العدالة والسيادة: مرتكزات حزب الله في بناء الدولة
يقدّم حزب الله رؤية سياسية وطنية متماسكة، لا تُبنى على ردود الأفعال أو المصالح الفئوية، بل على ثوابت تُعبّر عن فهم عميق لمعنى الدولة الحديثة.
-
العدالة، كما يراها حزب الله، ركيزة أساسية لبنية الدولة العصرية.
في زمنٍ لا يزال متراجعاً فيه حضور الدولة وتتزايد الأعباء على المواطن اللبناني، يقدّم حزب الله رؤيته لبناء دولة قوية لا تنهض على الشعارات، بل على مرتكزات واضحة ومحدّدة: العدالة والسيادة. إنها رؤية تتجاوز المواقف الظرفية إلى مشروع متكامل، يدمج بين حماية الكيان السياسي للبنان، وضمان حقوق مواطنيه من دون تمييز...
فالسيادة ليست مجرّد استقلال في الموقف السياسي، بل هي امتلاك القرار الحرّ، والتحرّر من الإملاءات الخارجية، والأهمّ: القدرة على حماية الأرض، والدفاع عن الموارد، والتمسّك بحقوق لبنان كاملة في مواجهة الاحتلال والاعتداءات. من هنا، يضع الحزب تحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلة، واستعادة الأسرى والمعتقلين في صلب أجندته، ليس باعتباره فعل مقاومة فقط، بل كشرط مسبق لأيّ حديث عن الدولة المستقلة القادرة.
يقدّم حزب الله رؤية سياسية وطنية متماسكة، لا تُبنى على ردود الأفعال أو المصالح الفئوية، بل على ثوابت تُعبّر عن فهم عميق لمعنى الدولة الحديثة: السيادة والعدالة كشرطين لا ينفصلان لأيّ نهوض حقيقي.
1 ـــــ السيادة: جوهر القرار الوطني
لا تنظر المقاومة إلى السيادة كمفهوم شكلي، بل كأحد أعمدة الاستقلال الفعلي. فالسيادة في هذا السياق، تعني امتلاك القرار الحرّ، وحماية الأرض، ورفض الإملاءات الخارجية، وتحرير ما تبقّى من أراضٍ محتلة، واستعادة الأسرى. هذه القضايا ليست تفاصيل في سياسة خارجية، بل جوهر وجود الدولة نفسها.
رفض التبعيّة والتدخّلات لم يكن يوماً شعاراً، بل هو خيار استراتيجيّ ترجمته المقاومة على الأرض، دفاعاً عن السيادة، وحفاظاً على كرامة اللبنانيين. وما من دولة حقيقية، إذا لم تكن قادرة على الدفاع عن حدودها وشعبها.
2 ـــــ العدالة: المعيار الأول لقيام الدولة
العدالة، كما يراها حزب الله، ليست توازنات طائفية أو مصالح حزبية، بل ركيزة أساسية لبنية الدولة العصرية. فحيث يغيب الإنصاف، تذوب الدولة في شبكات المصالح، وتتحوّل مؤسساتها إلى أدوات للتمييز والإقصاء.
من هذا المنطلق، يضع حزب الله على رأس أولوياته تعزيز استقلال القضاء وتحقيق الشفافية إضافة الى إصلاح الإدارة والمالية العامّة لمكافحة الفساد والهدر وإعادة الاعتبار للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن توفير بيئة متوازنة تنموياً، تُنهي التفاوت بين الأطراف والمركز.
المقاومة والإعمار رؤية متكاملة
وفي سياق متصل وضمن الرؤية المتكاملة لموضوعي المقاومة والإعمار فإنّ ما دأبت عليه قيادة حزب الله فيما تطرحه في هذا الإطار ليس خطاباً دفاعياً، بل هو نهج متدرّج لبناء الدولة على قاعدة التكامل بين قوة الردع، والتنمية الداخلية، والشراكة الوطنية. هذا النهج يقوم على ثلاث أولويات مترابطة:
1 ـــــ تحرير واستعادة السيادة، عبر إغلاق ملفات الاحتلال والأسرى، باعتبارها مدخلاً لكرامة الدولة.
2 ـــــ إعمار للمناطق المدمّرة كالتزام وطني لا منّة.
3 ـــــ خارطة نهوض شامل تُعيد هيكلة الاقتصاد، وتعالج الانهيار المالي والإداري، وتُطلق ورشة إصلاح مؤسسات الدولة.
ومن منطلق أن لا بناء للدولة من دون شراكة فإنّ النهج الذي يعتمده حزب الله يرتكز على الشراكة الفعليّة، فلبنان لا يُدار بالعزل السياسي ولا بتجاهل مكوّنات رئيسية في الحياة الوطنية. وأن لا تعارض بين من يقاوم دفاعاً عن الوطن، ومن يطالب بإصلاح الدولة، بل لا بدّ من الدمج بينهما ضمن خيار سيادي إصلاحي واضح. يحقّق الإنصاف، ويبني دولة تليق بشعبها.
يبقى السؤال: هل هناك من يملك الاستعداد الحقيقي لتجاوز الانقسامات والرهانات الضيّقة،
والانخراط في مسار الدولة القوية والعادلة؟ أم أنّ البعض لا يزال أسير هواجس قديمة، وأحلام لا مكان لها في توازنات الحاضر؟