"هذا من أجل غزة".. شباب بريطانيا يجيّرون الانتخابات لنصرة فلسطين

يعكس انتخاب جورج غالاوي اهتمام الشارع البريطاني بالأحداث الجارية في غزة، إذ أثّر بشكل واضح في الانتخابات الداخلية، كما كان فوزه بمنزلة رسالة جماهيرية للقيادات السياسية البريطانية لإعادة النظر في توجهاتها وقراراتها

  • "هذا من أجل غزة".. شباب بريطانيا يجيّرون الانتخابات لنصرة فلسطين

"هذا من أجل غزة"، صيحة النصر التي أطلقها جورج غالاوي على إثر فوزه في الانتخابات الفرعية في روتشديل شمالي غرب إنكلترا، بزيادة بلغت نحو 6 آلاف صوت على أقرب منافسيه، وذلك الظفر الذي حصد غالبية الأصوات بواقع 40%، جاء في الوقت نفسه، تمثيلاً حقيقياً لصوت الشارع البريطاني المناهض للإبادة الجماعية والإجرام الإسرائيلي الذي يفتك بالفلسطينيين في غزة.  

وكانت حملة غالاوي الانتخابية قد ارتكزت بشكل أساسي على مساندة الفلسطينيين في محنتهم، ودعت إلى ضرورة وقف الحرب المستعرة في غزة، فضلاً عن مهاجمة السياسات الرسمية البريطانية غير الجادة في إنهاء الوضع المأساوي في فلسطين المحتلة.

ويعكس انتخاب غالاوي اهتمام الشارع البريطاني بالأحداث الجارية في غزة، إذ أثّر بشكل واضح في الانتخابات الداخلية، كما كان فوزه بمنزلة رسالة جماهيرية للقيادات السياسية البريطانية لإعادة النظر في توجهاتها وقراراتها في ما يتعلق بالقضايا الخارجية بما يتوافق مع المشاعر العامة للشعب، الذي يرى ضرورة الإسراع في إيجاد حل للوضع الإنساني الكارثي في غزة.

تعاطف واسع مع غزة

لم يكن التعاطف الشعبي البريطاني مع ما يجري في غزة، والذي بدا واضحاً في نتائج الانتخابات الفرعية مقتصراً على روتشديل، ولا يرجع في حقيقة الأمر إلى الأقلية المسلمة ذات الوجود المرتفع نسبياً في المدينة، والذي بلغ ما يوازي 21% من سكانها وفقاً للتعداد السكاني الأخير، إذ أظهرت الاستطلاعات المحلية للشارع البريطاني أن الرأي الشعبي على مستوى البلاد يغلب عليه توجه عام داعم للفلسطينيين في غزة.

وكشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوغوف "YouGov"، في منتصف شباط/فبراير الماضي، عن تنامي التعاطف الشعبي في بريطانيا مع استمرار أعمال العنف من الجانب الإسرائيلي، فبعد مضي أربعة أشهر على اندلاع الحرب في غزة، ارتفع موقف الشارع البريطاني المطالب بضرورة توقف "إسرائيل" عن إطلاق النار إلى 66%، مقابل نحو 59% في الاستطلاع الذي قامت به المؤسسة في تشرين الثاني/نوفمبر من العام المنصرم. 

ومن جانب آخر، أظهر الاستطلاع انخفاض الدعم الشعبي البريطاني لـ"إسرائيل"، حيث يرى نحو ثلثي البريطانيين أن على "إسرائيل" الدخول في مفاوضات مع حماس لإنهاء حالة الصراع الدائر، وانخفضت النسبة خمس نقاط للذين يرون أن "إسرائيل" يجب أن تستمر في العمل العسكري، ليبلغ نحو 13%، ونزلت ست نقاط للذين يعتقدون أن العدوان الإسرائيلي على غزة مبرر، حيث بلغت 24%، أما نسبة المتعاطفين مع الإسرائيليين على وجه الإجمال، فقد بلغت 18% فقط من المواطنين البريطانيين.

تفاعل حقيقي وتبنٍ لقضية غزة

وتنطوي مساندة الجانب الفلسطيني في الصراع لدى المتعاطفين البريطانيين على بعد عميق وحقيقي، إذ تمثل نوعاً من التبني للقضية، فهم يدافعون عنها بحماس ويشاركون في النشاطات الداعمة لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من أشكال التضامن الأخرى.

ويشير تقرير لموقع مور إن كومن "More in Common" بناء على مقابلات واسعة أُجريت في بريطانيا في كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلى أن المتعاطفين مع الجانب الفلسطيني كثيراً ما يؤكدون أهمية القضية بالنسبة لهم، في حين أن هذا الجانب غير بارز بالنسبة للمتعاطفين مع الجانب الإسرائيلي.

كما أن المساندين للفلسطينيين، وفقاً للتقرير، من المتوقع حضورهم التظاهرات بأكثر من الضعف مقارنة بأولئك الذين يتعاطفون مع الجانب الإسرائيلي، وتصل إمكانية توقيعهم على عريضة تتعلق بالنزاع أكثر من خمسة أضعاف الآخرين، ومن المرجح أن يصل تفاعلهم ونشرهم دعماً للقضية على وسائل التواصل الاجتماعي ثلاثة أضعاف الداعمين للجانب الإسرائيلي.

عنصر الشباب أكثر تعاطفاً

ومن الجدير بالذكر أن نتائج الاستطلاعات التي أجريت بعد أحداث الـ 7 من أكتوبر أظهرت أن توجه الشعب البريطاني في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية آخذ بالتغير مع الأجيال الجديدة، إذ بدت الأجيال الشابة داعمة بشكل أكبر للفلسطينيين على حساب الاحتلال الإسرائيلي، في حين كان الجيل الأكبر سناً داعماً للجانب الإسرائيلي.

 وفي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إبسوس "Ipsos" عبّر  23% من الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و34 عاماً عن رغبتهم في دعم حكومة المملكة المتحدة للفلسطينيين، مقارنة بـ7% فقط أعلنوا عن رغبتهم في وقوف الحكومة إلى جانب "إسرائيل".

وقد شهدت بريطانيا مواقف شعبية مناهضة للاحتلال، فمنذ اندلاع الحرب على غزة قامت العديد من التظاهرات الشعبية الحاشدة التي تطالب الحكومة بوقف إمداد الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح، وتندد بالأعمال الإجرامية الإسرائيلية والإبادة الجماعية بحق المواطنين في غزة، الأمر الذي أجبر الحكومة وحزب العمال على الدعوة إلى وقف دائم للأعمال العدائية في غزة.

وفي شارع أكسفورد الشهير في العاصمة البريطانية لندن والمنطقة المحيطة به، قام متظاهرون بإغلاق حركة المرور في منطقة التسوق المزدحمة قبل أيام من عيد الميلاد، للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة ومقاطعة العلامات التجارية المرتبطة بالاحتلال. 

ومن جانب آخر، اضطرت شركة "زارا" للملابس إلى وقف حملة إعلانية في المملكة المتحدة، وتقديم اعتذار عن سوء الفهم الحاصل بشأن الصور التي ظهرت في الإعلان، بعد انتقادات واسعة وجهت لها كونها تشابه الدمار في غزة، بحيث أصبح وسم "مقاطعة زارا"  #BoycottZara رائجاً على منصة "إكس" ، وكان الإعلان قد صور عارضة أزياء ملفوفة بمادة بيضاء فوق الكتف اليمنى، وتماثيل مدمرة وألواح جبسية مكسورة.

وفي سياق مماثل، تم إلغاء حفل في لندن لجمع التبرعات للجنود الإسرائيليين، كان من المقرر أن يستضيف المؤلف والمعلق البريطاني دوغلاس موراي الداعم لـ "إسرائيل"، على خلفية رفض عمال خدمة المسرح القيام بالتجهيزات اللازمة للحفل، في إطار رفض العدوان الإسرائيلي على غزة، بالرغم من العرض المغري الذي قدمته إدارة الحفل، والذي يتضمن أجراً مضاعفاً بما يزيد ثلاث مرات على الأجر المعتاد.