رحلة نتنياهو من "سحق حماس" إلى العزل والمحاكمة

ما حجم التهم الجنائية الموجهة إلى بنيامين نتنياهو، ولماذا تصل عقوبتها إلى 20 عاماً؟ ومن هم 300 شاهد الذين سيشهدون ضده؟

  • بنيامين نتنياهو.
    بنيامين نتنياهو.

أخيراً، قرر القضاء الإسرائيلي محاكمة رئيس وزراء كيانه، على الرغم من استمرار الحرب على غزة. فقد أصدرت محكمة القدس قراراً بمحاكمة بنيامين نتنياهو خلال مدة أقصاها 60 يوماً، في تهم جنائية تصل عقوبتها إلى أكثر من 20 عاماً.

في بيان رسمي قالت المحكمة "إن النيابة العامة في إسرائيل قدمت لها أكثر من 300 شاهد بهدف إثبات التهم على بنيامين نتنياهو". وعندما سألت الصحافة الإسرائيلية القيادات السياسية في الكيان حول موافقتهم على محاكمة نتنياهو رغم استمرار الحرب في غزة، أتى ردهم أن "إصرار نتنياهو على الاستمرار في حرب غزة أصبح خطراً على دولة اسرائيل، وأن حرب غزة ستوقع إسرائيل نفسها وليس كما يدّعي نتنياهو أنها ستوقع حماس". لذلك، يجب أن يخضع "البيبي نتنياهو" للمحاكمة والعزل من منصبه ويُسجن عقاباً له على الغباء السياسي والعسكري. 

ما حجم التهم الجنائية الموجهة إلى بنيامين نتنياهو، ولماذا تصل عقوبتها إلى 20 عاماً؟ ومن هم 300 شاهد الذين سيشهدون ضده؟ ما قصة قرار محاكمته في اليوم نفسه الذي ذهب فيه وزير الشؤون الاستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية إلى أميركا بهدف مناقشتهم في قرار إنهاء الحرب في غزة؟ مصادفة غريبة أن القرارين صدرا في اليوم نفسه.

أربع تهم كفيلة بإيقاع رئيس وزراء "إسرائيل" 

بدأت القصة عام 2019، عندما وجه المدعي العام الإسرائيلي أربع تهم جنائية إلى نتنياهو. التهمة الأولى كانت فساداً مالياً مقابل تسهيلات حكومية (قبض رشى من رجال أعمال مقابل إرساء صفقات وتسهيل إجراءات).

أما الثانية، فارتكابه بنفسه جريمة تقديم رشوة إلى صحيفة "يديعوت أحرونوت" مقابل تحسين صورته وصورة زوجته سارة في المجتمع الإسرائيلي بهدف كسب الانتخابات. كانت الرشوة عبارة عن تحجيم الصحيفة الأولى المنافسة لها "إسرائيل هيوم" عن طريق تقليل توزيع عددها ومنع صحفييها من دخول المباني الحكومية، وحرمانهم من التصريحات الوزارية بحيث يضمن لها أي سبق صحفي.

أما التهمة الثالثة فكانت أيضاً دفع رشوة قيمتها 2 مليار شيكل (نصف مليار دولار) إلى رجل الأعمال الإسرائيلي شاؤول ألوفيتش، صاحب شركة اتصالات "بيزك". لكن الأهم من ملكيته لهذه الشركة، هو امتلاكه موقع "والا" الإسرائيلي الإخباري، حيث أراد نتنياهو منه أن ينشر أكثر من حملة صحافية لتحسين صورته وصورة زوجته في المجتمع الإسرائيلي أيضاً بسبب الانتخابات. هل دفع بنيامين 2 مليار شيكل من جيبه الخاص؟ كلا، بل أهدى ألوفيتش صفقات حكومية تخوّله كسب مبلغ بقيمة 2 مليار شيكل. والتهمة الأخيرة، استغلال منصبه لابتزاز مجموعة من رجال الأعمال عبر تقديمهم مجوهرات لزوجته في صورة هدايا تصل قيمتها إلى ربع مليون دولار.

 تصل عقوبة كل قضية من قضايا الرشوة إلى 10 سنوات سجن، أما عقوبة كل قضية من قضايا الاحتيال والفساد فتصل إلى ثلاث سنوات ليتجاوز مجموعها 20 عاماً.

ليست هذه المرة الأولى في تاريخ الكيان التي يتم فيها سجن رئيس الوزراء؛ فقد سُجن قبله رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت في قضيتين: الأولى رشوة والثانية إساءة استغلال نفوذ بعد محاولته تخويف مدير مكتبه كي لا يشهد ضده. تمت محاكمته وبعد تخفيف الحكم سُجن سنة وسبعة شهور في سجن الرملة. وللمصادفة، سجن الرملة من بين السجون التي يوجد فيها الأسرى الفلسطينيون، "إسرائيل" سجنت فيه رئيس وزرائها السابق شخصياً.

لم تصدر النيابة العامة فقط قراراً بمحاكمة نتنياهو، بل جمعت له أكثر من 300 شاهد لكي يشهدوا ضده في المحكمة. الرقم الدقيق هو 333 شاهداً وليسوا شهوداً عاديين بل منهم وزير العدل السابق، رئيس جهاز الموساد السابق، رئيس جهاز الشاباك السابق، وزيرة الخارجية السابقة، والمفاجأة ابن عمه دافيد شيمرون. 

خرج نتنياهو بعد تلقيه التهم على موقع "أكس" وكتب تغريدة "عندما يكون الاتهام حقيقياً لا تحتاج إلى 333 شاهداً وعندما يكون الاتهام غير حقيقي لن يفيد الشهود حتى ولو كانوا 333 شاهداً". فما كان من النيابة العامة في "إسرائيل" إلا أنها سلمت المحامي تسجيلات صوتية لنتنياهو نفسه وهو يتفق مع مساعديه على تفاصيل الرشى وعمليات الكسب غير المشروع التي نفذها.

طوق نجاة بنيامين الوحيد: بيت العنكبوت يحترق

قد يتساءل البعض كيف أحضرت النيابة العامة تسجيلات نتنياهو المسربة. لقد قرر مساعدوه أن يقلبوا الطاولة عليه عبر خيانتهم له والدليل تسجيلهم لكل كلمة صرّح بها في جلساته؛ وعندما حصلت حرب غزة قاموا بتسريب التسجيلات وسلموها إلى المحكمة. منذ اليوم الأول، كان نتنياهو يعلم عدم قدرته على الهروب من هذه الاتهامات، لذلك حله الوحيد كان إطالة حكمه بهدف حماية نفسه بحصانة منصبه كرئيس وزراء.

هذا ما دفعه حينها إلى امتلاك أغلبية الكنيست؛ لكنه خسر الأغلبية حتى قبل يوم 7 أكتوبر، الأمر الذي أدى إلى حل الكنيست أربع مرات. بقي لديه حل أخير وهو تقسيم الحكم بينه وبين بني غانتس الذي كان حينها زعيم حزب سياسي معارض، سنة ونصف له وسنة ونصف لغانتس. 

 سعى إلى هذه الخطة بهدف تحسين شعبيته وسيطرته على التظاهرات؛ حينها أطلق المستوطنون عليه اسم Crime minister أو الوزير المجرم بدل Prime minister أو رئيس الوزراء. لكن خطة غانتس فشلت بعد أن رفض نتنياهو تسليمه الحكم بعد السنة والنصف الأولى. وهذا كان السبب الرئيسي في سرّ العداء بينهما الذي استمر إلى يومنا هذا.

أما عن سبب اختيار النيابة العامة أكثر من 300 شاهد، مع العلم بأنه كان يمكنهم الاكتفاء بشاهدين فقط؛ ففي عام 2021 أحضرت النيابة العامة شاهدين ليشهدا ضد بنيامين، الأمر الذي دفعه إلى تكليف فرقة اغتيالات لمراقبتهما واغتيالهما عبر إيقاعهما في حادث مفاجئ في طائرة. فقررت النيابة أخذ حذرها من تكرار الماضي عبر إحضار أكثر من شاهد، بينهم شخصيات ذات شأن كبير مثل رئيس الموساد، رئيس الشاباك. ومرة جديدة، جاء رد فعل نتنياهو بتقديمه حرب غزة حجة أخرى للتهرّب؛ ليصل الأمر إلى استدعائه من قبل المحكمة الإسرائيلية 4 جلسات في الأسبوع إلى حين الانتهاء من 300 شاهد. 

الغريب في الموضوع أنه في اليوم نفسه خرج وزير المالية سموتريتش وبلغ نتنياهو في خطاب رسمي أنه غير قادر على الاستمرار أكثر من 60 يوماً على حرب غزة، بمعنى آخر أمامك 60 يوماً لتعلن عن نهاية الحرب.

وللمصادفة، أنه في اليوم نفسه رفضت أميركا إرسال طائرات أباتشي إلى "الجيش" الإسرائيلي بعد إرساله وزير الشؤون الاستراتيجية. حاول نتنياهو تنفيذ مناورة سياسية أخيرة لإنهاء الحرب وتحرير الأسرى كنوع من إرضاء الشعب الإسرائيلي؛ وذلك عبر مفاوضة القيادات السياسية ليحصل على عفو رئاسي أو حتى تنفيذ اتفاق لتبادل السلطة مثل مرحلة اتفاقه مع بني غانتس. 

تقارب مصري-إيراني هدفه عزل "إسرائيل"

قدمت مصر مؤخراً مبادرة تشكيل حكومة تكنوقراط من حركة فتح وحماس بهدف تقسيم الحكم في غزة والضفة الغربية؛ وافقت حماس مبدئياً مقابل إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار وتبييض السجون.

ولكن يبقى الدليل الأكبر نحو توجهنا في مسار نهاية الحرب، التقارب المصري-الإيراني الذي يؤكد أن أرقام المعادلة تتغير في المنطقة ككل. ففي الأمس، تبقى أمام الكيان خطوة واحدة لتطبيع العلاقات مع السعودية ليحقق فيها هدفه الأول والأخير؛ وحتى أنه نجح في إشراك مصر والسعودية في حالة عدائه مع إيران.

أما اليوم، فالأمور تغيّرت فهذه الدول تتجه نحو مساع تقاربية لتبقى "إسرائيل" وحدها في مواجهة الحرس الثوري الإيراني، خاصة بعد استهدافهم أحد أكبر قادة الحرس الثوري الشهيد رضي موسوي. ضريبة أخرى يدفعها نتنياهو بعد إعلانه الحرب على غزة؛ فلو لم تكن حربه على غزة لما كان التقارب المصري-الإيراني سيحصل في المستقبل القريب.