"انتقام من بذرة المقاومة فيها".. الاحتلال يعتدي على رفح بالمحو
شهدت مدينة رفح العملية العسكرية الأطول خلال الحرب، حيث تقترب تلك العملية على العام الكامل، والتي بدأت في أيار/مايو من العام الماضي، واستمرت بالرغم من التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار.
-
"انتقام من بذرة المقاومة فيها".. الاحتلال يعتدي على رفح بالمحو
هي الشوكة في حلق قادة الاحتلال الإسرائيلي، والعصية على الانكسار أمام سطوة جيشه العسكرية، والملقبة بالصندوق الأسود للمقاومة الفلسطينية، هي رفح الواقعة أقصى جنوب قطاع غزة، وبوابته الرئيسية للعالم الخارجي.
يحاول الاحتلال جاهدًا تحويل رفح إلى مدينة أشباح، عبر طوق أمني يفرضه عليها منذ تجدد عدوانه عليها في أول أيام عيد الفطر المبارك، لينشئ لاحقًا محورًا عسكريًا جديدًا يفصلها عن باقي مناطق القطاع، ويطلق عليه اسم محور "موراج".
ويسعى الاحتلال للانتقام من المدينة التي كانت الدرع الحامي للمقاومة وجسر الإمداد لقدراته العسكرية على مدار عقود من الزمن، وذلك من خلال تدمير بيوتها بالكامل، وجعلها منطقة غير صالحة للحياة، وإيهام العالم بأنها ستكون مركز الإيواء المرتقب لجميع سكان القطاع.
ومنذ بداية الحرب على قطاع غزة، استقبلت المدينة التي تبلغ مساحتها نحو 40% من مساحة القطاع، وعدد سكانها حوالى 300 ألفًا، أكثر من مليون ونصف المليون نازح من مختلف مناطق القطاع، ليضطر لاحقًا سكانها النزوح نحو مناطق وسط القطاع.
وشهدت مدينة رفح العملية العسكرية الأطول خلال الحرب، حيث تقترب تلك العملية على العام الكامل، والتي بدأت في أيار/مايو من العام الماضي، واستمرت بالرغم من التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار خلال شهري كانون ثاني/يناير وشباط/فبراير الماضيين.
وفي رحلة نزوحهم القسرية، واجه سكان المدينة الويلات، حيث أجبر جيش الاحتلال الآلاف من السكان على النزوح تحت زخات الرصاص وقذائف المدافع، وأقدم على اعتقال المئات منهم، وإعدام العشرات بدم بارده بينهم 15 من المسعفين ورجال الدفاع المدني.
نجاة من الموت
ويفيد محمد أبو هلال، بأنه نجا وعائلته بأعجوبة بالغة من قذيفة دبابة إسرائيلية، عندما كان يحاول الاحتلال إجبار السكان على إخلاء حي تل السلطان غربي المدينة، مبينًا أنه شاهد بأم عينه الجثامين الملقاة بالشوارع والمصابين بجراح خطيرة من دون أي مساعدة تذكر.
ويقول أبو هلال، للميادين نت، إن "الاحتلال الإسرائيلي كان يطلق النار بشكل عشوائي على النازحين، كما أنه تعمد تدمير عدد من البيوت والمنازل فوق رؤوس ساكنيها"، لافتًا إلى أن الاجتياح الإسرائيلي المفاجئ كان بالدبابات والجرافات العسكرية.
"الاحتلال كان يبدو وكأنه ينفذ عملية انتقامية من المدينة وسكانها، فأبطالها من أبناء المقاومة هم من نجحوا دائمًا في تركيع جنوده في جميع المواجهات بدءًا من الانتفاضة الفلسطينية الأولى ومرورًا بانتفاضة الأقصى الثانية، وانتهاءً بطوفان الأقصى"، وفق أبو هلال.
ويشير إلى أن "المدينة كانت مدمرة بشكل كبير، وأن العملية العسكرية الحالية للاحتلال الصهيوني ستكون سببًا في تدميرها بشكل كامل"، مشددًا على أن الاحتلال وبالرغم من عدوانه الوحشي لن ينجح في كسر إرادة الفلسطينيين.
أسلحة غريبة
ويستخدم الاحتلال الإسرائيلي أسلحة جديدة وغريبة في عملياته العسكرية ونسفه للمربعات السكينة بالمدينة، وفق ما يفيد أحد سكانها، خالد الأزبط، مشيرًا إلى أن المدينة خالية من ملامح الحياة بالكامل ولا يمكن معرفة تفاصيلها.
ويقول الأزبط، للميادين نت، إن "الاحتلال يعمل على تدمير المدينة ويحيطها بآليات عسكرية وجنوده؛ من دون أن يتمكن من الدخول إلى عمقها"، مشددًا على أن ذلك يكشف خوفه من مواجهة عناصر المقاومة الفلسطينية.
وبيّن أن "المدينة دُمرت بالكامل، ولم يبق فيها أي من ملامح الحياة، لكن بالرغم من ذلك، وبالرغم من أن العودة إليها مستحيلة؛ إلا أن جميع السكان مصرون على المحاولة ولن يقبلوا بأي مخططات صهيونية للنيل من المدينة وجعلها منطقة أمنية".
شهادة مأساوية
يروي ضابط الإسعاف عبد الغني أبو مشايخ في حديثه للميادين نت تعمُّد الاحتلال قتل السكان وإصابة المسعفين ورجال الدفاع المدني، مشيرًا إلى أن ذلك أعاق عمل الطواقم الإغاثية وحال دون نجاة الكثير من السكان.
وقال أبو مشايخ إن "رفح تحولت إلى مدينة أشباح بعد تهجير جميع سكانها، ولا يمكن للطواقم الطبية العمل فيها"، متابعًا: "رأيت بأمّ عيني العشرات من المصابين والجرحى الذين لم نتمكن من الوصول إليهم بسبب آليات الاحتلال وطائراته المسيرة".
ويفيد بأن "السكان نزحوا سيرًا على الأقدام من المدينة وبعض كبار السن اضطروا للخروج منها زحفًا بعد العمليات العنيفة التي تجري فيها"، مشيرًا إلى أنه بالرغم من المساعي المستمرة للحصول على تنسيقات لإجلاء المصابين وانتشال جثامين الشهداء إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يرفض ذلك ويمنع دخول أي شخص للمدينة مهما كانت صفته.
وأضاف: "الاحتلال الصهيوني يستخدم الذكاء الصناعي في اغتيال النازحين من المدينة، وطائراته المسيّرة تدفعهم نحو طرق تؤدي بهم في نهاية الأمر إلى الموت"، مؤكدًا أن الوضع صعب للغاية في المدينة والعملية الإسرائيلية الحالية "انتقامية".
رفح مدينة الصمود
وأعلن الاحتلال الإسرائيلي تطويق جيشه لمدينة رفح بالكامل وضمها للمنطقة الأمنية العازلة، وهو ما يعني رفضه الانسحاب منها في أي اتفاق غير مباشر مع المقاومة الفلسطينية لتبادل الأسرى؛ إلا أن المقاومة تُصرّ على انسحاب جيش الاحتلال بالكامل من القطاع في أيّ اتفاق مرتقب.
والمدينة لها قسمين الأول موجود في سيناء وهو لمصر بالكامل، والثاني يتبع لقطاع غزة، منذ احتلال الجيش للقطاع عام 1967، فيما ظلت المدينة مركزًا مهمًا للمقاومة الفلسطينية بمختلف مراحلها، وشهدت عمليات نوعية، أبرزها عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006.
وسبق ذلك، إجبار جيش الاحتلال الإسرائيلي على الركوع بحثًا عن أشلاء جنوده، إثر تدمير سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي دبابة ميركافاة صهيونية على محور فيلادليفيا عام 2004، الأمر الذي أدى إلى مقتل 6 جنود إسرائيليين وفقدان أشلاء معظمهم.
ويطلق على رفح العديد من الأسماء مثل "مدينة الصمود، قلعة الجنوب، والصندوق الأسود"، وهو ما يجعلها أحد المناطق الرئيسية التي يستهدفها الجيش الإسرائيلي بعملياته العسكرية ويعمل على تدميرها بالكامل، خاصة في ظل ارتباطها الجغرافي العميق بمصر.