• 

تتخطى العلاقة العميقة بين كرة القدم و الكولومبيين حاجز مجرد كونها رياضة شعبية ولها قاعدة جماهيرية كبيرة، بل تتحول إلى كونها رابطاً كبيراً يجمع أبناء البلاد على اختلاف أفكارهم وانتماءاتهم ومراكزهم.

فلطالما كانت المودة الكبيرة التي يكنها الكولومبيون لكرة القدم، أو الـ "fútbol"، كما يسموها، متأصلة في نسيجهم، ثقافياً واجتماعياً، وتنعكس على سلوكهم وحياتهم.

تجسد كرة القدم حالة من الوحدة والفخر الوطنيين، ولها أهمية ثقافية جعلتها في مكانة قلب كولومبيا وروحها، وطريقة الحياة التي تجمع الناس جميعاً من شوارع العاصمة بوغوتا الصاخبة، وصولاً إلى القرى الجبلية البعيدة.

تجاوزت حالة الوحدة التي تصنعها كرة القدم في البلاد مجرد كونها رياضة جامعة، لتصبح حياةً وأملاً يجمعان الناس، وغراءً اجتماعياً قوياً يثبت ما بينهم من صلة وقرابة ومعرفة، بحيث تجعل الغرباء أعز الأصدقاء.

منذ نشأتها في كولومبيا، عملت كرة القدم على سد الفجوات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وباتت أرضية مشتركة يحتفل بحبها جميع الكولومبيين على اختلافهم، لتكون عاملاً مساعداً على خلق مجتمع محب أكثر تماسكاً.

في كولومبيا تلك البلاد التي عصفت بها العصابات والكارتيلات والفساد والمواجهات المسلحة والأيام الظلماء، كانت كرة القدم أحد أبواب النور التي فتحت من أجل العبور إلى بر الأمان.

وبات حب كرة القدم لا يقتصر فقط على مشاهدة المباريات فحسب، بل إنه تحول إلى حالة من الفخر والانتماء، ومحرك أساسي يدفع الكولومبيين إلى الوحدة فيما بينهم.

وكما هي الحال في كل نسخة من كوبا أميركا، يشارك أبناء كولومبيا وكلهم أمل في تحقيق إنجاز يذكر يرسم بسمة على وجه شعب ينتظر مشاهدة أولاده في منصة التتويج، للمرة الثانية منذ أكثر من 23 عاماً.

تاريخ مشاركات كولومبيا في كوبا أميركا

• 

تميزت رحلة كولومبيا في بطولة كوبا أميركا بعدد من الأحداث التاريخية، الجميلة والحزينة. وتُعَدّ نسخة عام 1975 أول انجاز تحقّقه كرة القدم الكولومبية في البطولة القارية بحيث نجحت في تحقيق المركز الثاني بعد الخسارة في المباراة النهائية أمام بيرو بنتيجة 0-1.

وعلى الرغم من الهزيمة فإن انجاز عام 1975 شكل دافعاً كبيراً أمام أناء بوغوتا للسعي مجدداً من أجل تحقيق اللقب الأول في تاريخهم.

وكانت ذروة النجاح الكروي الكولومبي في نسخة عام 2001، التي استضافتها البلاد، بحيث نجح صناع القهوة في معانقة اللقب القاري الأول بعد أن قدموا بطولة لا تُنسى، نجحوا خلالها في الفوز بجميع المباريات الـ6 في الوقت الأصلي، وكان لافتاً عدم تلقي مرمى كولومبيا أي هدف في البطولة.

وفي تلك الفترة امتلكت كولومبيا جيلاً مميزاً بقيادة لاعبين جيدين مثل إيفان كوردوبا وفيكتور أريستيزابال، الذي أنهى البطولة محققاً جائزة أفضل هداف.

وفي النسخ الأخيرة من بطولة كوبا أميركا شهد الحضور الكولومبي حالة من النسق المتسق، بحيث أنهى صناع القهوة بطولة عام 2016 و 2021 في المركز الـ3.

وعلى مستوى الأرقام التاريخية ظهرت كولومبيا في 23 نسخة من أصل 47 في بطولة كوبا أميركا، وكان الانتصار الأكبر لصناع القهوة على حساب فنزويلا بنتيجة 4-0 في عام 1979.

وكانت الهزيمة الأكبر في تاريخ مشاركات كولومبيا في البطولة القارية على يد البرازيل بنتيجة 0-9 في نسخة عام 1957.

كولومبيا في كوبا أميركا 2024

• 

أوقعت قرعة البطولة منتخب كولومبيا في المجموعة الـ4، رفقة كل من البرازيل، الباراغواي وكوستاريكا. وبالعودة إلى المنتخبات المشاركة تبدو مهمة صناع القهوة محفوفة بالمخاطر.

ونظراً إلى ما تملتكه البرازيل من أسماء مميزة في قائمتها، يبدو أن الصراع سيكون على المركز الثاني بين المنتخبات الثلاثة. فمنتخب كوستاريكا لطالما عود الجميع على تحقيق المفاجأة في البطولات.

وفي المقلب الآخر، تشهد المجموعة الرابعة صراعاً تاريخياً بين منتخب كولومبيا ومنتخب باراغواي، إذ سيخوض المنتخبان المباراة الـ 12 بينهما في بطولة كوبا أميركا.

وعلى مستوى الأرقام يتساوى المنتخبان في عدد الانتصارات بـ5 لكل واحد منهما، في حين انتهت مواجهة بالتعادل الإيجابي، ويأمل كل طرف منهما إنهاء التعادل والتقدم على مستوى المواجهات المباشرة.

نيستور لورينزو مجدِّد الثقة بالمنتخب

• 

كشف الأرجنتيني نيستور لورينزو، مدرب كولومبيا، عن هدفه بصورة واضحة، متمثلاً بالفوز في بطولة كوبا أميركا وإهداء البلاد لقبها القاري الثاني.

ولم يشكل تعيين لورينزو مدرباً للمنتخب، في 2حزيران/يونيو 2022، مفاجأة في الأوساط الكروية الكولومبية، فهو الذي عمل مساعداً لخوسيه بيكرمان في منتخب كولومبيا بين عامي 2012 و2018.

لكن ظروف وصول لورينزو إلى قيادة المنتخب الكولومبي كانت صعبة، إذ تمثلت أولى العقبات أمامه باستعادة الثقة بالمنتخب الذي فشل في الوصول إلى كأس العالم 2022 في قطر.

لكن، مع مرور الوقت، نجح لورينزو في ضبط الإيقاع بصورة جيدة. ومع وجود الاستقرار الفني بدأت النتائج تتحسن تباعاً ليحقّق رقماً قياسياً في تاريخ المنتخب، إذ لم يتعرض للهزيمة في 20 مباراة متتالية، بحيث فاز في 15 مباراة وتعادل في 5.

ولم يقتصر إنجاز لوينزو على المباريات الودية، بل كان الأداء الكولومبي في تصفيات كأس العالم 2026 مميزاً، بحيث انتصر على البرازيل 2-1 وتعادل مع الأوروغواي 2-2، كما فاز على باراغواي 1-0.

وتمكن المدرب الأرجنتيني من إيجاد توليفة مميزة تجمع بين خبرة اللاعبين الكبار، أمثال جايمس رودريغيز والحارس كاميلو فارغاس، وحماسة اللاعبين الشبان ككيفن كاستانيو وريتشارد رويس، مع تأمين الاستفادة القصوى من إمكانات جناح نادي ليفربول لويس دياز، الذي بات حجراً أساسياً في منظومة لوينزو الذي يثق بقدراته.

يمتلك المنتخب الكولومبي إمكانات جيدة نسبة إلى المنتخبات المشاركة في كوبا أميركا 2024، كما يحمل صناع القهوة دافعاً نفسياً كبيراً يجعلهم يخوضون جميع المباريات كأنها نهائيات. فهل ينجح الجيل الحالي في تكرار إنجاز عام 2001؟