"بيت جن" تواجه المحتل بدماء شبابها.. المقاومة الشعبية تتمدد جنوب سوريا
تصاعد لافت للمقاومة الشعبية في الجنوب السوري، من كويا ونوى وصولاً إلى بيت جن، في مواجهة التوغّل الإسرائيلي والقصف الذي خلّف شهداء ودماراً واسعاً.
-
"بيت جن" تواجه المحتل بدماء شبابها.. المقاومة الشعبية تتمدد جنوب سوريا
بالأمس "كويا" و"نوى" في ريف درعا، واليوم "بيت جن" بريف دمشق. تنتفض القرى السورية واحدةً تلو الأخرى بوجه الاحتلال الإسرائيلي، لتكتب فصلاً جديداً من المقاومة الشعبية التي تحاول طرد المحتل.
أمام منزله المدمّر في بلدة "بيت جن" بريف العاصمة السورية دمشق، وتحت أنظار طائرات الاحتلال المسيّرة التي تجوب سماء المنطقة، وقف "أبو خالد" ليعلن موقفه على الملأ: "دماء شبابنا لن تذهب سدىً، والمقاومة الشعبية ستتصاعد ضد القوات الإسرائيلية التي لا تعرف إلا لغة البطش؛ دماء الشهداء الذين سقطوا على أيدي الاحتلال ستمهد الطريق لتحرير الأرض من المحتلين في أقرب وقت".
يأتي ذلك بعد أن توغّلت قوات الاحتلال، فجر اليوم، داخل بلدة "بيت جن" واعتقلت عدداً من المدنيين، فما كان من الأهالي إلا أن انتفضوا بوجه القوات الإسرائيلية واشتبكوا معها لساعات، وتمكنوا من إصابة عدد من الضباط الإسرائيليين، فسارع جيش الاحتلال إلى استقدام تعزيزات عسكرية، كما شنت المروحيات والمسيّرات الإسرائيلية قصفاً واسعاً على الأحياء السكنية، ما أدى لارتقاء 13 شهيداً ووقوع عدد من الجرحى، إضافة إلى تدمير واسع طال المنازل والممتلكات.
يقول "أبو خالد" للميادين نت: "ظنّ العدو أن الأرض أرضه، ومحاولاته اعتقال المدنيين الأبرياء ستبقى بدون رد، لكنه علم بعد المقاومة التي واجهها أن بيت جن عصيّة على الانكسار، وسترفض بقاء الاحتلال مهما كانت التضحيات"، ويضيف: "يحاول الاحتلال ترهيبنا باستهداف المنازل والمساجد، لكنه لا يعلم أن ذلك يزيدنا إصراراً على المقاومة، ويرسخ هدفنا بطرد قواته من أرضنا".
"بيت جن" تنتفض
لطالما امتازت بلدة "بيت جن" بطبيعتها الفريدة، حيث الأجواء المعتدلة والمياه العذبة والينابيع الغزيرة، فكانت مقصداً دائماً للسوريين الباحثين عن الجمال والهدوء، لكن البلدة الواقعة على سفح جبل الشيخ تمتلك أيضاً موقعاً جغرافياً استراتيجياً، فهي نقطة الوصل بين العاصمة دمشق والجولان السوري المحتل، إضافة إلى قربها من الحدود اللبنانية، وهذا ما جعلها هدفاً رئيسياً للقوات الإسرائيلية بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد نهاية 2024.
ومنذ سقوط النظام في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، أمعنت قوات جيش الاحتلال في توغلها داخل الأراضي السورية، وفرضت سيطرتها على المنطقة العازلة بين القنيطرة والجولان المحتل، وبسطت سيطرتها على جبل الشيخ الاستراتيجي، وتوغلت في ريفي القنيطرة ودرعا، كما أقامت عشرات الحواجز والنقاط العسكرية.
ونظراً لموقعها الجغرافي، كانت "بيت جن" التي تبعد 50 كيلومتراً عن مركز العاصمة السورية، هدفاً للجيش الإسرائيلي منذ الأيام الأولى لبدء عمليات التوغل البري داخل سوريا بعد سقوط النظام، حيث أقدمت القوات الإسرائيلية في الثالث عشر من كانون الأول/ديسمبر الماضي على اقتحام البلدة والانتشار داخلها، كما أنشأت ثكنة عسكرية داخلها وحواجز متنقلة على أطرافها، إضافة إلى اعتقال عدد من المدنيين ونقلهم إلى سجون الاحتلال.
لاحقاً انسحبت القوات الإسرائيلية من داخل البلدة، لكنها انتشرت في محيطها، وعمدت باستمرار إلى تنفيذ عمليات توغل واعتقال للمدنيين، حيث قامت قوات الاحتلال في حزيران/يونيو الماضي بتنفيذ مداهمة ليلية أسفرت عن استشهاد مدني واعتقال 7 آخرين، وفي شهر آب/أغسطس توغلت قوة إسرائيلية كبيرة في البلدة واعتقلت أكثر من 10 شبان.
قبلة سياحية
بتعداد سكاني لا يتجاوز 20 ألف نسمة، حافظت بلدة "بيت جن" على تنوّع ديني فريد من نوعه ضمن قراها التسع؛ أبرزها: عرنة ودربل ومزرعة بيت جن وحرفة وحضر والنهر الأعوج.
وتضم البلدة نبعاً مائياً غزيراً هو "نبع العين"، الذي يمتاز بمياهه الصافية والعذبة، ويُعتبر من أغزر روافد "نهر الأعوج"، كما يوجد شلالات "رأس النبع" وعين "بيت جن" المائية، وتتمتع البلدة بمناخها المعتدل صيفاً والبارد شتاءً، وخضرتها الكثيفة، ومحاصيلها المتنوعة من التفاح والمشمش والإجاص والبقوليات والقمح.
وتعتبر "بيت جن" قبلة السياحة الداخلية في المنطقة الجنوبية، وتحديداً من محافظات دمشق وريف دمشق ودرعا والسويداء والقنيطرة، حيث استقطبت الأهالي الباحثين عن الراحة والهدوء والأجواء المعتدلة والطبيعة الساحرة.
"بيت جن" تنضم إلى "نوى" و"كويا"
في الثاني من نيسان/أبريل الماضي، حاولت قوة إسرائيلية التوغل في بلدة "نوى" بريف درعا الغربي جنوبي سوريا، بالتزامن مع تحليق مكثّف لطائرات الاستطلاع، لكن الأهالي استخدموا أسلحتهم الفردية لمواجهة جنود الاحتلال، ودارت اشتباكات عنيفة انتهت بإجبار القوات المتوغلة على التراجع والانسحاب.
وأقرّ الجيش الإسرائيلي لاحقاً في بيان له بأن قواته التي حاولت التوغل داخل "نوى" تعرّضت لإطلاق نار كثيف، وردّت الطائرات المروحية على مصادر النيران بضربات مكثفة.
مساجد "نوى" أطلقت دعوات عاجلة للنفير العام، ودعت عبر مكبرات الصوت كل من يملك القدرة على حمل السلاح ومقاومة القوات الإسرائيلية، فهبّ الأهالي للدفاع عن أرضهم، وارتقى في المعارك حينها 9 شهداء وأصيب 22 آخرين.
حادثة بلدة "نوى" جاءت بعد أيام من ملحمة صمود مماثلة سطّرها أهالي بلدة "كويا" بريف درعا، بعد أن واجهوا آليات الجيش الإسرائيلي وأسلحته الثقيلة بأسلحتهم الفردية، ومنعوا تقدم القوات الإسرائيلية في بلدتهم، وأجبروها على التراجع.
ومثلما حدث في "نوى"، انسحبت قوات الاحتلال من "كويا" تحت المقاومة الشعبية، لكن الجيش الإسرائيلي ردّ بقصف المنازل السكنية، ما أسفر عن ارتقاء 7 شهداء وإصابة آخرين، إضافة إلى وقوع أضرار كبيرة في الممتلكات.
إن ما يجري في الجنوب السوري منذ أشهر، يؤكد رفض السوريين لوجود الاحتلال الإسرائيلي على أرضهم، وأن الصمت الحكومي المتواصل عن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، لن يقف عائقاً أمام تمدد المقاومة الشعبية وتوسعها مهما بلغت التضحيات، لكن المطلوب في الوقت الحالي هو وقوف جميع السوريين صفاً واحداً مع أبناء الجنوب ليكونوا قادرين على مقاومة المحتل وطرده من أرضهم.