"ماذا لو التقينا في حلب؟".. قلعة المدينة في التاريخ وسرديات أهلها

"إذا زرت مدينة حلب ولم تزر قلعتها فكأنك لم تزر المدينة الثانية في سوريا"، هكذا يصف دليلاً سياحياً في حلب السورية أهمية القلعة بالنسبة للسوريين، خصوصاً بعد توقف السياحة منذ بداية الحرب على سوريا عام 2011 حتى نهاية 2016.

  • قلعة حلب.. تاريخ عريق في وجدان السوريين
    قلعة حلب.. تاريخ عريق في وجدان السوريين

قلعة حلب إحدى التحف المعمارية التاريخية والعسكرية المتميزة، ورمز الحضارة العربية والإسلامية، وواحدة من أهم المعالم الأثرية والسياحية، وهي أكبر القلاع في العالم وأقدمها.

تعاقبت على بنائها وترميمها وتطويرها حضارات وممالك ودول عديدة. إذ يعود تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وتحظى بأهمية معمارية كبيرة باعتبارها صرحاً هندسياً مميزاً من طراز فريد.

كانت منطلقاً وقاعدة للكثير من الحكام والملوك والقادة، وشهدت أحداث الشرق في عصر الآراميين مروراً بالعديد من الحضارات حتى العصر الإسلامي. وتعاقب على إشغالها الحثيون والآراميون والسلوقيون والرومان والبيزنطيون والمسلمون عبر تاريخها الطويل.

  • قلعة حلب إحدى التحف المعمارية التاريخية ورمز الحضارة العربية والإسلامية

يحيط بالقلعة سور وعدد من الأبراج التي تعود إلى حضارات مختلفة، ويتكوّن مدخل القلعة الأساسي من بناء ضخم مؤلف من أبواب ودهاليز وقاعات للدفاع والذخيرة.

يضم أعلى هذا البناء قاعة العرش الكبيرة المزينة واجهتها بزخارف حجرية رائعة. وفي وسط القلعة، يقع القصر الملكي بالإضافة إلى حمام كبير مؤلف من 10 غرف، وفي داخلها يوجد جامعان أقدمهما جامع إبراهيم الخليل، ومتحف وثكنة وطاحونة ومخازن، فضلاً عن سوق مؤلفة من عدة محلات وسجن ومسرح يتسع لأعداد كبيرة من الحضور، إلى جانب العديد من المرافق الأثرية التي توفر كل مقومات الحياة، وتجعل من القلعة مدينة متكاملة تتوافر فيها كل متطلبات الحياة لفترة طويلة، من دون أن ننسى الإطلالة الرائعة من أعلى أسوارها على مدينة حلب.

  • قلعة حلب.. تاريخ من الذكريات في وجدان السوريين وذكريات في نفوس الزائرين
    قلعة حلب.. تاريخ من الذكريات في وجدان السوريين وذكريات في نفوس الزائرين

بزيٍّ عربيٍّ تقليدي وبصوتٍ شجي، يستقبل بائع القهوةِ العربيةِ أبو عبدو زوّار قلعة حلب، فهو صديقُ القلعة، يقضي حياته في أرجائها، ويلازمها في كلِ الأوقات، يتجول حولها يغني لها ويتغنى بها، وعلى هذا المنوال عاش أبو عبدو طفولته وشبّ وصولاً إلى يومنا هذا.

 يشعر أبو عبدو بالمتعة في عمله، والسعادة في حياته، وهو يلتقي زوار القلعة الذين يبادلونه المشاعر اللطيفة والدافئة نفسها.

يحدثنا عن ذكرياته وهو يملأ كوب القهوة، قائلاً: "زرت القلعة وأنا طفل صغير، فوجدت حولها أعداداً كبيرة من السياح والزوار، أفراداً ومجموعات، من الأجانب والعرب والحلبيين، مضيفاً: "كنت أتقرب من بعضهم، وأحاول الحديث معهم، وقتها عرفت قلعة حلب وأهميتها وتعلّقت بها لدرجةٍ أصبحت جزءاً من كياني وحياتي".

  • الأسواق المحاذية لقلعة حلب

يشرح أبو عبدو والابتسامة تعلو وجهه: "أسلوب عملي وطريقة تعاملي مع هؤلاء الزوار والسياح هي رسالة إنسانية واجتماعية، ينقلونها إلى بلدانهم وشعوبهم يتعرفون من خلالها إلى الوجه الحقيقي والمشرق للشعب السوري وطريقة تعامله وحضارته المعروفة منذ القدم".

وعلى الضفة الأخرى من القلعة، يجلس الدليل السياحي، عبد الحي قدور، الذي قضى جزءاً كبيراً من حياته بجوار القلعة، التقى آلاف الزوار والسياح، ورافقهم في زيارتهم، وعاش معهم تفاصيل حياتهم، خلال فترة الزيارة، وتبادل معهم أحاديث مختلفة عن الانطباعات التي لمسوها وشاهدوها في رحلتهم، حدثنا قائلاً: "غالبية زوار القلعة كان لديهم الرغبة والحماس لتكرار التجربة، لشدّة إعجابهم بما شاهدوه من روعة المناظر وحسن الخلق وكرم الضيافة".

  • الأسواق المحاذية لقلعة حلب
    الأسواق المحاذية لقلعة حلب

ويوضح قدور أنّ للقلعة مكانة أثرية وسياحية وترفيهية كبيرة لدى الزائرين، "فإذا زرت مدينة حلب ولم تزر قلعتها فكأنك لم تزر المدينة الثانية في سوريا. لأنك لم تر درّة المدينة، وتاجها، ومثار فخرها، ولا سيما أنّ أهل حلب يتخذون من القلعة رمزاً لمدينتهم التي يعود تاريخها إلى أكثر من 7 آلاف عام ويعتبرونها إحدى أمهات التاريخ وتوأم الأحداث الكبرى".

وفي استراحةٍ مع الحاج علي عطار، صاحب مقهى في محيط القلعة، والمعروف بلباقته وكرمه، ومعايشته حركة السياحة إلى القلعة على مدار الساعة بحكم وجوده في المقهى، يخبر الميادين نت عن متابعته لحركة السياحة "السياحة إلى قلعة حلب كانت ناشطة، إذ تتوافد إليها أعداد كبيرة من جميع دول العالم، ومن المحافظات السورية، على مدار العام، وتزداد نشاطاً وتبلغ ذروتها في فصل الربيع، لدرجة أنّ هذه المقاهي والساحات حول القلعة لم تعد تتسع لزوارها من السياح، وهذا يعكس مكانة القلعة لما تحمله من إرث تاريخي وحضاري ومعانٍ ودلالات تجذب من خلالها السياح والزوار".

  • قلعة حلب.. تاريخ من الذكريات في وجدان السوريين وذكريات في نفوس الزائرين
    قلعة حلب.. تاريخ من الذكريات في وجدان السوريين وذكريات في نفوس الزائرين

ينظر عطار بحزن إلى الصورة المعلقة على جدار القهوة، قائلاً: "توقفت هذه السياحة منذ بداية الحرب على سوريا عام 2011 حتى نهاية 2016، موعد فك الحصار عنها وإعلان الانتصار، ولم يُسمع في القلعة وما حولها خلال تلك الفترة إلا أصوات الرصاص الناتجة عن المواجهات بين الجيش السوري المرابط في القلعة، والجماعات المسلحة. تضررت قلعة حلب جراء الحرب وأعيد ترميمها، وها هي تستعيد عافيتها لتستقبل زوارها ولا سيما أهالي حلب بأعدادٍ مقبولة، على أمل ازدياد عدد الزوار الأجانب".

يتابع مدير القلعة، أحمد الغريب، أدقّ تفاصيلها، يتلمّس آلامها، ويعيش آمالها ويبذل كل جهدٍ ممكن من أجل استعادة مجد سياحتها. يروي قصصاً وحكايات مزروعة في عمق التاريخ لا يستطيع أحد تجاهلها أو نسيانها، يوجز الغريب في وصفه القلعة، قائلاً: "تعتبر قلعة حلب إحدى التحف المعمارية التاريخية والعسكرية المتميزة، ورمز الحضارة العربية والإسلامية وواحدة من أهم المعالم الأثرية والسياحية وأقدم وأكبر القلاع في العالم، تعاقبت على بنائها وترميمها وتطويرها حضارات ومماليك ودول عديدة، وكانت منطلقاً وقاعدة للكثير من الحكام والملوك والقادة".

منذ زمن، يتخذ أهالي حلب القلعة رمزاً لمدينتهم، فهي درتها، وتاجها، ومثار فخرها، وتغنى في وصفها وحبها شاعر حلب، موسى العيس، قائلاً:

ماذا لو التقينا في حلب؟

وقَطفتُ لكِ منْ صدرِ الصبر عنقودَ عنب

ووقفتُ على أسوار قلعتها.. وصرختُ، وصرختُ

أُحبكِ ، أُحبكِ، أُحبكِ

حتى يُغْرِق حزني مدائن العجمِ وضمائر العرب

ماذا لو التقينا في حلب؟