلمة من معنى"، يقول محاوش للميادين نت، ويضيف: "ما تقوم به إسرائيل موجع جداً، حيث تتوغل في قرى القنيطرة يومياً وتعتقل أبناءها وترتكب أبشع الانتهاكات بحق المدنيين العزّل من دون أيّ مقاومة من الأجهزة الأمنية الغائبة عن المشهد تماماً".
ويتابع: "قبل أيام دخلت قوة إسرائيلية مؤلفة من أربع مدرعات إلى قريتنا، واعتقلت عدداً من الشباب من بينهم ابني عبد الله، واقتادتهم جميعاً إلى جهة مجهولة، حيث انقطعت أخبارهم بالكامل لذلك فإننا نطالب الحكومة السورية بالتحرك سريعاً لمعرفة مصير أبنائنا وإيقاف الاعتداءات الإسرائيلية علينا وعلى أراضينا".
حال أحمد محاوش لا يختلف كثيراً عن باقي أهالي الجنوب السوري، الذين يعيشون منذ أشهر تحت تهديد القوات الإسرائيلية التي تقضم مساحات إضافية من أراضيهم يومياً، وتقيم عليها ثكنات عسكرية وحواجز أمنية، وتمارس بحقهم جميع أشكال الانتهاكات.
هدم، اعتقال، وتهجير
خلال شهر حزيران/يونيو الماضي، هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 20 منزلاً في قرية "الحميدية" بشكل تعسّفي، وأصدرت أوامر بإخلاء منازل أخرى بحجج مختلفة، كما أنشأ جيش الاحتلال الإسرائيلي ثكنة عسكرية عند أطراف القرية بهدف الرصد وجمع المعلومات، حيث تنطلق من الثكنة دوريات عسكرية تتوغل في قرى ريفي دمشق ودرعا.
خالد الفضل من أبناء قرية "الحميدية" يروي للميادين نت كيف أجبره الاحتلال على إخلاء منزله ليلاً من دون سابق إنذار، قبل أن يقوم بهدمه بواسطة جرافة استقدمها الاحتلال من الأراضي المحتلّة.
يقول الفضل (46 عاماً): "في العشرين من حزيران الماضي، وعند الساعة الحادية عشرة ليلاً، جاءت دورية إسرائيلية إلى المنزل وطلبت خروجي مع زوجتي وأبنائي بشكلٍ سريع، لتأتي بعد ذلك الجرافة وتبدأ بهدم المنزل تحت أنظارنا. لقد هدمت تلك الجرافة قلبي وذكرياتي قبل أن تهدم جدران المنزل".
ونفى الفضل وجود أيّ ارتباط بين البناء الذي يسكن فيه بأيّ تنظيم مسلّح، كما ادّعت القوات الإسرائيلية في وقت سابق، وأكد أن الاحتلال يتعامل بالطريقة نفسها مع معظم سكان الجنوب السوري في سبيل ترهيبهم وتهجيرهم وقتل أيّ روح مقاومة داخلهم".
وfرغم التوغلات الإسرائيلية المستمرة في الجنوب، إلا أن الحكومة السورية لم تحرك ساكناً لمواجهة الانتهاكات بحق المدنيين، كما اكتفت الخارجية السورية بإصدار بيانات "خجولة" بعد الجرائم الإسرائيلية التي أدت إلى وقوع ضحايا بين المدنيين، كما جرى في بداية حزيران/يونيو الماضي، عندما أدانت الوزارة التوغل الإسرائيلي في بلدة بيت جن بريف دمشق، والذي أدى إلى استشهاد شاب واعتقال آخرين من أبناء البلدة.
وقالت الوزارة في بيان حينها: "هذه الأعمال الاستفزازية تعرقل جهود تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار، وتدعو قوات الأمم المتحدة (UNDOF) إلى تحمل مسؤولياتها. كما تدعو المجتمع الدولي، ولا سيما مجلس الأمن، إلى اتخاذ خطوات حازمة لوقف هذه الاعتداءات المتكررة، وضمان احترام قواعد القانون الدولي، حفاظاً على الأمن والاستقرار الإقليميين".
ولا يبدو أن "تل أبيب" تكترث بالتحذيرات الآتية من دمشق، وهذا ما يؤكده التوغل الإسرائيلي الأكثر عمقاً في الأراضي السورية، وفي هذا السياق كشفت مصادر إعلامية أن جيش الاحتلال نفّذ قبل أيام إنزالاً جوياً في منطقة "يعفور" التي تبعد عن مركز العاصمة دمشق أقل من 10 كيلومترات.
وأكدت المصادر أن ثلاث مروحيات إسرائيلية هبطت داخل موقع عسكري تابع لقيادة الحرس الجمهوري في نظام الأسد، واستمرت العملية لأكثر من خمس ساعات، قبل أن تغادر من دون أيّ تدخّل من السلطات الأمنية التابعة للإدارة الجديدة.
إسرائيل تستغل الحرب مع إيران لقضم أراضٍ سورية جديدة
في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وعقب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، نفّذ الجيش الإسرائيلي حملة جوية مكثَّفة وعنيفة على مخازن أسلحة تابعة للجيش السوري السابق، بالتزامن مع عملية اجتياح برِّي للمنطقة العازلة التي أُنشئت بموجب اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل المبرمة يوم 31 أيار 1974.
واستغلت "إسرائيل" الوضع الأمني الهش في تلك الفترة، لتتوغل في محافظة القنيطرة وريف درعا، كما وصلت القوات الإسرائيلية إلى محيط قطنا بريف دمشق قبل أن تنسحب منها، ولاحقاً أنشأ الجيش الإسرائيلي عدداً كبيراً من الحواجز الأمنية والثكنات العسكرية، وفرض طوقاً محكماً حول المناطق الجديدة التي أحكم سيطرته عليها، إضافة إلى فرضه عدم تواجد أيّ قوات عسكرية أو أسلحة ثقيلة للإدارة السورية الجديدة في الجنوب.
في حزيران/يونيو الماضي، وبينما كان العالم منشغل بالحرب الإسرائيلية على إيران، دفعت "تل أبيب" بقواتها إلى قضم المزيد من الأراضي في الجنوب السوري، كما عمدت إلى تجريف واسع للحقول الزراعية بين القرى والبلدات، في حين شنّت القوات الإسرائيلية حملات ترهيبية ضد المزارعين والفلاحين لمنعهم من الوصول إلى أراضيهم.
وبهذا السياق، تؤكد معلومات الميادين نت أن عدداً كبيراً من الفلاحين اضطروا للابتعاد عن أراضيهم خوفاً من القتل أو الاعتقال، مع عدم وجود أيّ حماية لهم من السلطات الأمنية السورية، وبذلك باتت المواسم الزراعية مهدّدة في الجنوب السوري، خصوصاً أن الأراضي تعاني نقصاً حاداً في المياه نتيجة تحكّم القوات الإسرائيلية بمصادر المياه الاستراتيجية في جبل الشيخ عند الشريط الحدودي.
أمام هذا الواقع، لا يبدو أن السياسة السورية الحالية القائمة على الدبلوماسية ستحمي أبناء الجنوب من الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، وهذا ما يفرض عليهم وعلى الحكومة السورية إيجاد خيارات بديلة للرد على التمادي الإسرائيلي المتعاظم، من أجل حماية أبنائهم وأراضيهم على حدٍ سواء.