الإيزيدية والكاكائية والنقشبندية.. كرد العراق أصحاب طرائق دينية متنوعة

يشترك الكرد مع معظم العراقيين في بعض العقائد الدينية وسمات النظام القبلي، فالكرد هم حضَر وأشباه بدو يزرعون الأرض في الربيع، ويسكن بعضهم الجبال العالية. وفي هذا التقرير نتعرف على الديانات التي يدين بها الكرد في العراق.

  •  يشترك الكرد مع أشقائهم العرب في بعض العقائد الدينية
     يشترك الكرد مع أشقائهم العرب في بعض العقائد الدينية

تسمعُ بالكرد فتتذكر الجبال والألوان الزاهية والأناشيد، شعب شديد الذكاء، راسخ الحلم كالفرسان، دائم الفخر بأصله أيضاً. وبصرف النظر عن الأدلة التاريخية على الأصول الأولى، وهي أدلة يعوزها التماسك والدقة مثل أصول أي شعب آخر، فإن الكرد يشغلون اليوم الأراضي الشاسعة التي تبدأ قرب بغداد من ضاحية "مندلي" لتمتدّ شمالاً على طول الحدود الإيرانية والتركية حتى جبال أرارات. 

يشترك الكرد مع معظم العراقيين في بعض العقائد الدينية وسمات النظام القبلي، فالكرد هم حضَر وأشباه بدو يزرعون الأرض في الربيع، ويسكن بعضهم الجبال العالية.

وعلى الرغم من انتماء معظم الكرد العراقيين إلى الإسلام إلا أن ديانات وطوائف عديدة ومتشعبة يدينُ بها الكرد في كردستان العراق تميّزها ذاتية في الانتماء الديني إلى الكردي.

على المستوى الشعبي، هناك التدين الصوفي الذي ازدهر بسبب ملاءمته للبيئة الكردية، لا سيما الطريقتان القادرية والنقشبندية.  

الإيزيدية: الحج إلى "لالش" وذبح الأضاحي

  • يحجّ الإيزيديون إلى معبد لالش، ويرتدون الزي الإيزيدي التقليدي
    يحجّ الإيزيديون إلى معبد لالش، ويرتدون الزي الإيزيدي التقليدي

يتحدث إيزيديو سنجار اللهجة الكُرمانجية، وهي لهجة قريبة من لهجة كرد سوريا وتركيا، أما  إيزيديو بعشيقة، وبحزاني، فهم يتحدثون العربية.

ينقسم المجتمع الإيزيدي إلى طبقات دينية: پیر، وشيخ، ومريد، ويمنع التزاوج فيما بينهم، وهناك أيضاً طبقة الفقراء، ولهم أكلات تخصّهم، أشهرها الـ(كوتلك) وهي أكلة تشبه الدولمة العراقية.

للإيزيدية أعياد عديدة، أهمها: عيد رأس السنة في أول أربعاء من شهر نيسان بحسب التقويم الإيزيدي، وعيد مربعانية الشتاء في اليوم الثاني من الشهر الثاني من كل سن، ومربعانية الصيف في الثاني من الشهر الثامن، وأعياد أخرى مثل: عيد صيام إيزي، وعيد باتزمي، وعيد القربان.
 
يصوم الإيزيديون في أقصر ثلاثة أيام في السنة، ويختلف موعد صيامهم كل عام بحسب التقويم الإيزيدي. في بعض الأعوام يبدأ الصيام في 12-12، وينتهي في 15-12 يليه عيد صيام إيزي، يبدأ صيامهم في يوم الثلاثاء، وينتهي يوم الخميس ويكون الجمعة يوم العيد.

  • المراسيم الدينية تعود إلى لالش بعد إيقافها لعدة سنوات
    المراسيم الدينية تعود إلى لالش بعد إيقافها لعدة سنوات

وبحسب عادل شمو، وهو شاعر ينحدر من هذه الطائفة فإن في الإيزيدية جماعيات عديدة، لكن جماعية الشيخ آدي هي أكبرها لدي الإيزيدية، وتستمر سبعة أيام يحجّون فيها إلى معبد لالش، ويرتدون الزي الإيزيدي التقليدي، ومن الطقوس الرسمية التي ترافق الجماعية إشعال الشموع في الليلة الأولى، يليها ذبح الأضحية والعزف.

وإضافة إلى الإيزيدية، فإن للكرد طوائف ومواهب وأدياناً أخرى يؤمنون بها متعايشين مع اختلافاتهم الدينية والعرقية.

يتحدث سالار التاوكوزي وهو أستاذ جامعي ومختصّ بمجال الأديان بشأن فسيفساء الانتماءات الدينية لدى الكرد إلى الميادين نت ويقول: "يتميزُ الانتماءُ الديني للشعب الكردي بتعدده واختلافه، فهناك الإسلام، والمسيحية، واليهودية، والكاكائية، والزرادشتية، الإيزيدية، والعلوية، إضافة إلى المذاهب الدينية كالسنة والشيعة والكاثوليكية والبروتستانتية والنسطورية".

وفي كردستان العراق هناك ديانات أخرى من غير المنتمين إلى القومية الكردية أمثال الصابئة والبهائية والبوذية أيضاً، وفق التاوكوزي.

ويضيف أنّ لبعض تلك الديانات جذور تاريخية عريقة في كردستان العراق مثل اليهودية، والمسيحية، والإسلام، والبهائية. لكنّ بعضها الآخر دخل كردستان بعد الازدهار العمراني والاقتصادي الذي شهده الإقليم وبعد أن تعرّض أتباع بعض الأديان والطوائف مثل المندائيين في وسط العراق وجنوبه لتهديدات.

ويلفت إلى أنّ "ما يميّز شعوب كردستان في انتمائها الديني هو التعايش الديني، والسلم المجتمعي بين أديانها وطوائفها، بحيث أصبح أنموذجاً يُحتذى به".

الكاكائية: شوارب طويلةٌ ودعوات إلى المحبة والسلام

  • الشارب عند الكاكائيين له دلالة على الرجولة والشهامة، ولذلك يعدونه رمزاً مقدساً.(أرشيف)
    الشارب عند الكاكائيين له دلالة على الرجولة والشهامة، ولذلك يعدونه رمزاً مقدساً.(أرشيف)

وجوهٌ بشوارب طويلة، وهدوء ينمُ عن إشراق. محبة تسع أبناء الطوائف الأخرى. إنهم الكاكائيون الذين يحاولون ترسيخ محبتهم لكل الطوائف واحترامهم لكل الأديان.

طائفتهم الكاكائية إحدى طوائف الكرد المسلمين الذين يعيشون في شمالي العراق. ويقولون للأخ الكبير كاكه (الأخ الكبير أو يا عم) كما يخاطبون بها أي شخص يبدو أكبر منهم سناً احتراماً، ومن هنا جاءت تسميتهم.

يتحدث كاكائيّ (رفض الكشف عن اسمه) للميادين نت ويقول: "نحن لا نختلف عن المسلمين في شيء من حيث الطقوس والعادات، إلا أن ما يميّزنا من الطوائف الكردية الأخرى أننا نربّي الشوارب واللحى، ونعدها رمزاً ينطوي على أخلاقنا والاحترام بيننا، وهي علامة بين الكاكائيين على معرفة بعضهم بعضاً".

ويضيف: "الشارب عندنا دلالة على الرجولة والشهامة، ولذلك نعدهُ رمزاً مقدساً ولا تجوز السخرية منه أو إهانته".
 
للكاكائيين لغة كردية خاصة بهم، وهي لغة (الهورامان) المشهورة في أطراف كردستان الحدودية وأطراف إيران وفي المناطق التي يسكنها الكاكائيون.

كذلك يتميّزون بالنظافة، ويحرصون عليها بقوة، والأولوية عندهم لنظافة الفكر التي تتفرّع منها بقية أنواع النظافات كنظافة الجسم وغيرها، وهي ركن من أركان الكاكائية المسلمة.

مع أن الكاكائيين أقلية إلا أن طائفتهم تدعو إلى المحبة والسلام والتعاون والتآخي فيما بينهم، وبين سائر الأديان الأخرى كالمسيحية والصابئة وغيرهما.

الكاكائيون أناس مسالمون وطيّبون لدرجة كبيرة، ولعلَّ مساعدة الآخرين والتآخي عندهم ركن من أركان الكاكائية.

ويصرّح الكاكائي: "لسنا بشيعة ولا بسنة، بل نحن مسلمون وحسب، نحبُّ أهل البيت (عليهم السلام) نمجدهم في المجالس خصوصاً، ننشد فيها لهم لأننا نعتبرهم نصف الدين الإسلامي، فقد قدموا أرواحهم في سبيل الدين الإسلامي لكي يدوم حتى يومنا هذا، وبهذا الفهم ينبع فهمنا للكرامة والعفة والعدالة، وهم بعد الرسول محمّد عليه (الصلاة والسلام)".

ويردفُ قائلاً: "كثيراً ما نقرأ، لا سيما في مواقع التواصل الاجتماعي، إشاعات من مثل: نحن مستقلون عن الإسلام ونميلُ إلى التشيّع خوفاً، وهذا كلّه فهم مغلوط فيه، جملة وتفصيلاً لأن الكاكائيين أحرار ولا يخشون إلا مَن خلقهم".

يقرأ الكاكائيون القرآن مترجماً إلى اللغة الكردية لصعوبة فهم اللغة العربية لدى أغلبهم، ويستحبون زيارة أهل البيت، والرسول الكريم ويزورون المراقد المقدسة كلها من دون تمييز، ومن غير عنصرية منهم، إذا استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

إنهم لا يختلفون عن سائر المسلمين في شيء، حتى مراسيم زواجهم شبيهة بمراسيم زواج القوميات الأخرى، وهم لا يحرّمون الزواج، ولا التزويج من غير الكاكائيين.

كردستان كمهبط للنقشبندية

  • على المستوى الشعبي، هناك التدين الصوفي الذي لم يؤيده العلماء كثيراً
    على المستوى الشعبي، هناك التدين الصوفي الذي لم يؤيده العلماء كثيراً

تسمّى الطقوس بحسب الطريقة النقشبندية: الآداب، لأن الطقوس مصطلح غريب على فهم وتاريخ النقشبندية.

وتقسم الآداب النقشبندية الكردستانية قسمين: قسم منفرد وآخر جماعي.

والمنفرد هو الشخص المريد الذي بايع الطريقة على الالتزام بكل أركانها، في كل يوم وليلة بعد أداء صلاته لا يترك مكانه، يغمض عينيه ثم يتّجه نحو القبلة ويسكت ويخلو مفكراً في آداب "الرابطة"، إذ يخيّل إليه أن البركات والنفحات تجيء من الفرد الأقدس وهو الله ثم إلى روح النبي محمّد، ومنه إلى قلب المرشد ثم إلى قلب المريد، ويتوسل من المرشد إلى النبي يداً بيد. ويذكر الله على الطريقة التي أجازه المرشد، ويكثر ويزيد وينقص من المرشد أو من ناب عنه.

ويتابع ئاوات النقشبندي وهو خبير بتاريخ النقشبندية الكردستانية: "أما الجماعي فيسمى الختم، لأن كردستان في الشرق الأوسط مهبط النقشبندية. إذ كان المريدون يجتمعون في مكان أو رباط النقشبنديين الذي نسمّيه "الخانقاه" أي مكان الفقهاء. بعد صلاة العشاء أو بين المغرب والعشاء يجلسون بطريقة دائرية، ويرأسهم مَن أجازهُ المرشد بهذا الختم، فيصلّون على النبيّ، ويستغفرون الله، ويردّدون أذكار (لا إله إلا الله) و(لا حول ولا قوة إلا بالله) و(يا باقي أنت الباقي)، ثم يقرأون السلسلة أو السند عند الطريقة ويقرأون القرآن ويذكرون الله جهراً".

للنساء أيضاً تجمّعات خاصة بالآداب في مكانهن المخصّص، وكذلك في كل "الخانقاوات" النقشبندية. في كردستان مأوى للفقراء والمنكوبين، ومن ليس لهم ملجأ حيث تقدّم لهم وجبة العشاء والغداء مثل حساء"الشوربة" الشهير المكوّن من الحنطة واللحم، ولعله الأكلة المفضّلة لدى السالكين.

ويضيف ئاوات النقشبندي: "ليس لدينا لباس، ولا زي خاصّ، بنا وتدار كلّ منهاجنا بحسب الشريعة الإسلامية، ومدى التزامنا بالطريقة هو التزامنا بالشريعة الغراء".