حسام السدودي.. المحامي الذي "لا يقف" في مرافعاته القضائية

حسام السدودي، المحامي الفلسطيني الذي تحدى الأوضاع الصحية والاجتماعية وحقق حلمه في دراسة القانون والعمل كمحام، وتمكن من إثبات نفسه وقدراته من خلال كفاءته، وعمل على استحصال حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في غزة عبر القانون.

  • حسام السدودي.. المحامي الفلسطيني الذي
    حسام السدودي.. المحامي الفلسطيني الذي "لا يقف" في مرافعاته القضائية

ما إن نطق الكاتب رقم القضية واسم المتهم، حتى همّ الجميع بالوقوف، عدا شخص واحد في القاعة، الأمر الذي أثار حفيظة القاضي، خاصة أن ذلك الشخص كان يرتدي ثوب المحاماة، مندفعاً نحوه بسؤال: "أنت.. لماذا لم تقف"، ليتدارك من خلال ابتسامته الهادئة ونظراته التي وجهت صوب العجلات  للدلالة إلى إصابته بإعاقة حركية، منعته من الوقوف.

ذلك الشخص هو حسام السدودي، أول محام من ذوي الاحتياجات الخاصة  في قطاع غزة. ظلت هذه القصة تجوب دار القضاء كالنحلة لعدة أيام، خاصة بعد المرافعة التي قدمها عن المتهم واتسامه طوال الجلسة بضبط النفس، وفصاحة اللغة التي جعلت القاضي يرحب به، وخلقت قبولاً كبيراً له بين بقية القضاة.

كانت رحلة طويلة وشاقة، فخلال حديث إلى الميادين نت، ذكر حسام السدودي صاحب العقد الثالث ونصف من العمر، أنه في البداية لم يكن يخطط لدراسة الحقوق، فبقي  يتلقى تدريبات مهنية في  مؤسستي الهيئة الخيرية لذوي الإعاقة وفلسطين المستقبل حتى أصبح عمره 23 عاماً، وعندما أدرك عبثية الأمر، وعدم ملاءمته للقدرات المتوافرة لديه، قرر إكمال تعليمه، فبدأ بالإعدادية وأنهى الثانوية العامة وهو صاحب الـ27 ربيعاً.

التحق حسام بكلية الحقوق وكان مظهره يخفي عمره الحقيقي، فراق الأمر له واستغله كي لا يتم الكشف عن عمره أو قصته، ليتم التعامل معه كأي طالب عادي سواء من قبل الأساتذة أو الزملاء، لافتاً إلى أنه أنهى الجامعة وبدأ بالفعل في المزاولة، إلا أن اجتياز كلتا المرحلتين لم يكن سهلاً على الإطلاق، فالمرافق غير المهيأة شكلت كابوساً لديه، وجعلته في كثير من الأحيان يطلب مساعدة زملائه لنقله إلى الطوابق العلوية، أو تسجيل المحاضرة ليسمعها فيما بعد، معتذراً عن الحضور.

طالب حسام طوال سنوات دراسته بتحسين مرافق الجامعة حتى يستطيع ذوو الاحتياجات الخاصة استخدامها، فنقلت الجامعة التخصص إلى مقر أفضل، واستجابت كذلك دار القضاء عبر إنشاء مبنى جديد مهيأ بالكامل. وأضاف أنه رافقت تلك الصعوبات نظرة المجتمع التي كانت ترميه بسهام مفادها "اجلس في المنزل".

وهذا ما جعل والده متخوفاً من دراسته للحقوق، فعلى حد وصف حسام، خاب أمل أبيه في صنع مستقبل هادئ له متمثل في فتح بقالة صغيرة أسفل المنزل ليعتاش منها، لأن شغف الابن قد ساقه للانطلاق نحو بوابة ذلك العالم الواسع، رافضاً أن يبقى حبيساً كعصفور كُسر جناحاه، ما جعله في تحد مزدوج بين إقناع أبيه والمجتمع بقدراته، لفرض ما يرغب به.

يؤكد حسام أنه صاحب قضية، لذلك درس الحقوق وتفوق فيها، وسيستمر في عملية التغيير، خاصة أن عدداً من المرافق التي يفرض عليه عمله دخولها ما زالت غير مؤهلة ليستخدمها ذوو الاحتياجات الخاصة، كأقسام الشرطة، مشدداً على أنه سيقدم المطالبات التي يتوجب أن يعمل عليها أصحابها لأنهم الأكثر قدرة في تقدير حجم المعاناة وابتكار الحلول الملائمة. 

قدرة حسام على الإقناع جعلت الموكلين يسلّمونه القضايا وهم مطمئنّون، بالرغم من أن الأمر لم يكن كذلك في البداية، لكن طريقة حديثه واستخدامه نبرات صوت متعددة وأسلوب عرضه للمعلومات وقوة شخصيته داخل المحكمة، جعلته يلقى قبولاً حتى خلال فترات ما قبل العمل، أي التدريب، حتى حصل على قبول المزاولة بتقدير امتياز، متحدياً الواقع الصعب.

يتحرك حسام من خلال سيارته الكهربائية كل يوم، حاملاً معه أحلامه وطموحاته ومخاوفه، واحتمالية عدم قدرته على الحصول على بطارية لتشغيل عربته، فيحتاج، بحسب ما أفاد الميادين نت، إلى واحدة كل ستة أشهر، عدا عن عمليات الصيانة الدورية، الأمر الذي يثقل كاهله، ويضطره إلى المكوث في المنزل بشكل إجباري عند عدم توافرها في أسواق المدينة المحاصرة.

يحلم حسام أن يحصل على حقه بالتمكين في الوظائف الحكومية لتنتهي معاناته في التنقل عبر مرافق متعددة، وليستطيع أن يكون ضمن العاملين في الوظائف، بحسب النسبة التي أقرها القانون الفلسطيني لذوي الاحتياجات الخاصة وهي 5%، خاصة أن لديه القدرات التي تؤهله للعمل في مجاله، إذ تتوافر لديه الشروط المنصوص عليها.

دمج ذوي الإعاقة في الوظائف في غزة

وعن واقع دمج ذوي الإعاقة في الوظائف، يفيد ظريف الغرة مستشار وزارة التنمية لشؤون الإعاقة، أنه استناداً إلى القانون الفلسطيني مادة رقم 4 من العام 1999، يحق توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة في الوظائف الحكومية، ومراكز التدريب المهني لتعليمهم مهناً جديدة، وكذلك في الجامعات، لكن القانون لم يوضع آلية محددة لعملية التوظيف، لذلك تستغل تلك الثغرات للتهرب، فتغدو النتائج غير مرضية.

أما على صعيد الوظائف الخاصة، فيلفت ظريف الغرة إلى أن صاحب المنشأة يفكر في كيفية الاستفادة بأكبر قدر ممكن من العامل، فيعزف عن توظيف ذوي الاحتياجات الخاصة، نتيجة النظرة السلبية التي ساعدت في تكوّن صورة نمطية خاطئة لدى المجتمع بأنهم أقل إنتاجاً من غيرهم، لذلك يتم العمل على تمويل مشاريع صغيرة خاصة بهم من قبل كل من: الصليب الأحمر، وزارة العمل، الإغاثة الإسلامية، وقد تكلل الكثير منها بالنجاح.

ويضيف ظريف الغرة الهيئات الممثلة لذوي الإعاقة تستقبل عدداً من الشكاوى بخصوص عدم قبولهم في الوظائف الحكومية، ليتم نقلها إلى الجهات المختصة ومحاولة تقديم المساعدة لمقدميها، بالمقابل تجرى عملية الضغط بشكل مستمر على المجلس التشريعي لتناول قضية تعديل القانون ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة في الوظائف، وأخرى مع ديوان الموظفين للوصول إلى نتائج تساعد على تمكين تلك الفئة اقتصادياً. 

ويروي ظريف الغرة أنه تبعاً لضبابية توظيف الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، تم استصدار قانون خاص بهم في قطاع غزة خلال عام 2020، وقد أثمر  العمل به عن توظيف 23 فرداً من الإناث والذكور في الوظائف الحكومية.

ويبلغ عدد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في فلسطين ما نسبته 7% من مجمل عدد السكان، 2.6 منهم في قطاع غزة، يبلغ عددهم 919,121 شخصاً، بحسب تقرير صادر عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.