فيديو | كشافة "الإمام المهدي" و"الرسالة" اللبنانيتين.. مسار حركي نحو جيل مقاوم

إنّ دور كشافتي "الإمام المهدي" و"الرسالة الإسلامية" في لبنان لم ينفصل عن الحرب الإسرائيلية المستمرة على جنوب لبنان، انطلاقاً من عقيدة الجمعيتين بمقاومة "إسرائيل" ودعم القضية الفلسطينية.

  • كشافة
    كشافة "الإمام المهدي" و"الرسالة" اللبنانيتين.. مسار حركي نحو جيل مقاوم

في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" عام 2008، يفتتح الكاتب الأميركي روبرت ورث نصه عن فتية الكشافة قائلاً: "فيهم ملامح رجولية برغم صغر سنهم، بعضهم يمتلك لحى خفيفة، وبعضهم لديه بقعة على جبينه بسبب إطالة السجود في الصلاة، يربطون رأسهم بعصبات صفراء، ويعلّقون على صدورهم صورة صغيرة لآية الله الخميني، الرجل الذي قاد الثورة في إيران". 

منذ اندلاع الحرب في جبهة جنوب لبنان، يعود الإعلام الغربي وبعض الإعلام العربي إلى التركيز على كشافة الإمام المهدي وكشافة الرسالة الإسلامية، استكمالاً للحملة الدعائية المضلّلة والقائلة إنهما أحد "مراكز الأدلجة" لدى المقاومة لـ"استغلال الناشئة"، ودفعهم نحو "طريق الإرهاب".

بروباغندا ليست جديدة من نوعها، فمنذ أكثر من 17 عاماً تحظى كشافة الإمام المهدي بحصّة واسعة من الاتهامات التي نشرتها صحف عالمية مثل "نيويورك تايمز" الأميركية، و"ديلي ميل" البريطانية، و"واشنطن بوست" الأميركية، وغيرها بهدف الحدّ من نشاطات الكشاف التربوية. إذ إن هنالك تخوّفاً من تأثير الجمعيتين في بناء جيل مثقف مناهض للاحتلال الإسرائيلي. فيما يقوم الكشاف الإسرائيلي بمجاهرة نشاطاته العسكرية، فنشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية مقالاً أعلنت فيه استعداد الكشاف لفتح كلية حربية يتهيأ فيها الخرّيجون للانخراط في "جيش" الاحتلال، وتتحفّظ وسائل إعلام إسرائيلية عن التحدّث بشكل مباشر بشأن هذه المسألة.

وفي حرب البريطانيين مع البوير، استعان اللورد البريطاني بادن باول بالفتية الإنكليز للقيام بأعمال الحراسة والطهي ونقل الرسائل بغية الصمود بوجه الحصار الذي فرضته قوات البوير في معركة مافيكنج، وقد نجح البريطانيون في الصمود لمدة سبعة أشهر، قبل أن يفكوا الحصار. بعد ذلك، استشعر باول أهمية تفعيل الشباب في أعمال المقاومة، فأسس أول مخيم تجريبي سنة 1907. 

انطلاقاً من ذلك، فإنّ تأسيس فكرة الكشافة عموماً، لم تخلُ من سياق محاربة المحتل أو المستعمر بالوسائل التي تستفيد منها الجهات الرسمية أو الحزبية من أجل خدمة الوطن، وتفعيل طاقات الشباب لبناء تيارات المقاومة. 

وبناء عليه، فإنّ دور كشافتي المهدي والرسالة في لبنان لم ينفصل عن الحرب الإسرائيلية المستمرة على جنوب لبنان، انطلاقاً من عقيدة الجمعيتين بمقاومة "إسرائيل" ودعم القضية الفلسطينية. فلماذا يتخوّف الغرب منهما، على الرغم من التزامهما بالعمل ضمن إطار مدني انطلاقاً من الوعد الكشفي؟ وكيف تسعى الجمعيتان لبناء جيل مثقّف ثم مقاوم بوسائله المتاحة؟ 

كشافة الإمام المهدي: الهدف بناء جيل مثقف ومقاوم

  • كشافة "الإمام المهدي" اللبنانية.. مسار حركي نحو جيل مقاوم (2)

تعتمد جمعية كشافة الإمام المهدي على إرساء ثقافة المقاومة في برامجها التعليمية، إذ إنّ "العداء لإسرائيل يعتبر جزءاً لا يتجزّأ من قيم الكشفي، ويتحقق هذا العداء من خلال امتلاك الفرد للمفاتيح المعرفية اللازمة التي تسمح له باتخاذ قراراته بشكل مستقل ومدروس"، يقول مسؤول الإعلام الإلكتروني في الجمعية، محمد رعد للميادين نت.

في هذا السياق، تُكرّس كشافة الإمام المهدي جهودها نحو فهم تاريخ الاستعمار في العالم وتحليله بشكل شامل، مركّزاً على تاريخ النكبة وجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق فلسطين ولبنان.

ويضيف رعد: "الاستعمار ليس محصوراً بفلسطين، ولو أن "إسرائيل" حالياً هي وجهه الأقبح، لذلك نسعى في الكشاف لشرح مجمل أشكال التاريخ الاستعماري للشعوب، تحديداً الفئات الناشئة".

إضافة إلى الجانب الفكري، تعتني كشافة الإمام المهدي بالجانب الجسدي من خلال الأنشطة الرياضية، "فنحاول تأهيل الشباب جسدياً وفكرياً ومعرفياً على مدى السنوات، بحيث يصبح الكشفي إنساناً فاعلاً وحركياً ونتاج مجموعة من الخبرات التي تضمن قدرته على تحقيق هدف أساسي من أهداف الكشاف، وهو مقارعة الاحتلال".

كشافة الرسالة الإسلامية: لن نتخلى عن فلسطين

  • كشافة "الرسالة" الإسلامية في لبنان.. مسار حركي نحو جيل مقاوم (1)

لا تغيب القضية الفلسطينية عن أي نشاط تربوي تنظّمه كشافة الرسالة الإسلامية، "نشعر أن من واجبنا استحضارها في جميع أنشطتنا الكشفية باعتبارها قضية الحق المركزية، ومن أجل نقل فكر السيد موسى الصدر إلى الجيل الذي لم يعايشه، ووفاء للشهداء الذين سقطوا في سبيلها"، يقول قائد عشيرة الجوالة في كشافة الرسالة الإسلامية علي الرضا موسى في حديثه مع الميادين نت.

ويشير القائد الكشفي إلى أهمية توكيد فكرة المقاومة في الجيل الناشئ، باعتبارها جدوى مستمرة تبدأ بالفرد وتنتهي بالمجتمع. إذ إن العداء للاحتلال الإسرائيلي هو "في صلب قيم الكشفي الذي يرى يومياً انتهاكاتها وتعدياتها على الأرض اللبنانية والمدنيين من نساء وأطفال وليست فكرة تلقينية كما يتهم البعض".

يلفت موسى إلى أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة والعدوان على جنوب لبنان ساهما بشكل كبير في خلق النفس المعادي لـ"إسرائيل" لدى الأطفال، "فالصغار يتفاعلون بشكل كبير مع ما يجري، ونحن نحاول أن نجيب عن أسئلتهم بوصف الكشاف مساحة تعليمية تفاعلية، لنوضح أن الحرب التي نخوضها هدفها دفع الظلم عن أهلنا في غزة".

ويشهد الكشفيون الأطفال كيف تقوم "إسرائيل" بقتل الأبرياء، ومنهم زملاؤهم الذين كان آخرهم الطفل الكشفي حسين محسن. وكان الشهيد الطفل محسن قد كتب رسالة وجّهها إلى الشهيد القائد في كشافة الرسالة الإسلامية علي داوود الذي استشهد في جنوب لبنان أثناء قيامه بواجبه الجهادي، راثياً إياه بـ"يا بطل من جنوب الزيتون، يا صرخة الحق بوجه المعتدين"، قبل أن يقابله بالطريقة نفسها بعد 3 أيام في غارة إسرائيلية على النبطية.

المقاومة بشكلها الاجتماعي في الجمعيتين

فِرق الكشّافة من الجمعيتين كانت موجودة في جميع المناسبات الوطنية، وتزيد فعاليتها في الأزمات، مثل انفجار مرفأ بيروت، جائحة كورونا، الزلازل، وآخرها الحرب في جنوب لبنان. تقول القائدة في كشافة الرسالة الإسلامية، نتالي حرب للميادين نت: "دخلت إلى كشافة الرسالة بسبب ابنتي التي رأيت نمو وعيها بالمسؤولية المجتمعية، فشعرت أن الفرد، بغض النظر عن عمره، يستطيع أن يكتسب المعرفة بصورة تفاعلية في الكشافة، وينمّي شعوره بقيمته كفرد بعد أن يخدم المجتمع بكل تنوّعاته، ولهذا كنا حاضرين وسنظل في مواجهة الأزمات، وآخرها تقديم المساعدة في تنظيم مسار النزوح الداخلي، خاصة من خلال فِرَقِ الدفاع المدني التابعة للكشافة".

من جهتها، تؤكد مفوضة تنمية المجتمع في جمعية كشافة الإمام المهدي، بتول نور الدين، للميادين نت أن الجمعية تنجح في بناء أفراد يشعرون بالانتماء إلى المجتمع ولديهم حس المبادرة تجاهه. وتضيف نور الدين: "لدينا الكثير من المشاريع الاجتماعية بهدف تحسين الوضع الاجتماعي ورفع مستوى الوعي لدى الناشئة، من هذه المشاريع أفواج الخدمة المجتمعية، بناء الناشط الاجتماعي، مشروع أهل المعروف، ومركز ساند للدعم النفسي". وتشير إلى مساهمة الكشفيّين في تقديم المساعدة المادية والمعنوية لأهالي الجنوب بهدف الحد من تبعات النزوح الداخلي، قائلة: "هم على تواصل مستمر معهم، ومنهم من بادر إلى تقديم الخدمات التعليمية للأطفال الذين توقّفوا قسرياً عن الذهاب إلى المدارس". وبهذا النحو، تكون المقاومة، في رأيها، "اجتماعية".

ثنائية بنّاءة تجمعها وحدة الرؤية والأهداف بين جمعيتي كشافة الإمام المهدي وكشافة الرسالة الإسلامية، فالهدف أولاً وأخيراً هو صناعة جيل قادر على معرفة نفسه، ثم حقه، ثم عدوه، ويمتلك حرية الخيار في قراراته، التي تغذيها المعرفة.

هذا ما يؤكده أمين الإعلام الإلكتروني في كشافة الإمام المهدي، قائلاً: "إن القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية والوطنية هي قيم مشتركة بيننا وبين الإخوة في كشافة الرسالة الإسلامية مما يدفعنا نحو المزيد من التنسيق والعمل المشترك في سبيل بناء جيل صالح"، لتبقى تضحيات الشهداء في سبيل الوطن والقضية الفلسطينية دليلاً على تحقيق الجمعيتين غاية العمل الكشفي.