خلافات "قسد" والطوائف المسيحية تُنذر بأزمة تعليمية شمال شرق سوريا

تفاقمت الخلافات بين "قسد" والطوائف المسيحية في الحسكة بسبب فرض المناهج الكردية وإغلاق المدارس، وسط اتفاق هشّ يهدد بعودة الأزمة مجدّداً.

0:00
  • خلافات
    خلافات "قسد" والطوائف المسيحية تُنذر بأزمة تعليمية شمال شرق سوريا

بشكلٍ متوقع، تصاعدت وتيرة الخلافات بين قوات سوريا الديموقراطية – "قسد" مع الطوائف المسيحية في مدينة الحسكة شمال شرق سوريا، بسبب فرض "قسد" تدريس المناهج الكردية في المدارس المسيحية، وإلغاء المناهج الحكومية المعترف بها دولياً، ما يهدد آلاف الطلاب بالابتعاد عن مقاعد الدراسة.

وبرغم الوصول إلى صيغة توافقية بين الطرفين لإنهاء المشكلة والعودة إلى استخدام المناهج الحكومية في المدارس التابعة للكنائس، إلا أن المعطيات على الأرض تُنذر بعودة الخلاف مجدداً في المستقبل القريب.

ومنذ سيطرتها على منطقة شمال شرق سوريا - المعروفة اصطلاحاً باسم "شرق الفرات"- عام 2014، عمدت قوات سوريا الديمقراطية إلى فرض قيود على العملية التعليمية في المدارس الحكومية، بهدف نشر المناهج الكردية في المنطقة، إلا أن المدارس التابعة للكنائس المسيحية حافظت على خصوصية معيّنة، وبقيت بعيدة عن التجاذبات الحاصلة بين "قسد" وحكومة دمشق.

مؤخراً، أصدرت هيئة التربية والتعليم التابعة في "الإدارة الذاتية" التابعة لـ "قسد" قراراً ينصّ على إغلاق المدارس المسيحية، بحجة أنها تفرض رسوماً مالية كبيرة على الطلاب، كما أن المناهج المعتمدة في المدارس المسيحية "بعثية"، أي أنها تدرس أفكار حزب "البعث".

القرار أدى إلى غضب كبير بين أبناء الطوائف المسيحية شمال شرق سوريا، كونه يحرم آلاف الطلاب من حقهم في التعليم، لكن البعض اعتبر أن القرار يرتبط بالمفاوضات بين "قسد" وحكومة دمشق، حيث يستخدم الكرد ملف المدارس كورقة ضغط سياسي بمواجهة الحكومة الانتقالية.

أمام هذا الواقع، وجّه أبناء الطوائف المسيحية مطالبات لـ "قسد" بالتراجع عن قرارها، أو الذهاب نحو إغلاق أبواب الكنائس في حال استمرار إغلاق المدارس، وهو ما دفع "قسد" لتجميد قرارها بشكلٍ مؤقت.

الأب كبرئيل خاجو كاهن كنيسة السريان الأرثوذكس أكد للميادين نت التوصل إلى اتفاق مع هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية التابعة لـ "قسد"، يسمح بالعودة إلى اعتماد المناهج الحكومية في المدارس التابعة للكنائس، لكن مع الالتزام بعدم تسجيل أيّ طلاب جدد هذا العام واعتماد القوائم الطلابية السابقة حصراً.

وكشف خاجو أن عدد المدارس التابعة للكنائس في منطقة شرق الفرات يبلغ 23 مدرسة، منها 9 مدارس في مدينة الحسكة، وجميعها لم تفرض أيّ رسوم إضافية على الطلاب، وهي تعتمد السقف المالي الذي تحدده وزارة التربية السورية.

مناهج غير معترف بها

يؤكد أبناء الطوائف المسيحية في شمال شرق سوريا أن السبب الرئيسي لرفض تدريس المناهج الكردية في المدارس التابعة للكنائس، أن تلك المناهج غير معترف بها لا داخل سوريا ولا خارجها، والشهادات الصادرة عن "الإدارة الذاتية" غير معترف بها أيضاً، ولا يمكن استكمال الدراسة من خلالها في الجامعات السورية والعربية والدولية.

وتشير مصادر محلية إلى أن أحد أبرز أسباب رفض الكنائس تدريس المناهج الكردية، افتقارها للقيم التربوية والتعليمية، فهي تعتمد بشكلٍ أساسي على تسويق أفكار حزب العمال الكردستاني وتاريخه وإنجازاته، بدون تقديم أيّ فائدة تعليمية تُذكر.

نائب مدير المنظمة الآشورية الديمقراطية بشير سعدي أكد للميادين نت أن ملف التعليم يمسّ كافة أبناء المنطقة، ولا يجب استخدامه كورقة سياسية بين الكرد وحكومة دمشق، ولذلك اتخذت جميع الكنائس شمال شرق سوريا قراراً بالإغلاق في حال لم تتراجع "قسد" عن قرارها.

ولفت سعدي إلى وجود حالة من القلق لدى الأهالي على مستقبل أبنائهم، فهم يرفضون تدريس مناهج غير معترف بها، وفي الوقت نفسه يخشون لجوء "قسد" للعودة إلى قرار الإغلاق في حال اشتداد وتيرة الخلافات مع حكومة دمشق، ولذلك بدأ العديد من الأهالي بالتفكير بالانتقال إلى محافظات أخرى أو الهجرة خارج البلاد في المستقبل القريب.

وحول ذريعة "قسد" بأن الكنائس المسيحية تدرّس مناهج "بعثية" في مدارسها، أكد سعدي أن هذا الأمر لا أساس له من الصحة، "فالبعث سقط مع سقوط نظام بشار الأسد وأصبح من الماضي، والآن يوجد حكومة انتقالية ولديها مناهج مُعترف بها دولياً".

اتفاق هش!

أمام الضغوط التي مورست على أبناء الطوائف المسيحية، رضخت "قسد" للأمر الواقع وسمحت للمدارس التابعة للكنائس باعتماد مناهج وزارة التربية السورية، في الوقت الذي ترفض فيه "الإدارة الذاتية" تطبيق هذا القرار على باقي المدارس في المنطقة، حيث لا تزال تعتمد معظمها المناهج الكردية في العملية التربوية، أما المدارس التي رفضت تطبيق القرار فتم إغلاقها بشكل كامل.

رضوخ "قسد" وتراجعها عن قرارها السابق، قوبل برد عنيف من قبل وسائل الإعلام الكردية، التي شنّت هجوماً لاذعاً على الكنائس، بسبب ما وصفوه "التمسك بمناهج البعث والتكفير"، واعتبرت تلك الوسائل أن رضوخ "قسد" لضغوط الكنائس قد يفتح الباب أمام احتجاجات مماثلة من العرب الرافضين لتدريس المناهج الكردية، خاصّة بعد إصدار قبيلة "طيّ" بياناً طالبت فيه بتحييد التعليم عن النزاعات السياسية، وإعادة فتح المدارس الحكومية واعتماد المناهج الرسمية المُعترف بها.

هجوم وسائل الإعلام الكردية، رافقه إصدار 5 أحزاب بارزة في "الإدارة الذاتية" بياناً شديد اللهجة اعتبر أن السماح بتدريس مناهج حكومة دمشق في المدارس الخاصّة بمكون معين، يُشكل تناقضاً صارخاً ومباشراً مع العقد الاجتماعي المُتعارف عليه، وقد يؤدي إلى حدوث شرخ اجتماعي حاد بين المكونات المتنوعة في مناطق شمال شرق سوريا.

وطالبت الأحزاب السياسية في بيانها هيئة التربية والتعليم في "الإدارة الذاتية" بالتراجع عن قرارها، وتأكيد التزامها الكامل بمبادئ العقد الاجتماعي بدون استثناءات أو تمييز، وعدم التنازل لطلب الكنائس باعتماد المناهج الحكومية في مدارسها.

لطالما كانت العلاقة بين "قسد" والطوائف المسيحية في شمال شرق سوريا قائمة على المصالح المتبادلة، حيث قدّمت "قسد" للمسيحيين الحماية الكاملة وحرية الحركة، وأتاحت لهم إمكانية إقامة أنشطتهم الدينية والاقتصادية والثقافية، بالمقابل لعبت الكنائس دوراً بارزاً في الحفاظ على التعاون الكامل مع الكرد في إطار السعي لتجنيب المدنيين خطر المعارك، إلا أن استخدام ملف التعليم كورقة ضغط سياسي قد يهدد بانهيار العلاقة وحدوث شرخ اجتماعي حاد في المنطقة.

اخترنا لك