البابا فرنسيس... عندما ترافقك كرة القدم إلى السماء
عشق البابا فرنسيس لكرة القدم بدأ بكرة من قماش، رافقه هذا حتى الفاتيكان، وجعل من اللعبة رسالة محبة وسلام.
-
أراد البابا أن يُثبت أن الرياضة وكرة القدم تحديدًا تستطيع أن تكسر حواجز السياسة والدين والعرق.
في أزقة حيّ فلوريس الشعبي في بوينس آيرس، حيث كانت الأرضية من تراب والأحلام معلقة على ناصية الأمل، وُلد خورخي ماريو برغوليو. لم يكن يملك كرة حقيقية، بل كان يركض خلف كرة مصنوعة من القماش المهترئ، يركلها بحماسة طفل يرى في كل ركلة عبورًا نحو الفرح.
لم يكن ماهرًا بالمعنى الكروي، بل كان يُلقَّب بين أصدقائه بـ"باتا دورا" (القدم القاسية - Pata Dura)، لكن العشق للكرة لا يُقاس بالمهارة، بل بالنبض الذي يحرّك القدم قبل العقل.
سان لورينزو... الدين الثاني
-
ظل حب البابا فرنسيس لنادي سان لورينزو دي ألماغرو ثابتًا على الرغم من تحولات الحياة
منذ نعومة أظفاره، التصق قلبه بنادي سان لورينزو دي ألماغرو، النادي الذي أسّسه كاهن كاثوليكي في العام 1908.
كان خورخي يرافق والدته إلى ملعب فييخو غازوميتر" لمشاهدة الفريق، حيث تعلّم أن كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل هي طقس جماعي، صلاة على إيقاع الهدف والفرح الجماعي.
ظل حبه للنادي ثابتًا على الرغم من تحولات الحياة. وعندما أصبح البابا فرنسيس في العام 2013، لم يتخلَّ عن عضويته فيه. احتفظ برقمه الرسمي في النادي (88235) حتى وفاته في العام 2025، وكان يحرص على دفع اشتراكه الشهري كأي مشجع بسيط.
تكريمًا له، أعلن سان لورينزو عن تسمية ملعبه الجديد باسمه، ليظل اسمه محفورًا في ذاكرة النادي الذي لطالما حمله في قلبه.
الفاتيكان وكرة القدم: لقاء الأرواح
-
لم يرفض البابا فرنسيس مقترح اقامة مباراة بين الأديان فقد شرب حب كرة القدم منذ صغره
حين تولّى البابا فرنسيس مهامه، لم ينسَ حبّه الأول. في العام 2014، نظّم في روما مباراة تاريخية تحت شعار "مباراة من أجل السلام"، جمعت نجوم كرة قدم من ديانات وثقافات متعددة، أبرزهم دييغو مارادونا وجيانلويجي بوفون، في مشهد نادر جمع الأقدام والقلوب في رقصة سلامٍ على العشب الأخضر.
أراد البابا أن يُثبت أن الرياضة، وكرة القدم تحديدًا، تستطيع أن تكسر حواجز السياسة والدين والعرق.
اقترح الفاتيكان أن يتم جمع فريق كرة قدم ليلعب مباراة ودية، "مباراة بين الأديان من أجل السلام" في الاستاد الأولمبي في روما.
جمعت المباراة الكاثوليك من بينهم ليونيل ميسي وحارس المرمى الإيطالي بوفون وقائد المنتخب الإيطالي خافيير زانيتي وأندريا بيرلو.
اقرأ أيضاً.. إرث البابا فرنسيس: جذرية التواضع ودبلوماسية التسامح بين الأديان
وانضم إلى اللاعبين لاعب خط الوسط المعتزل زين الدين زيدان (وهو مسلم) وروبرتو باجيو الذي اعتنق البوذية، ومعهم المدافع الياباني يوتو ناغاتومو وصامويل إيتو المهاجم الكاميروني.
أتت هذه الفكرة بعدما اقترح الأرجنتيني خافيير زانيتي تنظيم حدث رياضي يجمع الناس من مختلف الأديان بعيد المباراة الودية التي جمعت إيطاليا والأرجنتين تكريمًا للبابا فرنسيس.
وريع المباراة عاد إلى شبكة المدارس التي أقامتها الأكاديمية الحبرية للعلوم المدعومة من ميسي وبوفون وإلى مؤسسة تُعنى بالأطفال في بوينس آيرس يهتم بها زانيتي وزوجته بولا.
يومها لم يرفض البابا فرنسيس المقترح، فهو شرب حب كرة القدم منذ صغره، وعرف أنها أكثر من مجرد لعبة.
ميسي، ومارادونا، وبيليه: شهادات على عشق اللعبة
-
حين سُئل في 2023 عن أعظم لاعب عبر التاريخ أجاب "مارادونا كان عبقريًا في الملعب"
استقبل البابا في الفاتيكان نجوماً أمثال ليونيل ميسي ودييغو مارادونا. لم يكن اللقاء بروتوكوليًا، بل كان لقاءً حارًا، أشبه بلقاء مشجع قديم مع أساطير لعبته المفضلة.
على الرغم من أنه منذ العام 1990 نذر ألّا يشاهد المباريات مباشرةً عبر التلفاز، إلّا أنه كان يتابع نتائج فريقه الوطني والنادي المفضل عبر الإذاعة أو حرسه الشخصي.
حين سُئل في 2023 عن أعظم لاعب عبر التاريخ، أجاب "مارادونا كان عبقريًا في الملعب، لكنه كان معذبًا خارجه. ميسي شاب نبيل وموهوب. أما بيليه، فقد جسّد المثابرة والاعتدال... وهما فضيلتان مسيحيتان عظيمتان".
كرة القدم مدرسة للحياة
كان البابا يكرّر دائمًا أن كرة القدم ليست مجرد تسلية، بل هي مدرسة أخلاقية بامتياز. "لا يمكنك الفوز وحدك"، قالها مرةً، مضيفاً "إنها لعبة جماعية تعلّمك التواضع، والاعتراف بأنك بحاجة إلى الآخر".
حثّ البابا اللاعبين الشباب دائمًا على تذكّر بداياتهم في الأحياء الفقيرة، والملاعب الترابية، حتى لا ينسوا جذورهم حين يصبحون نجوماً.
يوم الطفل العالمي: الركلة الأخيرة
-
البابا فرنسيس... عندما ترافقك كرة القدم إلى السماء -
شارك البابا فرنسيس شخصيًا في فعالية يوم الأطفال العالمي في ملعب الأولمبيكو بروما
على الرغم من تدهور صحته في سنواته الأخيرة، لم يتخلَّ البابا عن رسالته الرياضية.
في أيار/ مايو 2024، شارك شخصيًا في فعالية "يوم الأطفال العالمي" في ملعب الأولمبيكو بروما، كما استقبل أطفالًا فلسطينيين يعانون ظلم ووحشية الاحتلال الإسرائيلي.
ركل الكرة وسط ضحكات مئات الأطفال من أكثر من 100 دولة، مُعلِنًا للعالم أن الأمل لا يُركل خارج الملعب، بل يُركل في قلبه، ليرتدّ حياةً جديدة في عيون الصغار.
قدّاس في سان لورينزو: حين تبكي الملاعب
-
البابا فرنسيس... عندما ترافقك كرة القدم إلى السماء
في بوينس آيرس، وتحديدًا في كنيسة سان أنطونيو حيث تأسس نادي سان لورينزو، أُقيم قداس جنائزي على روحه، حيث تدفقت الجماهير بالآلاف.
لم يكن يوم وداع رجل دين فقط، بل يوم وداع مشجّع آمن بأن كرة القدم صلاةٌ أخرى، وركلة بين الأرض والسماء.
البابا وكرة القدم: الحكاية التي لا تموت
البابا فرنسيس، أو خورخي ماريو برغوليو، كان أكثر من زعيم روحي، كان عاشقاً شرساً لكرة القدم، يرى في اللعبة انعكاسًا للحياة نفسها: فرح، وحزن، وتعاون، وهزيمة، وانتصار.
ترك إرثًا إنسانيًا لا يُنسى، لا في الكتب فقط، بل أيضًا في الملاعب والمدرجات وقلوب من يؤمنون بأن ركلة كرة قد تكون في بعض الأحيان دعاءً صامتًا نحو السماء.