تحت الشمس وبين السنابل.. عاملات سوريّات يعملن في الحصاد بأجور مُتدنّية

لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا، تشارك النساء في حصاد المحاصيل الصيفية في الحقول بحثاً عن دخل إضافي.

  • تحت الشمس وبين السنابل.. عاملات سوريّات يعملن في الحصاد بأجور مُتدنيّة
    تحت الشمس وبين السنابل.. عاملات سوريّات يعملن في الحصاد بأجور مُتدنيّة

تنتظر العديد من السوريات حلول الصيف، لا شوقاً لقضاء العطلة والتنزه وإنما للعمل في حصاد المحاصيل الصيفية في الحقول بحثاً عن دخل إضافي، يساعد عائلاتهن على مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي خلفتها تبعات الحرب والحصار والنزوح. 

فيعيش 9 من كل 10 سوريين تحت خط الفقر، وأكثر من 15 مليون سوري، أي 70% من إجمالي عدد السكان، يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، وفق تصريح للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش العام الماضي.

ترتفع أسعار كل شيء ما عدا أجورنا

إنها السادسة صباحاً في دمشق، ازدحام اعتيادي تحت جسر الرئيس، حيث يلاحق الطلاب والموظفون وسائل النقل العامة كي تقلهم إلى أماكن عملهم.

على الرصيف الملاصق، تجلس مجموعة من السيدات بينهن أم حسن التي يتكئ وجهها على يدها، بانتظار الشاويش أبو مصطفى والسائق الذي سوف يوصلهم إلى مزارع داريا.

حوالى 15 عاملة تتراوح أعمارهن بين 14 و50 عاماً تتكدسن في سيارة السوزوكي المعروفة، واحدة تحاول إسكات طفلها الصغير، والأخرى تغمض عينيها في محاولة منها لكسب دقائق إضافية من النوم، بينما تثرثر مجموعة من الشابات بصوت عال، وحدها شهيرة تقف بهدوء.

تشيح نظرها عن الأبنية العالية والسيارات الفارهة التي تدخل أحد أشهر وأكبر فنادق العاصمة، وتقول للميادين نت: "هؤلاء بناتي وبنات أخوتي وزوجات أبنائي وأحفادي، وأنا مسؤولة عنهم جميعاً، نحن أبناء ريف ولدينا هذه المهنة التي لا نعرف غيرها بالفطرة، إذ إننا نتقن جميع الأعمال الزراعية، بدءاً من الزراعة إلى التسميد، مروراً بالرش بالمبيدات، وحتى الحصاد الذي يحل موسمه الآن".

أغلب حقول ريف دمشق صارت تعرف أم حسن وورشتها، وهي بدورها خبرت المُلّاك وأبنائهم، "فمنهم من يتعامل بكل لطف واحترام ومنهم من يعتبرنا مجرد آلات حصد للأموال، فيخاطبنا بكل ازدراء وعنجهية ويصب علينا جام غضبه إذا أخذنا الحديث قليلاً، أو حاولنا الاستراحة لوقت إضافي"، بحسب ما قالته السيدة الخمسينية.

"ترتفع أسعار كل شيء في هذه البلاد ما عدا أجورنا"، بهذه العبارة تصف ابنة ريف دمشق المردود المادي الذي تحصل عليه، وتتابع: "إذا حاولنا الاحتجاج، يقول لنا صاحب العمل بكل بساطة، مع السلامة، هناك الكثير من النساء أمثالكن اللواتي يحلمن بمثل هذا العمل، وهن منتشرات في الساحات، وبصراحة هو على حق لأن عدد النساء العاملات في مهنتنا زاد بشكل كبير بسبب الحرب وتبعاتها، لكن هذا لا شيء مقابل أن أغلب ما نجنيه يذهب إلى أزواجنا من دون كلمة شكر أو امتنان".

لقمة العيش مرة وصعبة

"منجلي يامن جلاه    راح الصايغ وجلاه

ماجلاه إلا بعلبة     والعلبة راحت فداه"

تدندن حبابة بصوتها الشجي هذا المقطع التقليدي وهي تجز السنابل بعزيمة لا يتمتع بها الكثير من أقرانها.

تتجاوز الحرارة هذه الأيام في دمشق الأربعين درجة، يشتد الحر وتزداد معه معاناة العاملات في الحصاد، إذ يصبح لباسهن الغامق السميك الذي من المفترض أن يقيهن من "ضربة الشمس"، عبئاً عليهن، ويتصبب العرق منهن بغزارة.

يحين وقت الاستراحة، فتجلس أم خليل في الظل مع رفيقاتها، يتقاسمن "عرائس" اللبنة والزيت والزعتر، ترتشف السيدة الخمسينية الشاي من كأسها وتقول للميادين نت: "أنا من الشرق، من الحسكة تحديداً، أجبرتنا الظروف على النزوح إلى العاصمة، لدي خبرة كبيرة في هذا العمل، لقد عملت في حصاد المحاصيل الشتوية والصيفية، وعملت قرب الاشتباكات والألغام".

وحدها حبابة من ضحكت قائلة: "اضحكوا هالدنيا ما فيها شي"، غير أن العاملات الأخريات لم يستجبن لها لأن الحزن يخيم عليهن، بعد أن تعرضت صديقتهن بالأمس للدغة عقرب أثناء عملها، وهي لا تزال في وضع صحي غير مستقر بعد.

"مسكينة تعمل لإعالة أطفالها الثلاثة بعد أن توفي زوجها منذ عامين وليس لها أحد غير الله"، هكذا تصف حبابة حال رفيقتها، وتستدرك مضيفة: "كل عام نسمع عن حوادث وفيات وإصابات متعددة بين العاملات بسبب إما لدغات العقارب والأفاعي أو حوادث السير.. لو كان الأمر لي لما عملت بهذا العمل لكنها لقمة العيش.. مُرّة وصعبة".

لا يمكن العيش بمردود شخص واحد

"أُعدُّ الفطور والغداء ثم أغادر المنزل في السادسة صباحاً، ولا أعود حتى السادسة مساء، بعدها أجلس مع الأولاد، ثم أخلد إلى النوم"، هكذا تقضي أم محمد أيامها في موسم الحصاد.

اضطرّت السيدة الأربعينية إلى العمل بعد أن أصبحت الأوضاع الاقتصادية لا تُحتمل، إذ إنه "لا يمكن العيش بعد اليوم بمردود شخص واحد"، بحسب تعبيرها.

يعمل زوج ابتسام كمستخدم في مدرسة حكومية، وفي فصل الصيف يبيع الذرة المسلوقة على عربة يملكها أحد المعارف الميسورين، أما هي فحصلت على الشهادة الإعدادية ولم تكمل تعليمها، بفضل إحدى الجارات حصلت على هذا العمل.

تعتبر أم محمد أن العمل الموسمي في حصاد الخضار الصيفية هو أفضل الخيارات، بالرغم من الجهد الكبير الذي يحتاجه. وتشرح للميادين نت: " أرباب العمل يحاسبوننا على الساعة، لكن الشيء الجيد هو أنني أتقاضى يومياً ما مقداره خمسين ألف ليرة سورية (ما يعادل 3.5 دولار تقريباً)، صحيح أنه ليس بمبلغ كبير لكنه يساعدنا كثيراً".

خضعت السيدة لعدة ورشات مهنية مع منظمات أممية في الحي، لكنها لم تحقق الاستفادة المرجوة، لأن "عدد المتدربات كبير والفترة قصيرة وكل شيء شكلي فقط"، على حدّ قولها.

برغم الحزن الذي ينتاب ابتسام لأنها لا تمضي عطلة الصيف مع الأولاد، فهي تقضي أوقات عملها بالتخطيط فيما ستفعله بالأموال من أجلهم، فهي ستشتري ثياباً جديدة لهم، وستساعد زوجها في دفع أجار المنزل، كما أنها ستدّخر ما قد يتبقى ريثما ينتهي الموسم وتنتقل للعمل في المنزل بتقشير الخضار وتجهيزها للطبخ ثم تسليمها لأحد تجار سوق التنابل.