شهادات من حمص: اغتيالات وخطف وفلتان أمني يهدد حياة المدنيين

تعيش مدينة حمص وريفها حالة غير مسبوقة من الفلتان الأمني والجرائم اليومية في ظل غياب الأجهزة الأمنية والخدمات الأساسية، وسط خوفٍ يخيّم على الأهالي وصمتٍ حكومي يثير التساؤلات.

0:00
  • شهادات من حمص: اغتيالات وخطف وفلتان أمني يهدد حياة المدنيين
    شهادات من حمص: اغتيالات وخطف وفلتان أمني يهدد حياة المدنيين

لم يعد شارع "الدبلان" في قلب مدينة حمص السورية صاخباً كعادته. أصوات الباعة خفتت؛ ضجيج الزوار تلاشى؛ ضحكات العشاق اختفت، وأصبح الصمت الممزوج بالخوف والترقب ملازماً لأصحاب المحلات في الشارع الذي كان عصب المدينة التجاري ومتنفس أهلها الرئيسي.

عند السابعة مساءً، يغلق "أبو أحمد" –اسم مستعار- محله في شارع "الدبلان" في وقت أبكر من المعتاد، وهو تقليد جديد يسير عليه معظم أصحاب المحال التجارية في المنطقة منذ أشهر، خوفاً من تعرّضهم للسرقة أو لهجوم مسلح.

"الضجيج كان يملأ الشارع حتى الثالثة فجراً"، يكشف "أبو أحمد" للميادين نت عن الفرق بين وضع الشارع خلال السنوات الماضية ووضعه حالياً؛ يقول: "قبل أشهر بدأت حوادث القتل والخطف والسرقة تجتاح مدينة حمص، ووصل الفلتان الأمني إلى قلب شارع الدبلان، حيث تعرّض أكثر من محل تجاري للسطو، كما قُتِل تاجر داخل محلّه في وضح النهار، إضافة إلى اختطاف سيدة مع ابنتها من الشارع، ولم يُعرف الجناة في جميع تلك الحوادث".

ويضيف: "هذه الحالات أثارت رعباً بين الأهالي، الذين عزفوا عن زيارة الشارع خلال فترة المساء، وهو ما دفع أيضاً أصحاب المحال إلى الإغلاق باكراً، في ظل عجز الأجهزة الأمنية عن وضع حدٍ للفلتان الأمني المستمر".

ما يجري في شارع "الدبلان"، ينطبق على معظم أحياء مدينة حمص وريفها، حيث بدأ الفلتان الأمني يأخذ منحىً تصاعدياً منذ أشهر، في ظل غياب كامل للأجهزة الأمنية، وسط مناشدات من الأهالي تطالب بتطبيق إجراءات فعّالة لإيقاف التدهور الأمني الحاصل.

حوادث أمنية يومية

لم تعد أخبار القتل والخطف والسرقة شيئاً غير اعتيادي في المشهد الحمصي، بل تحولت إلى روتين يومي يعيشه أهل المدينة بدون رقيب أو حسيب، حيث تضج مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار توثّق الفلتان الأمني المستمر، وإن كانت تفاصيل الواقع الأمني الهشّ داخل المدينة تجد طريقها إلى الإعلام، فإن ما يجري في المناطق الريفية أبشع وأكثر دموية لكن بعيداً عن الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وفق ما تؤكده مصادر محلية.

ومنذ بداية تشرين الأول/أكتوبر، وثّقت منظمات إنسانية ارتقاء أكثر من 23 شهيداً داخل مدينة حمص، معظمهم من أبناء الطائفة العلوية، كما تم توثيق قتل 62 معتقلاً من أبناء المدينة تحت التعذيب في سجون الحكومة الانتقالية منذ بداية العام الحالي.

في تصاعد مستمر لحالة الفلتان الأمني والعنف الطائفي بمدينة حمص، لقيت طفلة من عائلة رسلان مصرعها بينما أُصيبت شقيقتها في اعتداء نفذه مسلحون مجهولون كانوا يستقلون دراجة نارية بالقرب من الساحة العامة في حي عكرمة، الذي يُعرف بأغلبيته العلوية في مدينة حمص.

يوم 17 تشرين الأول/أكتوبر، اختطفت عصابة مسلحة رجل الأعمال منيب الأصيل (58 عاماً)، حيث اقتحم خمسة أشخاص يستقلّون سيارتين المنشأة التي يملكها، ثم اقتادوا الرجل إلى جهة مجهولة، بعد أن سرقوا مبلغاً مالياً يقدّر بنحو 70 مليون ليرة سورية، كما تواصلت العصابة لاحقاً مع العائلة، مطالبين بفدية مالية قدرها مليون دولار، فيما لا يزال مصيره مجهولاً حتى الآن.

ويوم 24 تشرين الأول/ أكتوبر، قُتلت المعلمة رهام حمودة في مدينة حمص بعد أن ألقى مجهول قنبلة يدوية على منزلها في ضاحية الوليد، لتُفارق الحياة تاركة خلفها عائلة مفجوعة وطفلين وزوج معتقل في سجون الحكومة الانتقالية.

وفي حي وادي الذهب، أطلق مسلحون ملثمون النار على أبٍ وابنه أثناء عملهما على "بسطة" صغيرة، ما أدى إلى دخول الأب إلى المشفى بحالة حرجة، وتعرض الإبن لطلق ناري في الفخذ ودخل المشفى أيضاً.

وترافقت الحوادث في المدينة مع تصاعد عمليات الخطف في القرى الريفية بشكل مرعب، حيث اختطف الشاب محمد كفى من منزله في بلدة "تلكلخ" بريف حمص الغربي بتاريخ 12 تشرين الأول/أكتوبر، بالتوازي مع توثيق العديد من المنظمات حوادث متفرقة لعمليات خطف طالت النساء العلويات بالدرجة الأولى في الأرياف.

وفي هذا السياق تقول السيدة "أم علي" –اسم مستعار- للميادين نت أن الوضع في منطقة "تلكلخ" الريفية بات مرعباً للغاية، خاصّة مع عدم وجود أيّ جهود أمنية للحد من عمليات القتل والخطف المستمرة، والتي تجري أحياناً بالقرب من المراكز الأمنية، فلا يكاد يمرّ يوم بدون تسجيل حادثة خطف أو قتل أو هجوم مسلّح على على منازل المدنيين.

وتضيف "أم علي": "زوجي متقاعد، ولدي~ ابنتين في الجامعة، وأنا أعمل بتجهيز الخضراوات لبعض المحال القريبة من منزلنا، لكننا جميعاً نلتزم البقاء في المنزل طوال النهار، ولا نخرج إلا في الحالات الطارئة، وحتى دراسة ابنتيّ في الجامعة باتت متقطعة، خوفاً من تعرضهما لأيّ أذى، ‏وهذا الوضع بحاجة إلى تدخل فعّال من الحكومة، وليس الاكتفاء بإطلاق الشعارات التي لا تعيد مخطوفاً أو مقتولاً إلى أهله".

غياب الخدمات الأساسية

لا تقتصر معاناة المدنيين في حمص على الوضع الأمني الهش، فمعظم أحياء المدينة تعاني من نقص الخدمات الأساسية، مثل انتشار القمامة، وقلّة المواصلات، وضعف الاتصالات، وتقنين الكهرباء، وغياب البنى التحتية، ويرغم الوعود الرسمية التي أطلقتها المحافظة والحكومة الانتقالية، إلا أن المدينة لم تشهد منذ أشهر أيّ تحرك على الأرض للبدء بإعادة الإعمار وترميم البنى التحتية المتهالكة.

ويشكو العديد من أهالي حمص تكدّس القمامة في الطرقات بشكل يهدد الصحة العامة، بدون أن يكون هناك أيّ تحرك من المحافظة لمعالجة الأزمة المتفاقمة منذ أسابيع، وسط نداءات شعبية بإيجاد حلول سريعة لهذه المشكلة التي قد تسبب انتشار الأمراض والأوبئة.

وأمام هذا الواقع، يثير الصمت الحكومي حول ما يجري في حمص تساؤلات عديدة، خاصة ما إذا كانت الأجهزة الأمنية والخدمية عاجزة عن إيجاد الحلول الكفيلة بإنهاء معاناة المدنيين المتفاقمة في المدينة، وهذا ما يفرض ضرورة التحرك على أعلى المستويات لوضع خطط أمنية واقتصادية كفيلة بإيجاد الحلول السريعة لإنهاء الوضع الأمني الهش والواقع المعيشي المتردي.

اخترنا لك