مسؤولون عن استهداف الثروة البيئية جنوبي لبنان: خطط اليوم التالي بعد الحرب جاهزة

أحدثت الاستهدافات الإسرائيلية أضراراً بالغة الخطورة في الثروة الزراعية والبيئية في المنطقة الجنوبية، ستمتد تداعياتها إلى سنواتٍ عديدةٍ مقبلةٍ وفقاً للخبراء، مما يستدعي استنفار الجهود من قبل كل المؤسسات المعنية.

  • مسؤولون عن استهداف الثروة البيئية جنوبي لبنان: خطط اليوم التالي بعد الحرب جاهزة
    مسؤولون عن استهداف الثروة البيئية جنوبي لبنان: خطط اليوم التالي بعد الحرب جاهزة

يستخدم الاحتلال الإسرائيلي على امتداد ثمانية أشهر في حربه على قرى جنوب لبنان أنواعاً مختلفة من الأسلحة المدمّرة، في مقدّمتها أسلحة الفسفور الأبيض الحارقة والمحرّمة دولياً.

وأحدثت الاستهدافات الإسرائيلية أضراراً بالغة الخطورة في الثروة الزراعية والبيئية في المنطقة الجنوبية، ستمتدّ تداعياتها إلى سنواتٍ عديدةٍ مقبلةٍ وفقاً للخبراء، مما يستدعي استنفار الجهود من قبل كل المؤسسات المعنية لمواجهة هذه المخاطر والحدّ منها فور انتهاء الحرب.

الزيتون الجنوبي الأكثر تضرّراً  

تبعد قرية الضهيرة الحدودية في قضاء صور عن الأراضي الفلسطينية مسافةً لا تتعدى الـ60 متراً، وهي جزء من قرية عرب العرامشة الواقعة في أراضي فلسطين المحتلة عام 48. القرية التي يبلغ عدد المقيمين فيها 2000 نسمة، تتميّز بنشاطها الزراعي وغناها بكروم الزيتون، إذ إنّ معظم سكانها يعملون في زراعة أشجار الزيتون والحبوب والتبغ. 

رئيس بلدية القرية عبد الله غريّب، تحدّث للميادين نت عن الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية  في القرية من جراء القصف الفسفوري الإسرائيلي، قائلاً: "سقط في القرية ما يزيد عن 250 قذيفة فسفورية حارقة فقط في الأيام الأولى للحرب، وكانت كروم الزيتون التي تتخطى أعمار أشجارها الخمسين عاماً والممتدة على مساحة تفوق الـ300 دنم من الأراضي، في مقدمة الخسائر. بساتين الأشجار المثمرة كان لها أيضاً نصيبٌ من هذا القصف، وكذلك المساحات الحرجية التي احترق ما يزيد عن 20% منها، وقفران النحل التي تجاوز عددها 300 قفير احترقت أيضاً بشكل شبه كامل".

ويلفت غريّب إلى أنّ ثمة مؤسسات رسمية وغير رسمية لا تزال تتابع الأهالي المتضرّرين زراعياً، أبرزها مؤسسة جهاد البناء التي أجرت مسحاً للأضرار خلال الهدنة الأخيرة، بالإضافة إلى مجلس الجنوب وجهات أخرى. 

الثروة الحرجية هدف آخر 

تتغنّى قرية راميا الحدودية في قضاء بنت جبيل، والممتدّة على مساحة 617 هكتاراً (6.17 كلم2) بكثافة الأحراج والوديان المحيطة بها، وبتنوّعها البيئي لما تحويه من أشجار السنديان والغار والصنوبر والأعشاب البرية، وهي تضم جبل البلاط ذا الموقع الاستراتيجي المطل على معظم مناطق الجليل الأعلى. القرية التي يقطن فيها أكثر من ألف نسمة، إضافة إلى أَضعاف هذا العدد من المغتربين، يعتاش أهلها من زراعة التبغ والقمح في المقام الأول، ومن دعم أبنائها في بلاد الاغتراب.

هذه الأحراج تعرّضت للقصف الفسفوري الإسرائيلي منذ بدء الحرب، وقد طال القصف على وجه الخصوص الأحراج المقابلة لمراكز الاحتلال مباشرةً، وتحديداً ما يسمى "أحراج الحلواني" الممتدة على مساحة تفوق الـ11 دنماً، ما أدى إلى احتراق مساحاتٍ شاسعةٍ فيها،  وفق مختار القرية محمد عيسى، وفي الاستهدافات الأخيرة، تعرّضت هذه الأحراج لما يقارب الـ11 غارة حربية دفعة واحدة.

ويقول عيسى للميادين نت إنّ القصف الفسفوري طال أيضاً معظم كروم الزيتون في القرية ولا سيما في الأيام الأولى للحرب، بينها ثلاثة كروم من الزيتون المعمّر الذي يصل عمره إلى مئة عام، وكروم أخرى تقع قرب المنازل، "إحداها يقع قرب منزل أهلي، يحوي ما يزيد على 30 شجرة زيتون كبيرة، كنا نجني منها سنوياً ما يفوق الـ15 قارورة زيت، أما اليوم فهي محروقة أو يابسة حتماً من جراء المواد السّامة".

الفسفور الأبيض: سلاح الإبادة الأول  

يعدّ سلاح الفسفور الأبيض، من أكثر المواد الخطرة والسامة التي تدخل في صناعة الذخيرة والمتفجّرات وقنابل الدخان المستخدمة في الحروب العسكرية، وقد لجأ الاحتلال إلى استخدامه بكثافة في اعتداءاته على القرى الحدودية منذ بداية الحرب.

يوضح محمد الحسيني، رئيس نقابة تجمّع مزارعي الجنوب، للميادين نت أن الاحتلال الإسرائيلي أمطر القرى الحدودية بهذه المادة السامة منذ الأيام الأولى للحرب، خاصة في بلدات مثل الضهيرة، مروحين، عيتا الشعب، عيترون، الخيام وغيرها، حيث أحدث هذا القصف ما يزيد عن 300 حريق في المناطق الحرجية والزراعية، مع العلم أن الاحتلال بدأ باستخدام هذا السلاح في لبنان منذ العام 1982.

يصنّف الحسيني الأضرار الناجمة عن القصف الفسفوري على القطاع النباتي، ما بين مباشرة وغير مباشرة. الضرر الأساسي المباشر يتمثّل بالاحتراق الفوري الكامل للأشجار الحرجية والمثمرة، من جراء النيران والحرائق التي تجد آليات الدفاع المدني في بعض الأحيان صعوبة في الوصول إليها على عمق 2 و3 كلم. أما الضرر غير المباشر فيكمن في دخان القذائف الذي يتسرّب إلى الجهاز التنفّسي للأشجار الموجود بشكل أساسي في أوراقها، ما يؤدي مع مرور الوقت إلى يباس الشجر، إلا أن هذا الضرر يتطلّب أشهراً حتى تبدأ معالمه بالظهور.

على صعيد الثروة المائية، يشرح الحسيني أن أضرار مادة الفسفور الأبيض تطال المياه السطحية والجوفية على حد سواء، ما يعني تهديد النظام البيئي للأنهار والأحواض والينابيع، وهذا بدوره يؤدي إلى نفوق الأنواع المائية من أسماك وطيور وحشرات والبرمائيات، فضلاً عن أن تسرّبها إلى التربة بكميات كبيرة قد يؤدي مع الوقت إلى تلوّث المياه الجوفية بفعل الأمطار، ومعرفة نسبة الخطورة تتطلّب إجراء التحاليل والاختبارات اللازمة عبر اتخاذ عيّنات من منابع المياه ومن مجاريها، والأمر بالتأكيد له تقنيات محدّدة.

وتلوّث المياه ينتقل إلى التربة، فتعرّض التربة للفسفور الأبيض بشكل مباشر يجعل هذه المادة تستقرّ فيها،  وفي الأحوال الطبيعية يمكن التخلّص منها يدوياً بشكل مباشر، لكن في حال تركت لمدّة طويلة فإنها تصبح قابلة للتحلّل وتتسبّب بتسمّم التربة. 

وأكد الحسيني أن الأضرار الفعلية لا تظهر الآن، وما هو متوفّر حالياً من إحصاءات ودراسات يُعدّ أرقاماً أولية وغير دقيقة، بانتظار انتهاء الحرب وإجراء الدراسات والمسح الشامل للأضرار من قبل وزارتي البيئة والزراعة والنقابات والجمعيات المهتمة بالشأن البيئي والزراعي، عندها ستكون المعطيات أدق وسيتم العمل على أساسها، لافتاً إلى أنه من المهم جداً تسليط الإعلام على قضية الإبادة البيئية التي يمارسها العدو بحق النظام البيئي في لبنان. 

مواكبة الأضرار ومرحلة ما بعد الحرب

أما عن الأضرار البيئية الناجمة عن الاستهدافات الإسرائيلية، فقال المهندس والخبير الزراعي سليم مراد، رئيس بلدية عيترون، ومدير مؤسسة جهاد البناء في منطقة الجنوب، للميادين نت، إنّ هذه الأضرار هي كبيرة ومتنوّعة وتقسم ما بين أضرار مباشرة وغير مباشرة. على صعيد الأَضرار المباشرة، فهي تطال بشكل أساسي الإنتاج الحيواني والنحل وكذلك النباتي. ويقصد بالإنتاج الحيواني قطاع المواشي والأبقار والدواجن، الذي تضرر بشكل كبير نتيجة تدمير ما يزيد عن 300 مزرعة، ما أدى إلى انقطاع الدورة الإنتاجية.

وعلى صعيد قطاع النحل، يشير مراد إلى أن معظم القفران الموجودة في القرى الحدودية والمحاذية للخطوط الأمامية، قد تعرضت للقصف الفسفوري المباشر الذي أدى إلى اختناق النحل بشكل كبير، وما تبقّى منه يكون قد نفق بسبب الإهمال وتضرّر المراعي نتيجة احتراق عدد كبير من المزروعات والأحراج. وتظهر الإحصاءات المتوفرة في هذا الشأن أن ما يقارب 340 ألف حيوان زراعي قد نفق منذ بداية الحرب (طيور، دواجن، ماشية وخلايا نحل).

على مستوى الإنتاج النباتي، يُكمل مراد، أن الأضرار المباشرة في هذا السياق تمثّلت باحتراق الأشجار المثمرة، ولا سيما الزيتون والمحاصيل الزراعية، وكذلك الأشجار الحرجية خاصة الصنوبر والسنديان، إذ تضرّر ما يزيد عن 6000 دنم من الأراضي في المنطقة الحدودية، واحترق أكثر من 40 ألف شجرة زيتون، وما يزيد من حدة الأضرار هو بقاء الأراضي الزراعية "بوراً"، لعدم  قدرة المزارعين على استثمارها، وبالتالي استكمال الدورة الزراعية.

وأكّد مراد أن خطة اليوم التالي للحرب على الصعيدين  البيئي والزراعي، ووفقاً لمؤسسة جهاد البناء،  سترتكز على مرحلتين أساسيتين، الأولى تتضمّن إجراء كشف ميداني وعملية مسح شاملة للأضرار وتحديد آليات العمل، أما الخطوة الثانية فهي مرحلة تقديم التعويضات والقروض والمساعدات العينية والنهوض بالمشاريع البيئية والزراعية لإعادة الدخول في الدورة الإنتاجية بشكل كامل، على صعيدي التصنيع والإنتاج، لافتاً إلى أن عودة الدورة البيئية إلى ما كانت عليه سابقاً، تحتاج لما يقارب الثلاث سنوات.