انتخابات بلا تكافؤ.. النساء المصريات في مواجهة القبيلة والأمن والأحزاب
تواجه المرأة المصرية انتخابات مشحونة بالقبيلة والمال السياسي وشراء الأصوات، فيما يعيد تدخل السيسي فتح النقاش حول "الكوتة" وقدرتها على إنصاف النساء.
-
انتخابات بلا تكافؤ.. النساء المصريات في مواجهة القبيلة والأمن والأحزاب
أمام حشد من المصريين، وقفت النائبة السابقة نشوى الديب، المرشحة بالنظام الفردي في الجولة الأولى من انتخابات البرلمان المصري التي أُلغيت بقرار رئاسي، معبّرة عن استيائها من "التربيطات السياسية" وشراء الأصوات اللذين طغيا على أجواء التصويت في 14 محافظة تنافس فيها 1281 مرشحاً بين النظامين الفردي والقوائم المطلقة.
صرخت الديب عبر كرسي اعتلته وسط الشارع ليتمكن أنصارها في حي إمبابة والمنيرة بالجيزة من رؤيتها وهي تعلن انسحابها، مبرّرة قرارها بـ"غياب روح المنافسة الشريفة ووقوع مخالفات جسيمة تُزوّر إرادة الناخبين، سواء بالرشاوى أو بتغييب معايير النزاهة والشفافية". صرختها دوّت كزلزال سياسي تجاوب صداه في مختلف المحافظات، وأثار شكوكاً واسعة بشأن صحة البرلمان المقبل.
تقول الديب للميادين نت إنها فضّلت الانسحاب لأن "المخالفات كانت أقوى من أي برنامج انتخابي لمرشح مستقل خارج قوائم الأجهزة الأمنية أو الحزبية"، مضيفة أن انتشارها بكثافة في دائرتها وغالبية محافظات المرحلة الأولى "جعل تجاهلها أمراً مستحيلاً".
وفي الدائرة نفسها، ندّدت المرشحة شادية ثابت بمنعها من تقديم تظلم للهيئة الوطنية للانتخابات لمعرفة مصير أصواتها، مشيرةً إلى أنها فوجئت بوجود مرشحين يحظون بدعم أمني وحزبي واسع. حضرت ثابت إلى مقر الهيئة ثلاث مرات بدون أن يُسمح لها بالتقديم أو مقابلة المسؤولين، وفق ما قالته للميادين نت، معبّرة عن استيائها من "ضياع أصوات الناس الغلابة" الذين صوتوا لمصلحتها.
ولم تكن تلك الأزمات حكراً على الجيزة. ففي البحيرة، قالت المرشحة شريهان خفاجة إن شراء الأصوات وتوزيع المواد الغذائية لاستغلال البسطاء كانا "خروقات تُبطل أي انتخابات". وأضافت: "هناك مرشحون حصدوا مقاعدهم مقابل ملايين الجنيهات.. فما العائد من وراء كرسي مجلس النواب ليُدفع كل هذا المال؟".
وبعد انتشار مقاطع فيديو توثق المخالفات، تدخّل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لتعلن الهيئة الوطنية في 18 تشرين الثاني/نوفمبر إلغاء نتائج 19 دائرة في 7 محافظات لرصد تجاوزات تؤثر على نزاهة النتائج. وقررت إعادة التصويت في الدوائر الملغاة للمصريين في الخارج يومي 1 و2 كانون الأول/ديسمبر، وفي الداخل يومي 3 و4 منه، بينما تُجرى الإعادة خارج البلاد يومي 24 و25 كانون الأول/ديسمبر، وداخلها يومي 27 و28، على أن تعلن النتيجة في 4 كانون الثاني/يناير المقبل.
هندسة انتخابية تُقصي المنافسة
وفق مراقبين، افتقدت المرحلة الأولى، التي جرت يومي 7 و8 تشرين الثاني/نوفمبر، روح المنافسة بعد حسم "القائمة الوطنية من أجل مصر"، الموالية للسلطة، السباقَ بفضل نظام "القائمة المطلقة" الذي يفرض حصول القائمة على 5% فقط من أصوات الناخبين لإعلان فوزها بالكامل. وهذا الواقع يضعف فرص المرشحات في المقاعد الفردية.
وجرى تصميم الانتخابات على 4 قوائم تصدرتها "القائمة الوطنية من أجل مصر" التي تضم 12 حزباً، بينها "مستقبل وطن" و"حماة وطن" و"الجبهة الوطنية"، مقابل استبعاد واسع للمعارضين ولقوائم منافسة مثل "القائمة الشعبية.. صوتك لمصر"، و"نداء مصر"، و"الجيل". ووفق محللين، فإن الهدف كان تقليص المنافسة إلى الحد الأدنى لضمان أغلبية برلمانية تُسهّل تمرير تعديلات دستورية محتملة لإتاحة تمديد مدد الرئاسة ومنح السيسي حق الترشح لدورات مقبلة بعد انتهاء ولايته الثالثة والأخيرة في نيسان/أبريل 2030.
القبلية عائق أمام المرأة الصعيدية
يعود حضور المرأة المصرية في البرلمان إلى 68 عاماً منذ انتخاب راوية عطية عام 1957 كنموذج رائد. ومنذ ذلك الحين، تراوحت مشاركة النساء بين 5% ثم 8% بعد تطبيق "الكوتة" عام 1979، وصولاً إلى 27% في مجلس النواب الحالي، و14% في مجلس الشيوخ.
خصص الدستور 25% من المقاعد للمرأة، وترشحت 607 سيدات في القوائم المطلقة من أصل 1136، فيما خاضت 344 امرأة السباق الفردي من أصل 2826 مرشحاً.
وخلال المرحلة الأولى، التي أُلغيت نتائج 19 دائرة منها، تمرّدت النساء على عقبات الشبكات القبلية والعصبيات في محافظات الريف والصعيد حيث للعائلات الكبرى نفوذ قوي. ففي قنا وحدها، ترشحت 6 سيدات فردياً و4 بالقائمة المطلقة برغم سطوة التأثير العشائري.
شهدت المحافظة ترشح أسماء بارزة بينها منال عبد الوهاب الأسواني وسهام سيف الدين فارس وسعيدة الهمامية وتراجي عباس قمصان، في حين تنافست رضوى ماهر الدربي وجيهان الجندي بالدائرة الرابعة. ومع ذلك، غابت النساء تمامًا عن دائرة قوص–قفط–نقادة.
وبرغم القبضة القبلية، فازت النائبة وفاء محمد رشاد في نجع حمادي لولاية ثانية، اعتماداً على رصيد اجتماعي ومهني وعائلي واسع. تقول للميادين نت إن أسرتها المكونة من 11 شقيقاً وشقيقة دعمتها بقوة، وكذلك زوجها.
وفي المنيا، التي تتنافس على 16 مقعداً، خاضت 9 سيدات السباق وسط صراع محموم بين المستقلين والحزبيين وهيمنة قبلية واضحة دفعت بعض النساء للترشح فردياً.
وبحسب تقرير الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية، شهدت المحافظات الصعيدية تكتلات عشائرية منظمة دعمت مرشحين محددين، فيما رُصدت استعراضات قوة أمام اللجان في بني سويف والبحيرة وسوهاج وقنا.
يقول البرلماني السابق جمال زهران إن "من لا يملك ظهيراً قبلياً في الصعيد لن يحصل على صوت واحد"، بينما تتسم دلتا مصر بمزيج من التنافس الحزبي والنفوذ العائلي. فيما تعدّ محافظات سوهاج وقنا وأسيوط والمنيا تعد ساحات صراع بين الرموز العائلية، إذ يمنح النظام الفردي للعائلات قدرة أكبر على الحشد.
مرشحات القاهرة.. صوت الطبقات المهمّشة
تترقب القاهرة الجولة الثانية بوجود 7 مرشحات بارزات، بينهن الأكاديمية وفاء صبري، والمهندسة فائقة طلبة، والمهندسة لميس خطاب، وإيريني وديع. لكن المرشحة رشا عبد الرحمن لفتت الأنظار باعتبارها صوتاً يمثل البسطاء والمهمشين.
على قدميها تتجول عبد الرحمن في الأسواق والمقاهي وشوارع الدائرة الشاسعة ذات الـ7 آلاف فدان، موزعة دعايتها بنفسها. وتقول إنها لا تملك أموالاً لإقامة سرادقات دعائية، وأن تعليق اللافتات يكلفها 57 ألف جنيه، فاكتفت بلافتة عند مقر الحزب وأخرى أمام منزلها.
واجهت أسئلة من ناخبين عن غياب اللافتات أو السيارات، وعن قدرتها على مواجهة رجال الأعمال والقبائل. وتقول للميادين نت إنها تحمل "ملفات البطالة والإدمان والبلطجة ودعم عمالة المرأة والشباب وتطوير معاشات تكافل وكرامة، وقانون الرؤية وحماية الأسرة".
أما مونيكا مجدي، المهندسة المرشحة بحزب التنمية والإصلاح، فاختارت أسلوباً مختلفاً: جالت على دراجة هوائية ثبتت عليها صندوقاً خشبياً يحمل دعايتها ويسجّل عبر ميكروفون شعار حملتها، ما جعلها تُلقّب بـ"مرشحة البيسكلاتة". وتبلغ ميزانية حملتها 15 ألف جنيه فقط.
ووفق المركز المصري لحقوق المرأة، لا يزال الحضور النسائي أسير التزام شكلي بالحد الأدنى؛ إذ بلغ عدد المرشحات 315 من أصل 2904 بنسبة 10.8%، ورشحت 20 حزباً فقط نساءً على المقاعد الفردية. كما خلت 5 محافظات من أي مرشحة فردية، ما يجعل تمكين المرأة استجابة شكلية للقانون.
خروقات تدفع السيسي للتدخل
برغم تصدّر النساء مشهد التصويت، فإن الخروقات ــ شراء الأصوات، التضييق على المرشحين، توزيع الدعاية داخل اللجان ــ كانت مؤشرات واضحة على التلاعب، وفق منظمات حقوقية.
وقالت أحزاب المصري الديمقراطي والمحافظين إن صوت الناخب تراوح في بعض الدوائر بين 500 و900 جنيه، وإن موادّ تموينية استُخدمت كرشاوى انتخابية، إضافة إلى تقييد دخول بعض مندوبي المرشحين.
وسُربت قبل الانتخابات آلاف المقاطع لمرشحين يتلقون عروضاً لشراء المقعد البرلماني عبر التبرع للقائمة المطلقة مقابل ضمان النجاح بدون جهد، بأسعار تراوحت بين 30 و170 مليون جنيه (نحو 3.5 ملايين دولار).
وانسحب مرشحون عدة بسبب الخروقات، بينهم النائب أحمد إسماعيل، وعماد الغنيمي، ورفعت شكيب، وهيثم شوقي، إضافة إلى حزب التحالف الشعبي الذي سحب مرشحيه عقب استبعاد هيثم الحريري ومحمد عبد الحليم.
وأشعلت النتائج موجة غضب واحتجاجات في الجيزة والمنيا والإسكندرية والفيوم وبني سويف وأسيوط، ما دفع السيسي إلى مطالبة هيئة الانتخابات بفحص المخالفات ومنحها سلطة إلغاء انتخابات المرحلة بالكامل أو جزئياً.
وتراجعت نشوى الديب عن انسحابها بعد قرار الإلغاء، قائلة إن "توجيهات السيسي أعادت لها الثقة في نزاهة العملية".
لكن المرشح الرئاسي الأسبق خالد علي دعا إلى إلغاء نظام "القائمة المطلقة" والعودة إلى الفردي أو دمجه بالقائمة النسبية، بينما قال فريد زهران إن "الفوز الحقيقي يجب أن يكون بإرادة الناس".