"فرحتنا ببطولاتهم هي العيد".. أهالي شهداء لبنان يحيون طقوس الفطر عند الأضرحة
في عام لم يخلُ من كل أشكال الألم والفقد، وعلى وقع التهديدات والمخاطر والقصف المستمر، يستقبل الجنوبيون عيد الفطر المبارك بطريقة مختلفة عما مضى. طقوس مستجدة ترافق العيد لدى البعض، أولها وأهمها زيارة أضرحة شهدائهم.
-
"فرحتنا ببطولاتهم هي العيد".. أهالي شهداء لبنان يحيون طقوس الفطر عند الأضرحة
كل شيء في جنوب لبنان استثنائي، وأهله الذين خطّوا كرامتهم ومجدهم بلغة الدم منذ القدم، لم يبدّلوا في مبادئهم شيئاً. صنع الجنوبيون أعيادهم، كما أيامهم، بأبجدية فريدة، فكانت الشهادة عيدهم وسبيلهم نحو "الحياة الحلوة".
في عام لم يخلُ من كل أشكال الألم والفقد، وعلى وقع التهديدات والمخاطر والقصف المستمر، يستقبل الجنوبيون عيد الفطر المبارك بطريقة مختلفة عما مضى. طقوس مستجدة ترافق العيد لدى البعض، أولها وأهمها زيارة أضرحة شهدائهم الذين قضوا في العدوان الإسرائيلي الأخير والمستمر على لبنان.
في أعياد السنوات السابقة، اعتادت مريم ابنة الشهيد علي عباس الحصول على هدية خاصة من والدها. ومع حلول عيد الفطر لهذا العام، تبدلت الظروف لكن لم يتبدل المشهد. حرصت الوالدة على تكرار الأمر عينه، لأن " فرحة الأولاد بأثر آبائهم هي العيد"، ولأن الشهادة لا تعني الدخول في دوامة اليأس بل على العكس، الشهيد رحل "لنصنع الفرحة، ونحيي الأمور التي تُكمل وتزيّن الدين".
في مفهوم نور، زوجة شهيد، تُعدّ زيارة أضرحة الشهداء "أّنساً وحياة"، وأن "الواجب المترتب علينا في هذا السياق هو إحياء هذه المناسبات بفرحة وأمل".
"في كل عيد كانت تجتمع العائلة، نتشارك هذا اليوم حول أضرحة شهدائنا الثلاثة، هذا العام سوف نتشاركه أيضاً مع شهيدنا الرابع"، بكلماتها هذه، تختصر انتصار غريّب شقيقة الشهداء الأربعة، قاسم وهيثم وحسن وحسين غريّب، مشهد العيد في عيون عوائل الشهداء.
انتصار التي اعتادت على مدى ما يقارب العشرين عاماً، أن تتشارك مع شهدائها الثلاثة مراسم الأعياد، لم تبدّل طقوسها لهذا العام برغم اتساع رقعة الفقد والشوق. ولأن زيارة أَضرحة الشهداء أولوية، فهي تجدها أيضاً "فرصة لتجديد العهد بإكمال المسيرة وحفظ وصاياهم في قلوبنا".
وبرغم التحديات والمخاطر، أبى أهالي بلدة كونين الحدودية أن يمر عيد الفطر من دون إقامة مراسم الفرح واللعب الخاصة بأطفال القرية، وفاءً لدماء الشهداء القادة في كشافة الإمام المهدي، الذين تولوا فيما مضى تنظيم "الكارميس" الخاص بعيد الفطر المبارك.
الشهيد هيثم مهدي حمود، كان من القادة الكشفيين المبادرين في هذا السياق، وفي يوم عيد الفطر "سنكون مع الفجر نحن وأبناؤنا عند أضرحة شهدائنا، نسلّم عليهم ونقرأ القرآن والدعاء في محضرهم،" تشرح شقيقة الشهيد للميادين نت.
"على امتداد 76 عاماً، لم أشعر بمعنى العيد كما اليوم وذلك لأن الله أكرمنا واختار من منزلنا شهيداً"، كلمات يحفرها والد الشهيد هيثم في قلبه وغصة الدموع تزاحم حنجرته، وهو الذي سيزور ولده صباح العيد عند ضريحه.
الشهيدان محمد وحسين فوعاني شاركا الشهيد هيثم المسيرة، عاشوا معاً وارتقوا شهداء جمعاً. الانتماء واحد، ورسالة عوائل الشهداء كذلك: "لن نركع، سنمضي ونبقى على نهج شهدائنا ونكمل الطريق، لن نتخلى عن هذا الخط المقدس حتى آخر نفس".
أما في الخيام، وبرغم اندثار العديد من مقومات الحياة في المدينة بفعل الدمار الكبير الذي تسببت به الحرب، فإن أبناءها حريصون بما توفر، على إحياء مراسم الأعياد ولو بتفاصيل صغيرة. بالنسبة إلى ابن البلدة عباس تليجي، فإن زيارة الشهداء والمقابر في أيام العيد هي أقدس العادات، يأتي بعدها الطقوس "الضيعاوية" التي اعتاد الأهالي على ممارستها في صبيحة كل عيد.
وفقاً لابن المدينة، فإن أجمل ما في العيد هذا العام هو أن الناس اجتمعت حول قبور شهدائها، حتى أولئك الذين يقطنون حالياً خارج المدينة بعد تدمير بيوتهم، يتوافدون جميعهم لزيارة أحبائهم، يقيمون صلاة العيد، يزورون أقرباءهم، وكلهم أمل بالعودة القريبة إلى ديارهم، وعن حال عباس في هذا العيد، فإنه كحال كل عوائل الشهداء، يغمره العز والفخر بأن استقبل يوم العيد لهذا العام وهو واحدٌ منهم.