لبناني يتحدى أزمة انقطاع الكهرباء بمبادرة مروحة خاصة

يؤكد محمد أن مبادرته تأكيد على الثقة بقدراتنا الذاتية، خصوصاً وأن بلادنا تتمتع بمميزات، وعناصر بيئية كافية لتوليد الطاقة من الطبيعة، مثل الهواء، والماء، والشمس وهي تطوير وبصمة لبنانية جديدة في قطاع استخدام الرياح.

  • لبناني يتحدى ظروف الكهرباء بمبادرة مروحة خاصة
    الشاب محمد سبسبي يتحدى الظروف

ضاقت الدنيا بالجميع في لبنان من دون أن ينجو أحد من تداعيات ما يجري من تأزم، وضغوطات بطريقة من الطرق.

يستسلم كثيرون لقدرهم، إذا جاز التعبير، لكن البعض يحاول كسر نطاق الأزمة بأي طريقة من الطرق، ومن هؤلاء الشاب اللبناني محمد سبسبي (25 سنة)  الذي اضطرته ظروفه المادية إلى أن يتجه للدراسة في غير ما يرغب، فقبل بدراسة الأدب الفرنسي بينما كانت اتجاهاته علمية. 

وفي متابعته الجامعية في الاختصاص الذي لا يحب، لكنه مطلوب للعمل، كما قال لـ"الميادين نت"، اضطرته الظروف للمتابعة عبر الأونلاين، على غرار مختلف الطلاب، بمستوياتهم الجامعية وما قبل.

كان ذلك مترافقاً مع أزمة فيروس كورونا، ثم الاحتجاجات التي واكبها قطع الطرق، وشلّ الحركة. لكن واقع بلده المزري، وضعه أمام مأزق عدم التمكن من متابعة دراسته، فالانترنت متقطع وضعيف لا يلبي الحاجة في حال توافر التيار الكهربائي، فكيف الحال، والتيار منعدم، ولا من طاقة متوفرة تتيح متابعة الدراسة بطريقة عادية.

كل ذلك دفع بمحمد للبحث عن بديل، بينما بدأت تنتشر ألواح الطاقة الشمسية التي لا يستطيع استخدامها بسبب ارتفاع أسعارها.

العودة إلى الجذور العلمية

عاد محمد إلى جذوره العلمية، والبحثية التي كان يطمح إليها، وراح يبحث معتمداً على ذاته عن بديل يتيح له الاستمرار، من جهة، وتحقيق ذاته، من جهة ثانية، والتركيز الذي يفرض نفسه عليه هو مصدرٌ للطاقة، يحل إشكالية الانترنت، وفقدان الكهرباء. 

لم يكن أمامه سوى المروحة الهوائية التي من شأنها أن تولّد الكهرباء، على ما توارد إلى معلوماته، وثقافته العلمية عبر السنوات.

  • لبناني يتحدى ظروف الكهرباء بمبادرة مروحة خاصة
    مروحة سبسبي

عندما فكّر محمد بمتابعة حل مشكلته بالمروحة الهوائية، لم تكن قد وصلت هذه المراوح إلى لبنان، وحتى لو وصلت في وقت لاحق، فهو لن يستطيع الانتظار، أولاً، ولن يكون بمقدوره الحصول عليها، ثانياً، مهما كان ثمنها مقارنة مع ألواح الطاقة الشمسية، إضافة لعدم التأكد من إنتاجيتها في حال توافرت في الأسواق.

يعرف محمد أن فكرة توليد الطاقة الكهربائية من الرياح أمر مطروح عالمياً، وتطبّق نظمه العديد من الدول إن لتوليد الطاقة للتغذية الاجتماعية الشاملة، أم للتغذية الفردية، لكنّ هذه الأمور لم تنتشر في بلده رغم الحديث عنها، ولم تنتشر علومها وثقافتها، وتجاربها رغم الحاجة لها.

وجد محمد في مروحة الرياح لتوليد الطاقة إمكانية حلّ لمشكلته، لكنّ ذلك دونه عقبات كثيرة تتعلق بكيفية تصنيعها، وشروطها، والمواد والتجهيزات التي تحتاجها، والكثير من المعطيات لوضعها موضع التنفيذ.\

تصاميم يدوية

محمد المحاصر من كل الجهات لم يكن أمامه لفك حصاره سوى البدء بالبحث، ودراسة البرمجة على ذاته، ثم وضع تصاميم المروحة، وكيفية تصنيعها يدوياً، والمواد التي تحتاجها، وجلها غير متوافر في السوق، وتكاليفها المادية غائبة عن قدراته جملةً، وتفصيلاً. لكن.. لا بدّ من خطوة أولى. اتّخذ قراره، وبدأ، ويقول في هذا الصدد: "الفكرة بدأت قبل نحو سنتين، وكنت خلال هذه المدة أبحث وأضع تصاميم عدة، وأختبرها رياضياً، لكن التنفيذ على أرض الواقع، لم يستغرق سوى أيام قليلة بعد نضوج الأبحاث والاختبارات".

  • لبناني يتحدى ظروف الكهرباء بمبادرة مروحة خاصة
    لبناني خلال عمله

أواخر أيلول/ سبتمبر 2022، بدأت مروحة محمد تعمل، وتدور على الرياح وفق السرعة والشروط التي وضعها فيها، وما حال دون تمكن المروحة من توليد الطاقة عدم توفر المولّد المطلوب في السوق، في الفترة التي تمكن فيها من إنجاز التوربين، وكان ذلك في شهر أيار /مايو 2022.

انتظر محمد إلى حين توفر المعدات اللازمة لانتاج الطاقة، وتوفر التمويل الذي كان عائقاً، كما قال. 

ارتفاع مروحة سبسبي بلغ 4,5 أمتار، والعرض من الشفرة للشفرة 3 أمتار، وارتفاع الشفرة هو ارتفاع نصف برميل بلاستيك، أي نحو  90 سم،  والبراميل هي المصدر الذي صنّع محمد منه الشفرات، وهو يعتبر أن هذه الشفرات أفضل أقلّه لإمكانية إعادة تدويرها، كما أن انحناء الشفرات له تأثير كبير، فقد ابتكر محمد طريقة انحناءة الشفرات بطريقة مزدوجة، أفقياً وعمودياً، فتؤمن بذلك قدرة حركة ودوران أكثر من سواها. 

تطوير "توربين"

ويمكن لمروحة سبسبي أن تتحمّل ضغط رياح أقوى من المراوح التي باتت رائجة، كما أن خفة وزنها تتيح لها التحرك على سرعة رياح بطيئة بمقدار متر واحد بالثانية، وكلما زادت السرعة زاد انتاج الطاقة. 

المشكلة الأساسية في تنفيذ المروحة هو في إيجاد المولد لـ "التوربين"، فالقطعة غير متوافرة في السوق اللبنانية، لذلك بحث محمد عن "توربين" آخر لا يتلاءم بالشكل مع المروحة، وأخذ منه المولد،  وأجرى التعديلات اللازمة كي يتسنى له العمل بسرعة، كما أن "التوربينات" المستوردة تعتمد على طريقة السحب، بينما "التوربين" الذي طوره يعتمد على تقنية الدفع التي تتيح حركة دوران أعلى.

  • لبناني يتحدى ظروف الكهرباء بمبادرة مروحة خاصة
    سبسبي طوّر طريقة الفحم الالكتروني

"التوربين" الذي طوّره محمد يُمَكِّنه من إنتاج 5 آلاف واط، لكن المحرّك الذي عثر عليه، جعله يقتصر على 1000 واط، وتطويره أكثر من ذلك ممكن، لكنه يحتاج لتمويل.  

نفّذ محمد من مروحته نسختين، واحدة لشخص يعيش في منطقة بعيدة نسبياً، والثاني له لقضاء حاجات دفعته للابتكار، ودعّم مروحته بلوحين للطاقة الشمسية. 

واخترع محمد جهاز الفحم الالكتروني لتشغيل النرجيلة على الكهرباء، مما يوفر ثمن الفحم، ويمنع أضراره. 

يختم محمد أن "مبادرته تأكيد على الثقة بقدراتنا الذاتية، خصوصاً وأن بلادنا تتمتع بمميزات، وعناصر بيئية كافية لتوليد الطاقة من الطبيعة، مثل الهواء، والماء، والشمس وهي تطوير وبصمة لبنانية جديدة في قطاع استثمار الرياح".

طموح محمد كبير في مجالات كثيرة لتوليد الطاقة، منها مياه البحر، وحركة السير على الطرقات، وسواها الكثير، لكن "الامكانات المادية، والتكنولوجية غير متوفرة، والتشجيع من قبل من يعنيهم الأمر معدوم"، كما قال.