أهالي بلدة كويا السورية في درعا: أرضنا محرّمة على "إسرائيل".. سنقاتل
ما جرى في بلدة "كويا" بريف درعا، يُعطي رسالة قوية بأن السوريين يرفضون بقاء القوات الإسرائيلية على أراضيهم، لكن ذلك يجب أن يترافق مع تحرك سياسي جدّي وحازم من الإدارة السياسية الجديدة في سوريا.
-
أهالي بلدة كويا السورية في درعا: أرضنا محرّمة على "إسرائيل".. سنقاتل
"المقاومة بدأت"؛ ربما تختصر هذه العبارة ما يجري في الجنوب السوري حالياً، بعد أن واجه أهالي بلدة "كويا" بريف درعا الغربي آليات الجيش الإسرائيلي ومدرعاته الثقيلة بأسلحتهم الفردية، ليكتبوا فصلاً جديداً من مقارعة الإرهاب الإسرائيلي في عموم المنطقة، وليؤكدوا رفضهم المطلق لبقاء الاحتلال على أرضهم، وسعيهم لمواجهته بكل الوسائل المُتاحة.
القصة في "كويا" بدأت عندما حاولت دوريات إسرائيلية التوغل في البلدة، إلا أن الأهالي تصدوا لها بما يملكون من أسلحة فردية، لتدور اشتباكات عنيفة بين الأهالي وجنود الجيش الإسرائيلي، انتهت بانسحاب القوات المتوغّلة إلى خارج البلدة.
مقاومة الأهالي أثارت غضب جيش الاحتلال، فبعد الانسحاب من البلدة، عمدت المدفعية الإسرائيلية إلى شن قصف عنيف على المنازل السكنية في البلدة، مما أسفر عن ارتقاء 7 شهداء من المدنيين وإصابة آخرين إضافة إلى وقوع أضرار مادية كبيرة في الممتلكات.
القصف العنيف على البلدة تسبب بموجة نزوح كبيرة للأهالي، الذين اضطروا للهرب من وحشية القوات الإسرائيلية، التي تسعى للضغط على جميع سكان الجنوب السوري لتهجيرهم ومنع أيّ حركة مقاومة ضد عمليات التوغل المستمرة في قرى وبلدات القنيطرة ودرعا.
وتعليقاً على ما جرى في الجنوب السوري، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصدر أمني قوله: "أطلق مسلحون النار على قوة من الجيش الإسرائيلي أثناء تنفيذها عملية في قرية كويا من دون وقوع إصابات، فردّ الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار والقذائف نحو القرية".
بعد يوم من الحادثة، خرج الآلاف من أهالي بلدة "كويا" في تشييع مهيب لشهداء العدوان الإسرائيلي، مُردّدين شعارات تُندّد بوجود قوات الاحتلال في الجنوب السوري، وتدعو إلى مقاومتها وطردها بجميع الوسائل المُتاحة.
"لن نسمح ببقاء القوات الإسرائيلية"؛ "الإرهاب الإسرائيلي في غزة وكويا واحد"؛ "أرضنا محرّمة على الإسرائيلي"؛ شعارات رفعها أهالي "كويا" خلال تشييع شهدائهم الذين كتبوا بدمائهم ملحمة مقاومة شعبية عنوانها "لا مكان لإسرائيل على هذه الأرض حتى، وإن كان الثمن دماء أهلها".
كما ظهر والد أحد شهداء الجريمة الإسرائيلية في مقطع فيديو خلال التشييع، وقال: "الذين استشهدوا بغزة لا يختلفون عنا بشيء، نحن ندافع عن أرضنا وأهل غزة يدافعون عن أرضهم. نطالب الرئيس الجديد أحمد الشرع والمجتمع الدولي بإيجاد حلٍّ سريع لما يجري. أرضنا محرّمة على الإسرائيليين. نموت جميعاً ولا نخرج من هنا".
كويا.. البلدة الاستراتيجية
بمساحة تُقدّر بنحو 13 كيلومتراً مربعاً، تقع بلدة "كويا" في أقصى جنوب غرب محافظة درعا، ضمن ما يُعرف بمنطقة حوض اليرموك، عند المثلث الحدودي السوري - الفلسطيني - الأردني، وهي من البلدات المتخامة للجولان المحتل، وتشهد توترات متكررة بسبب موقعها الاستراتيجي، حيث شنت القوات الإسرائيلية منذ أشهر ضغطاً سياسياً وعسكرياً على البلدات الحدودية بهدف إخلاء البلدات من السلاح.
وتتميّز بلدة "كويا" بإطلالتها على وادي اليرموك، كما أنها قريبة من سرية "الجزيرة" التي تسيطر عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة "معرية" المتاخمة للحدود مع الأراضي المحتلّة.
يعتمد سكان البلدة الذين يصل عددهم إلى قرابة 9000 نسمة على الزراعة وتربية الماشية، نظراً لخصوبة أراضيها القريبة، وهي تتبع كويا إدارياً لناحية "الشجرة" في منطقة درعا بمحافظة درعا.
وعن الحادثة التي شهدتها "كويا"، يؤكد الناشط فارس حمّو من مدينة درعا للميادين نت أن "هذه البلدة الصغيرة أعطت درساً للكيان الإسرائيلي بأن السوريين لن يتنازلوا عن أرضهم أمام الدموية والوحشية الإسرائيلية، وأن الجنوب كان وسيبقى سورياً برغم محاولات الاحتلال فرض واقع جديد في الجنوب، من خلال عمليات التوغل المستمرة، وتهديد المدنيين وترويعهم".
وأشار حمّو إلى أنّ ما حصل في بلدة "كويا" يُعتبر مؤشراً قوياً على أن الجنوب السوري سيشهد مواجهات وعمليات أشد وأوسع ضد القوات الإسرائيلية إذا استمرت في عمليات التوغل داخل الأراضي السورية، لأن أهالي الجنوب لن يقبلوا الخنوع والصمت بمواجهة المشروع الإسرائيلي التوسعي في بلدهم.
الاعتداءات الإسرائيلية لا تتوقف
منذ ثلاثة أشهر، تتواصل عمليات التوغل الإسرائيلية في الجنوب السوري، ضمن القرى والبلدات المحاذية للجولان المحتل، وصولاً إلى الحدود الإدارية لمحافظتي درعا والقنيطرة، وسط دعوات من كبار المسؤولين في "تل أبيب" وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى جعل جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح، وبقاء القوات الإسرائيلية فيها لفترة غير محددة.
وبالتوازي مع ذلك، رفع سلاح الجو الإسرائيلي من وتيرة غاراته، شبه اليومية، على المواقع العسكرية والمنشآت الأمنية في مختلف المحافظات السورية، بغية تدمير البنية التحية العسكرية والأسلحة الاستراتيجية في سوريا من دون أيّ رادع، ومؤخراً تم استهداف قاعدتين عسكريتين بمحيط تدمر في ريف حمص وسط سوريا، واستهداف موقع عسكري في "المينا البيضا" بمدينة اللاذقية الساحلية.
وعن سبب التصعيد الإسرائيلي في سوريا يقول الصحافي محمود عيسى للميادين نت إن نتنياهو يستغلّ حالة التخبط والفوضى التي أعقبت إسقاط نظام الأسد، في محاولة منه لتدمير أيّ قوات عسكرية وأسلحة استراتيجية موجودة في البلاد، بهدف تحويل سوريا إلى دولة منزوعة السلاح، وبالتالي يمكن الضغط عليها لتمرير المشاريع الإسرائيلية، وخصوصاً ما يتعلق بجعل الجنوب السوري "منطقة آمنة" لا تشكّل خطراً على الأراضي المحتلّة.
ويشير عيسى إلى أن نتنياهو لن يسحب قواته من القنيطرة وريف درعا إلى المنطقة العازلة بين القنيطرة والجولان المحتل إذا لم يكن هناك قرار سياسي وعسكري سوري واضح بمواجهة المخطط الإسرائيلي؛ وأن يواجه الجيش الإسرائيلي مقاومة شعبية وعسكرية في المناطق التي تقدّم إليها، كما حصل في بلدة "كويا" بريف درعا، والتي أثبتت لنتنياهو أن التوسّع في الجنوب السوري لن يكون بالسهولة التي كان يعتقدها.
إن ما جرى في بلدة "كويا" بريف درعا، يُعطي رسالة قوية بأن السوريين يرفضون بقاء القوات الإسرائيلية على أراضيهم، لكن ذلك يجب أن يترافق مع تحرك سياسي جدّي وحازم من الإدارة السياسية الجديدة في سوريا للضغط دولياً على "تل أبيب" لسحب قواتها من المناطق التي توغلت فيها جنوب سوريا عقب سقوط نظام الأسد، لأن بقاء تلك القوات يعني إيجاد مقاومة شعبية واسعة لضرب المشاريع الإسرائيلية، كما حصل في بلدة "كويا" قبل أيام.