موضة "Ramadan Abaya" تسود الأسواق العربية.. تسليع لشهر رمضان؟

تسارع الشّركات العالمية والمحليّة إلى دراسة هوية المستهلك والمستخدم لتطوير خدماتها وللاستجابة لحاجاته ورغباته. ونجحت في "تسليع" بعض المناسبات الثّقافيّة والدّينيّة، وربطها بصورة وثيقة بالتّبضّع وصرف الأموال.

  • موضة
    موضة "Ramadan Abaya" تسود الأسواق العربية.. تسليع لشهر رمضان؟

تطغى "عباية رمضان"، أو "Ramadan Abaya"، على الأسواق التجاريّة والافتراضيّة، وقد يصل سعر "الملابس الرمضانيّة" إلى ما يفوق عشرة آلاف دولار. فما القصّة؟ 

يُعَدّ شهر رمضان من أبرز المحطات السّنويّة لدى المسلمين حول العالم، وفيه تمارس الشعوب عادات وتقاليد متعدّدة ومتنوّعة، منها من الدّين الإسلامي، وغيرها من العادات الشعبية المتوارثة.

بعض هذه العادات يمتد عبر مختلف البلاد والثقافات، مثل دعوة العائلة والأصدقاء إلى الإفطار معاً، وبعضها يختصّ بثقافات وبلاد معيّنة، كارتداء الملابس التقليديّة المرتبطة بثقافة البلد، مثل "الدشداشة" للرجال، وتحديداً عند ارتيادهم المساجد.

في دول الخليج، تعمد النّساء إلى ارتداء العباءة الخليجيّة في شهر رمضان، كما في سائر الشّهور، كونها زيّاً رسميّاً في هذه البلاد. العباءة، الّتي تمّ إدخالها من العراق وسوريا للسّعوديّة ودول الخليج، في العصر الحديث، كانت محصورة في اللّون الأسود، في بادئ الأمر، لكن سرعان ما أُدخلت لها الألوان والأقمشة المتنوعة، وباتت تُعرف بالعباءة الخليجيّة. 

لكن، في الآونة الأخيرة، وتحديداً في هذا العام، نشرت مجموعة متاجر الألبسة النسائيّة في مواقع التواصل الاجتماعي "العباءات الرمضانية"، عبر ألوان وأنماط متعددة، "مثاليّة لشهر رمضان"، بحسب تعبير إحدى الصفحات. وينطبق هذا المثال على لبنان ودول أخرى متعددة، عربيّة وأجنبيّة. في بريطانيا مثلاً، بدأت مجموعة من العلامات التجاريّة الرائدة في مجال الألبسة النسائية والولّاديّة عرض بضاعة مخصصة لشهر رمضان والعيد، مثل Next وMonsoon. أما العلامة التجاريّة Harrods، وهي من أبرز العلامات التجارية باهظة الثمن في بريطانيا، فتعرض بعض "الأزياء المثالية للإفطار والسحور"، لأنّ "رمضان يتطلّب ما هو مميّز إلى حد كبير عندما يتعلّق الأمر بخزانة الملابس"، بحسب تعبيرهم. وتتضمن هذه الألبسة حذاءً يفوق سعره ألف دولار، وملابس قد يصل سعرها إلى أكثر من عشرة آلاف دولار.

قد تكون هذه الأرقام مبالغاً فيها مقارنةً بالأسعار الّتي تطرحها شركات ومتاجر أخرى في بريطانيا وفي لبنان، لكنّ المبدأ هو ذاته، فتجد متاجر الألبسة اللبنانيّة تعرض عدداً من "أحدث صيحات العباءات" بمناسبة الشهر الفضيل. لكن، أين تكمن المشكلة؟

لطالما انغمس الجيل الجديد في عالم "الترندات"، وحرص على اتّباع أحدث الصّيحات، إن كان في الموضة أو التحديات في مواقع التواصل الاجتماعي، فبات يعتمد على المنصات ليعرف الشخص ما عليه فعله وما عليه تجنّبه، إلّا أنّنا عندما نتحدّث عن شهر رمضان، لا يتعلّق الموضوع بممارساتٍ صحيحةٍ أو خاطئة، وإنّما بقيمة هذا الشّهر لدى المجتمعات. 

تسارع الشّركات العالمية والمحليّة إلى دراسة هوية المستهلك والمستخدم لتطوير خدماتها وللاستجابة لحاجاته ورغباته. ونجحت في "تسليع" بعض المناسبات الثّقافيّة والدّينيّة، وربطها بصورة وثيقة بالتّبضّع وصرف الأموال. من أبرز الأمثلة الّتي قد تخطر في البال: "الكريسمس"، أو عيد الميلاد، إذ تحوّل هذا العيد من عيدٍ مسيحيّ يركّز على ولادة السيّد المسيح، ويرتاد فيه المسيحيون الكنيسة احتفالاً بهذا اليوم، إلى محطّة عالميّة يشارك فيها العالم أجمع، عبر اختلاف أديانهم وثقافاتهم، فيشترون شجرة الميلاد ويزيّنوها ويشترون الهدايا لأفراد العائلة والأصدقاء، بالإضافة إلى تحضير سفرة العشاء، مجرّدِين العيد من معناه الدّيني. 

ليس هذا فقط، فاليوم الّذي يلي الميلاد يسمّى في بريطانيا "boxing day"، أو "يوم التّعليب"، بحيث تقوم المحال التجاريّة بتخفيضات "خياليّة" على البضاعة الّتي لم يتم بيعها في فترة عيد الميلاد. المثير للاهتمام هنا، هو أصل هذا اليوم، إذا عدنا بالزّمن إلى القرن التّاسع عشر، بحيث كانت الطبقة الغنيّة تعلّب الهدايا والطّعام المتبقي من يوم الميلاد وتعطيها للعمال الّذين يذهبون بدورهم من أجل تمضية هذا اليوم مع عائلاتهم، بما أنّهم أمضوا يوم الميلاد في عملهم. لكن اليوم، تحوّل العيد من تجسيد قيمة العطاء والتّبرّع للفقراء إلى "فرصة تجاريّة" لمزيد من الشّراء والاستهلاك والأرباح. 

 وهي الحال السائدة اليوم، فما يحدث في الأسواق التجاريّة العربيّة والأجنبيّة، من تسويق ملابس وأزياء جديدة في السّوق تحت عنوان "شهر رمضان"، هدفه الرّبح حصراً. فهل يتحوّل شهر رمضان إلى كريسمس آخر؟