"خطة قذرة".. بريطانيا تتخلى عن المهاجرين وتُرحّلهم إلى رواندا

المشروع الذي وافق عليه البرلمان البريطاني، يتيح إرسال طالبي اللجوء في بريطانيا إلى رواندا، وهناك تدرس طلباتهم، وفقاً للاتفاقية بين الدولتين، فإما يُمنحون لجوءاً في رواندا نفسها، أو يتمّ إرسالهم إلى دولٍ أخرى، ليست بريطانيا من بينها.

0:00
  • "خطة قذرة".. بريطانيا تتخلّى عن المهاجرين وتُرحّلهم إلى رواندا

"إنها خطةٌ قذرة". هكذا يصف مساعد وزير الداخلية البريطاني جيمس سانرلاند خطة الحكومة البريطانية لترحيل مهاجرين إلى دولة راوندا. النائب المحافظ تحدّث قبل أسابيع، في نيسان/أبريل الماضي، لكنّ التسجيل الصوتي الذي انتشر لكلامه جديدٌ ومفاجئ، خصوصاً أنه يوضح رأي وزارة الداخلية، من داخلها، بالخطة التي تديرها الحكومة.

إنها كواليس وزارة الداخلية التي تخرج إلى العلن، لتظهر خلفيّة التعامل مع ملف الهجرة من ناحية، ومع الدول الأخرى ذات السيادة من ناحية ثانية.

رئيس الحكومة السابق ريشي سوناك وعد سابقاً بأن حملات ترحيل اللاجئين إلى رواندا ستبدأ في تموز/يوليو، لكنّ الشكّ يحوم حول انعكاسات ذلك على ملف الهجرة وعلى صورة بريطانيا أيضاً.

وزير الداخلية في حكومة سوناك جيمس كليفرلي يضع هذا الرأي لمساعده في خانة محاولة جذب انتباه العامة من خلال خلق تأثيرٍ درامي. لكن المسألة أبعد من ذلك، ففي موقف الداخلية ما يؤيّد الخطة انطلاقاً من تقديرها للوجه الردعي من المشروع. هم يعتقدون بأن تنفيذ الرحلات الأولى ضمن الخطة سوف يؤدي إلى اختفاء عصابات تهريب المهاجرين.

المشروع الذي وافق عليه البرلمان البريطاني، يتيح إرسال طالبي اللجوء في بريطانيا إلى رواندا، وهناك تُدرس طلباتهم، وفقاً للاتفاقية بين الدولتين، فإما يُمنحون لجوءاً في رواندا نفسها، أو يتمّ إرسالهم إلى دولٍ أخرى، ليست بريطانيا من بينها.

الخطة واجهت حتى الآن انتقاداتٍ كثيرة، وقد قضت المحكمة العليا في بريطانيا في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بعدم قانونيتها، مشدّدة على أنها قد تهدّد بإعادة طالبي اللجوء إلى بلدانهم حيث قد يواجهون مخاطر، وهو ما يخالف الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تجرّم التعذيب والمعاملة غير الإنسانية.

ووفق تقديرات الجهات المعارضة للخطة، فإنّ تكلفة ترحيل مهاجرٍ من بريطانيا تفوق تكلفة إبقائه بأكثر من 60 ألف جنيه إسترليني. ثم إن هؤلاء يدفعون بأنّ سجل حقوق الإنسان في رواندا سيّئ ومثيرٌ للقلق، حيث تمّ قتل معارضين للحكومة، الأمر الذي ينتقده معارضون روانديون مقيمون في بريطانيا نفسها.

الحكومة البريطانية التفّت على قرار المحكمة العليا من خلال توقيع اتفاقيةٍ جديدة مع رواندا، وإقرار قانون يضمّ دولاً أخرى إلى لائحة التعاون في هذه القضية.

وفي السياق نفسه، تبحث لندن عن دولٍ أخرى للمساعدة بتوزيع اللاجئين فيها، منها ساحل العاج وأرمينيا وكوستاريكا (أعلنت رفضها استقبال مهاجرين من بريطانيا) وبوتسوانا.

ومع رفض كوستاريكا وإنكار أرمينيا وهروب باراغواي وغانا ودول عديدة أخرى في شرق أوروبا من التورّط في الملف، تستمرّ تفاعلات هذه القضية في الداخل البريطاني، ليأتي الآن موقف النائب المحافظ معبّراً عن حقيقة النظرة إلى الخطة في وزارة الداخلية.

الكيان الإسرائيلي كان قد سبق بريطانيا إلى هذه الممارسة التي يصفها سانرلاند اليوم بالقذرة. ففي الفترة بين عامي 2013 و2018 أرسل الكيان نحو أربعة آلافٍ من طالبي اللجوء الإريتريين والإثيوبيين إلى رواندا وأوغندا في إطار خطة "ترحيلٍ طوعي" سرية.

الخطة الإسرائيلية كانت أكثر خبثاً حين أبقت الأمر سرياً، فيما تحدّثت بريطانيا عن نواياها بصورةٍ علنية، وسعت إلى توقيع اتفاقياتٍ علنية مع الدول المذكروة، لم تفلح في التوصّل إليها سوى مع رواندا حتى الآن.

وفي أسباب اختيار رواندا، أن لها تجارب سابقة في هذا المجال، منها ما ذكرناه عن تعاونها مع الكيان الإسرائيلي، بالإضافة إلى انخراطها في برنامج مشترك مع المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين، ومع الاتحاد الأفريقي، لاستقبال المهاجرين المحتجزين في ليبيا في وقت انتظارهم لدراسة ملفاتهم.

وإلى جانب ذلك، لدى رواندا اتفاق مشابه مع الاتحاد الأوروربي، وهي تسعى إلى اجتذاب مهاجرين من أفغانستان، وهي تضع هذه المساعي في إطارٍ إنساني لإظهار التعاون مع الدول الأخرى، بينما يشير مراقبون إلى أن السبب الحقيقي يتعلّق بتوفير تدفقاتٍ مالية كبيرة إلى كيغالي، من جرّاء تعاونها مع الدول التي ترغب بشدة في التخلّص من اللاجئين.

ووفقاً لتقارير صدرت عن مكتب التدقيق الوطني البريطاني، فإن لندن ستدفع 120 مليون جنيه إسترليني لإعادة توطين 300 شخص، إضافةً إلى 20 ألف جنيه لكلّ فرد يتمّ توطينه في رواندا. إلى جانب تكاليف معالجة اللجوء التي تزيد على 150 ألف جنيه إسترليني لكل فرد يتم نقله، وإذا قرّر أحد هؤلاء الأفراد مغادرة رواندا، فستدفع لندن لحكومة كيغالي مبلغاً قدره 10 آلاف جنيه إسترليني لمرة واحدة للمساعدة في تسهيل مغادرته الطوعية.

وفي هذا السياق، ستضخّ المملكة المتحدة 370 مليون جنيه إسترليني على الأقل في صندوق التحوّل الاقتصادي والتكامل المصمّم لدعم النمو الاقتصادي في رواندا، حيث كانت الحكومة البريطانية قد دفعت 240 مليون جنيه إسترليني حتى نهاية العام الماضي.

إذاً بالنسبة لرواندا، الأمر متعلّق بتدفّق الأموال وكسب المزيد منها كلّما زاد عدد المهاجرين. أما بالنسبة إلى لندن والكيان، فإن ذلك يعني التخلّص من مهاجرين غير مرغوب فيهم، من خلال إجبارهم وبالضغط  المباشر على الذهاب إلى دولةٍ لا يرغبون بالعيش فيها.