انقلاب النيجر في ميزان القلق الإسرائيلي

يتمثل الاهتمام الإسرائيلي بالقارة الأفريقية بكون دولها تمتلك أكبر موارد المعادن والمياه والنفط والغاز.

  • النيجر
    النيجر

تعدّ أفريقيا من أكثر القارات تفتتاً من الناحية السياسية، إذ تضم أكثر من 50 كياناً سياسياً، وهي أكثر القارات مواجهةً للاستعمار، وآخر قارة انكشف عنها. ومثلما كانت أرض صراع وتحدٍ أيديولوجي بين الشرق والغرب، أضحت اليوم ساحة تتنافس عليها مختلف القوى الإقليمية والعالمية.

وإذا كان اهتمام العالم بأفريقيا يتزايد، فإنّ "إسرائيل"، ولأسباب عديدة، اهتمت بها وأنشأت من أجلها مراكز بحوث ومعاهد متخصصة بالدراسات الأفريقية، وحرصت على إقامة علاقات استراتيجية مع دولها. وحتى لو تراوحت هذه العلاقات بين مراحل المد والجزر، والصعود والهبوط، إلا أن عينها ظلت مفتوحة على هذه القارة السمراء.

كانت أولى علاقاتها الدبلوماسية في أفريقيا مع غانا عام 1956، تلتها علاقات مماثلة مع معظم بلدان جنوب الصحراء. وبحلول أواخر الستينيات، كانت تربطها علاقات دبلوماسية كاملة مع 33 دولة أفريقية.

وفي أعقاب حرب 1967، بدأت العلاقة بالتراجع بفعل التحرك الدبلوماسي العربي حتى وصلت إلى حدود القطيعة شبه الكاملة عام 1973، لترفع الدول الأفريقية شعار "مصر أفريقيا وأفريقيا مصر"، لكن هذا الخرق للتكتل الأفريقي وراء الدول العربية ومصر جاء من مصر نفسها، فبعما وقعت معاهدة "سلام" مع "إسرائيل"، وتبعتها في ذلك دول عربية أخرى، سألت الدول الأفريقية نفسها: هل نكون ملكيين أكثر من الملك؟

منذ نهاية الثمانينيات، بدأت العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأفريقية تُستأنَف تدريجياً، مكتسبةً دفعة بتقدم مفاوضات التطبيع بين "إسرائيل" وجاراتها العربية. وبحلول أواخر التسعينيات، كانت العلاقات الرسمية قد استؤنفت من جديد مع 39 دولة أفريقية.

يتمثل الاهتمام الإسرائيلي بالقارة الأفريقية بكون دولها تمتلك أكبر موارد المعادن والمياه والنفط والغاز، إضافة إلى موقعها الجيوسياسي من خلال مضائقها وممراتها المائية، وخصوصاً منطقة البحر الأحمر، وهذا ما برز من خلال الحرب اليمنية وسيطرة "أنصار الله" عليه وما يشكله من خطر استراتيجي على الأمن القومي الإسرائيلي عسكرياً واقتصادياً، إضافة إلى نهر النيل الذي يعتبر مورداً حيوياً في أدبيات بن غوريون وما يعرف بحدود "إسرائيل من النيل إلى الفرات"، إضافة إلى وجود عدد كبير من "يهود الشرق" في الكيان الصهيوني الذين يعد أكثرهم من يهود القارة الأفريقية وما يشكلونه من قوة ديموغرافية لأي تشكيل سياسي في الكيان.

بناءً على ذلك، وللدلالة على أهمية القارة الأفريقية في استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، يقول وزير الخارجية الإسرائيلية السابق أفيغدور ليبرمان: "على إسرائيل بصفتها دولة قوية اقتصاديّاً، وعضواً في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD، استثمار الأموال في المساعدات الخارجية. وفي الحالة الأفريقية، سوف يأتي لها ذلك بفوائد اقتصادية وسياسية، لكون أفريقيا هدفاً مهماً من أهداف السياسة الخارجية الإسرائيلية".

ويقر عاموس يادلين، رئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق، بمساعدة بلاده للانفصاليين في الجنوب بقوله إن رجاله "أنجزوا عملاً عظيماً في السودان، بنقل أسلحة لهم وتدريبهم ومساعدتهم على إنشاء جهازي أمن واستخبارات، ونشر شبكات إسرائيلية في كل من الجنوب ودارفور قادرة على العمل المستمر".

مع بداية "الربيع العربي"، بدأ القلق الإسرائيلي من اندلاع "الثورات" بداية من تونس، لكنه كان متفاوتاً. أما القلق الأول، فبرز في اهتمام الخبراء بتغير النظام في مصر بما تشكله من موقع جيوسياسي في القارة الأفريقية، ونظراً إلى موقفها من الصراع العربي الإسرائيلي.

في 26 تموز/يوليو، أعلن رئيس الحرس الجمهوري النيجري نجاح الانقلاب الذي قام به مع بعض الضباط، إذ شكل هذا الانقلاب قلقاً للاعبين الدوليين، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، إذ تعتبر النيجر ساحة تنافس دولية بين الدول الغربية من جهة وروسيا من جهة أخرى، وكان لهذا للانقلاب صداه في "تل أبيب" بين صناع القرار، وخصوصاً أن التحركات في القارة الأفريقية منذ "الربيع العربي" حتى انفصال جنوب السودان كانت موضع اهتمام.

بناء على ذلك، يشير الباحث أشير فردمان في صحيفة "مكور ريشون" الإسرائيلية إلى أن الانقلابات في أفريقيا يجب أن تقلق "إسرائيل"، ويضيف: "كيف يتعين على إسرائيل الاستعداد؟ تعاني النيجر مشكلات حادة في الصحة والغذاء والمياه. يجب على "إسرائيل" فحص إمكانية تقديم مساعدة إنسانية لها في هذه المجالات بالتنسيق مع دول الغرب، والعمل بطرق بعيدة عن الأنظار مع الحكام الجدد بشأن كل ما له علاقة باستمرار محاربة الإرهاب الجهادي".

ويضيف: "يجب ألّا تبقى إسرائيل لامبالية حيال التطورات التي تجري في منطقة الساحل عموماً، وفي النيجر خصوصاً، ويتعين عليها العمل للمحافظة على مصالحها الأمنية، وعلى زخم اتفاقات أبراهام".