نزوح لا ينتهي وسط المجاعة.. أهالي غزة أمام كفاحٍ يوميّ للبقاء

يتعرض عشرات آلاف الفلسطينيين في غزة لموجات نزوح قسري متكررة وسط ظروف إنسانية كارثية، حيث تتحول الخيام المؤقتة إلى ملاذ أخير في ظل الحصار، القصف، والتجويع الممنهج.

0:00
  • نزوح لا ينتهي وسط المجاعة.. أهالي غزة أمام كفاحٍ يوميّ للبقاء
    نزوح لا ينتهي وسط المجاعة.. أهالي غزة أمام كفاحٍ يوميّ للبقاء

في مشهد مأساوي يتكرر، اضطرّ آلاف المواطنين في شمال قطاع غزة إلى النزوح مجددًا هربًا من القصف وأوامر الإخلاء التي أصدرها الاحتلال الإسرائيلي، ليفرّوا نحو المجهول بحثًا عن مأوى يحميهم من الموت والجوع، لكن النزوح هذه المرة كان أكثر قسوة، إذ بات العثور على مكان آمن شبه مستحيل، ما اضطرّ كثيرين إلى الاحتماء بالعراء ونصب خيام مؤقتة فوق الرمال في ظروف قاسية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.

ووسّع جيش الاحتلال، قبل أيام، خارطة أوامر الإخلاء لتشمل مناطق واسعة من شمال وشرق مدينة غزة، منها: جباليا البلد، العطاطرة، الشجاعية، الدرج، والزيتون، إلى جانب أربعة عشر حيًا شمال القطاع صدرت بحقها أوامر إخلاء منتصف أيار/مايو الماضي. كما شهدت مناطق متفرقة في مدينة خان يونس جنوبي القطاع حركة نزوح واسعة لآلاف الفلسطينيين، عقب صدور أوامر إخلاء قسري جديدة.

وامتلأت الشوارع والأراضي القاحلة وبين أنقاض المنازل المدمرة والطريق الساحلي في مدينة غزة، بخيام النازحين، وسط معاناة شديدة من انعدام المياه النظيفة، وتدهور النظافة العامة، وشح الإمدادات الأساسية، مما يعمّق الأزمة الإنسانية.

نقص المأوى والطعام يُفاقم المعاناة 

روان مطر، نازحة من مخيم جباليا شمال غزة، تجلس أمام خيمتها البالية في منطقة بهلول بغزة، تحاول الاحتماء من حرّ الشمس وقسوة النزوح، تقول للميادين نت: " الاحتلال دائمًا يأمرنا بالإخلاء كل فترة قصيرة، ولا نجد مكانًا آمنًا نلجأ إليه، لا مراكز إيواء ولا خيام كافية. لم يبقَ لنا سوى أراضٍ قاحلة بلا ماء ولا طعام، تفتقر إلى المياه والطعام والحياة".

وتضيف بصوت ملؤه الألم: "لا أستطيع حصر عدد مرات نزوحنا خلال أكثر من 600 يوم من العدوان، وفي كل مرة أعتقد أنها الأخيرة، لكننا نعود إلى المربع الأول، فالاحتلال لا يمنحنا مهلة، بل يبدأ القصف فورًا، وغالبًا لا نتمكن من حمل شيء معنا، ما يجبرنا على الفرار بسرعة للنجاة بحياتنا".

أما النازح ماهر طالب، وهو أب لخمسة أطفال، فقد اضطر إلى بناء مأوى بدائي باستخدام أقمشة ممزقة وقطع خشب متهالكة في منطقة مفتوحة غربي غزة، بعد أن شرّدته الحرب مرارًا، واصفًا حاله بكلمات تقطر وجعًا وغضبًا: "كلما حاولت أن أجد لنفسي ولأطفالي مأوى مؤقتًا، يعود الاحتلال ليأمرنا بالإخلاء، فأحمل أطفالي تحت النار وأهرب نحو المجهول".

ويتابع طالب في حديثه إلى الميادين نت: "نحن لا نعيش، بل نحاول النجاة فقط يوماً بيوم، فالمياه ملوثة، ولا مراحيض، وأنام وعائلتي على الأرض تحت شمس حارقة وبرد قارس في الليل"، لافتاً إلى أنّ "طفلي الصغير أصيب بطفح جلدي والتهاب في عينيه، ولا أملك ثمن الدواء، لأن الحرب استنزفت كل ما لدي بسبب طول مدتها".

وعن واقع المساعدات، يوضح بمرارة، أنّه "في بداية الحرب كانت التكايا توزع طعامًا، أما الآن فالمساعدات نادرة ومهينة، وغالبًا ما يليها القصف، وكأننا نُستدرج للموت بلقمة الخبز، وأصبح الجوع مصيدة، والمساعدة فخاً".

حشرات وقهر يومي

في خيمة متهالكة، يلوح أحمد البردويل بقطعة بلاستيك لطرد البعوض عن وجه طفله وسط انتشار الحشرات والجرذان، ويبيّن للميادين نت بقهر، أنّنا "فقدنا منزلنا وأماننا، ونعيش اليوم داخل خيمة تملؤها البعوض والحشرات، ونستيقظ ليلاً على صراخ الأطفال من اللدغات أو الذعر من الجرذان التي تتجول بين الفرش وتفسد الطعام".

ويشير البردويل إلى أن أطفاله لم يتناولوا الخبز منذ عشرة أيام بسبب غلاء الأسعار الناتج عن إغلاق المعابر واحتكار التجار، ويعتمد على مساعدات الجيران لتأمين الطعام، موضحاً أنّ "الجوع يفتك بنا منذ شهور، ونعيش على فتات لا يسدّ الرمق، وهذا النزوح تحوّل إلى حياة من القهر والإذلال، استنزفتنا الحرب جسديًا ونفسيًا".

احتكار وغلاء وفقر 

من جانبه، يؤكد المحلل الاقتصادي نائل موسى للميادين نت، أنّ "النزوح والجوع في قطاع غزة فاقما الأعباء المعيشية على العائلات في ظل أوضاع إنسانية واقتصادية كارثية"، موضحاً أنّ "احتكار بعض التجار للسلع وطرحها بكميات محدودة أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وسط نقص حاد في السيولة، واستغلال الصرافين للمواطنين بفرض عمولات باهظة".

 ويشير موسى، إلى أنّ تفشي الفقر والبطالة أضعف القدرة الشرائية، ما يدفع الكثيرين للاستغناء عن احتياجات أساسية أو اللجوء إلى الاقتراض، ما يزيد الأعباء المالية ويعمّق التوتر الاجتماعي.

التهجير والتجويع أدوات لاقتلاع الفلسطينيين 

ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فقد نزح نحو 200 ألف شخص خلال الأسبوعين الماضيين، ضمن موجة نزوح شملت أكثر من 635 ألفاً منذ آذار/مارس الماضي.

ويلفت المكتب في تصريحه، إلى أنّ أقل من 18% من مساحة القطاع تُعدّ صالحة لوجود المدنيين، فيما تُقصف المناطق الأخرى أو تقع تحت السيطرة العسكرية، مبيناً أنّ "إسرائيل" تمنع دخول معظم المساعدات، وأصبح الغذاء الجاهز شبه معدوم، وجميع سكان غزة مُهدّدون بخطر المجاعة.

من جهته، حمّل المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان "إسرائيل" مسؤولية تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، مؤكدًا أنها تنفذ منذ نحو 600 يوم سياسة تجويع ممنهجة، وأغلقت المعابر 88 يومًا، قبل أن تدفع المدنيين إلى فوضى مذلة عند نقاط المساعدات.

وأوضح المرصد في بيان، أن تصاعد التهجير الجماعي يعكس تنفيذ خطة ترحيل الفلسطينيين ضمن "خطة ترامب"، حيث أصدرت "إسرائيل" منذ مطلع 2025 أكثر من 35 أمر تهجير قسري، طالت أكثر من مليون شخص، من دون مُبرّرات عسكرية، مع ارتكاب مجازر في مناطق النزوح، مؤكداً أنّ التهجير والتجويع وآلية توزيع المساعدات تُستخدم كأدوات متكاملة لعملية طرد جماعي بعد إبادة أكثر من 175 ألف مدني وتدمير واسع للبنية التحتية.

اخترنا لك