طريق الحرير الرقمي: الصين والدول العربية ترسم معاً صورة جديدة للتحوّل الرقمي

لم يكن التعاون الرقمي الصيني العربي لعبة محصّلتها صفر، بل استكشاف مشترك قائم على الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة.

  • الصين والدول العربية ترسم معاً صورة جديدة للتحوّل الرقمي.
    الصين والدول العربية ترسم معاً صورة جديدة للتحوّل الرقمي.

في مركز القيادة الذكية للمرور في العاصمة السعودية الرياض، تتقافز تدفّقات البيانات الحمراء والصفراء والخضراء على الشاشة العملاقة في الوقت الفعلي. هذا النظام الذكي، الذي طوّرته هواوي بالتعاون مع شركة الاتصالات السعودية، قد قلّص أوقات الازدحام المروري بنسبة 40% في هذه المدينة التي يقطنها 6 ملايين نسمة.

هذه صورة مصغّرة للتعاون الرقمي الصيني العربي: عندما تلتقي موجات التحوّل الرقمي في شبه الجزيرة العربية بـ "طريق الحرير الرقمي"، تبني الصين والدول العربية عبر الممارسات المتبادلة في التكنولوجيا والصناعة وتبادل النتائج، مجتمعاً تعاونياً رقمياً يتجاوز الحضارات.

مع تقدّم "عام التعاون في الاقتصاد الرقمي" ضمن إطار منتدى التعاون الصيني العربي بحلول 2025، والتطبيق العميق لنظام بيدو للملاحة في العالم العربي والابتكار المشترك لتقنيات "G5/G6"، يكتب هذا الرباط الرقمي الآسيوي الأفريقي فصلاً جديداً للتنمية الشاملة.

أولاً: عام التعاون في الاقتصاد الرقمي: تنمية نظام بيئي تكنولوجي متكامل

في موقع مشروع حصيان للطاقة النظيفة بدبي، يقوم المهندسون بضبط نظام المراقبة الذكية لمحطة الطاقة الشمسية الذي طوّرته المختبرات الصينية العربية المشتركة. حيث رفعت خوارزميات الذكاء الاصطناعي دقّة توقّعات إنتاج الكهرباء إلى 95%، وخفّضت معدّل أعطال المعدات بنسبة 30%.

كأحد النتائج الأساسية لـ "عام التعاون في الاقتصاد الرقمي" الذي يحرّكه منتدى التعاون الصيني العربي لعام 2025، اكتمل إنشاء 15 مختبراً مشتركاً بين الصين والمملكة العربية السعودية والإمارات ومصر و8 دول أخرى. يعمل المختبر الصيني السعودي للذكاء الاصطناعي في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على تطوير طائرات زراعية من دون طيار ملائمة للبيئة الصحراوية، مما رفع إنتاجية الهكتار من القمح بنسبة 18%. بينما يستخدم المختبر الصيني المصري للبيانات الكبيرة في الإسكندرية نموذج بيانات مراقبة جودة مياه النيل، لمساعدة 5 ملايين من سكان الضفة على التنبؤ بمخاطر التلوّث المائي قبل 24 ساعة.

هذا الابتكار التكنولوجي المتجذّر في الخصائص الجغرافية والصناعية لشبه الجزيرة العربية، قد كسر نمط "النقل الجاهز" في التعاون التقليدي. في الدوحة القطرية، قلّصت منصة تسويق تجارة الطاقة التي طوّرها المختبر الصيني القطري لتقنية البلوك تشين زمن المعاملات العابرة للحدود للغاز الطبيعي المسال من 72 ساعة إلى 6 ساعات، مستفيداً 30% من تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية.

في مسقط العمانية، ساعد نظام المراقبة البحرية الذي نشرته مختبرات "5G" الصينية العربية التعاونية للثروة السمكية، عبر تكنولوجيا بيدو للملاحة وأجهزة استشعار جودة المياه، في خفض معدل الصيد الجانبي للأسماك النادرة بنسبة 65%.

علّق وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحة قائلاً: "لم يجلب الشركاء الصينيون حزماً تكنولوجية قياسية، بل حلولاً رقمية مخصّصة للمناخ الصحراوي والاقتصاد القائم على الطاقة. هذه التقنيات تنمو على ضفاف الخليج وحواف الصحراء الكبرى جذوراً ابتكارية محلية".

 ثانيًا: نظام بيدو: وضع إحداثيات ذكية للأراضي العربية

في حقول دلتا النيل المصرية، تجري الجرّارات الزراعية ذاتية القيادة المزوّدة بأجهزة بيدو عمليات البذار على مسارات دقيقة، حيث رفع هذا النظام الذي طوّرته مجموعة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية بالتعاون مع وزارة الزراعة المصرية كفاءة البذار بنسبة 50%، وقلّص هدر البذور بنسبة 40%.

في 2025، شهد تطبيق نظام الملاحة الفضائي بيدو في الدول العربية فترة ازدهار: في أبو ظبي الإماراتية، غطت شبكة الخدمات اللوجستية الذكية القائمة على بيدو 200 نقطة لوجستية وطنية، خفّضت معدل فساد المنتجات الزراعية الطازجة من 22% إلى 7%. عند حواف الصحراء التونسية، وفّرت أجهزة بيدو للرسائل القصيرة تحديد الموقع المباشر وتحذيرات الكوارث للبدو، وعندما ضربت عاصفة رملية قوية صيف 2025، أخلت 30 ألف راعٍ عبر رسائل الأقمار الصناعية قبل 12 ساعة، محقّقة صفر إصابات.

أصبح هذا "المنارة الفضائية" الصينية الأصل عموداً أساسياً للبنية التحتية الرقمية العربية. في البصرة العراقية، ساعد نظام تعزيز بيدو الأرضي في تحقيق تحديد موقع معدات حقول النفط بدقة سنتيمترية، رافعة كفاءة استخراج النفط الخام بنسبة 25%.

في ميناء الدار البيضاء المغربي، جمع بين ملاحة بيدو وأنظمة الموانئ الآلية لتحقيق حجم مناولة حاويات يتجاوز 9 ملايين وحدة معيارية، متصدّراً قائمة أكبر 20 ميناء عالمياً. أشار تقرير التعاون التقني لجامعة الدول العربية إلى أن تطبيقات بيدو في 12 مجالاً رئيسياً في العالم العربي، تشكّل الزراعة الدقيقة واتصالات الطوارئ وإدارة الموانئ الذكية 85% من المجالات الحياتية، حيث تثمر فلسفة "تمكين التنمية بالتكنولوجيا" على ضفاف البحر الأحمر وسهول الرافدين.

 ثالثًا: تعاون "G6/G5": بناء أساسات اتصالات المستقبل

في مستشفى "5G" الذكي بالكويت، أجرى الأطباء عملية استئصال مرارة لمريض يبعد 200 كم عبر روبوت جراحي عن بعد توفّره هواوي، حيث ضمنت خاصية التأخير المنخفض لشبكة "5G" (أقلّ من 10 مللي ثانية) دقّة العملية. هذه إحدى النتائج الرمزية للتعاون التقني الصيني العربي.

بحلول 2025، أقامت الشركات الصينية 350 ألف محطة "5G" في الدول العربية، تغطي المدن الرئيسية مثل السعودية والإمارات ومصر، حيث رفع حل مدينة "5G" الذكية الذي أطلقته هواوي مع STC السعودية سرعة استجابة الخدمات العامّة بالرياض بنسبة 60%.

الأكثر إثارة للاهتمام، بدأ التعاون الاستباقي الصيني العربي في مجال "6G": يركّز مركز أبحاث "6G" المشترك بين أكاديمية بحوث الاتصالات الصينية ومجموعة اتصالات الإمارات (اتصالات) على تطبيقات اتصالات تيراهيرتز في البيئات الصحراوية، مستهدفين تحقيق نقل بسرعة فائقة تصل إلى 100 جيجابت/ثانية.

يعيد هذا التعاون التكنولوجي المفتوح كتابة مشهد الحوكمة الرقمية العربية. صرّح وزير الاتصالات المصري عمرو طلعت قائلاً: "إنّ نقل التكنولوجيا الصينية في مجالات (G5/G6) ليس احتكارياً، بل هو بناء مشترك للبنية التحتية الرقمية. حيث فتحت هواوي 1200 ترخيص براءة اختراع (5G) للشركات المصرية، مساعدة الشركات المحلية على إتقان التقنيات الأساسية بسرعة". في الجزائر، درست كلية تقنيات الاتصالات التي أقامتها زيتي (Zaiti) بالتعاون مع الجامعات المحلية 3000 مهندس "5G". في البحرين، قدّم المعيار المشترك الصيني العربي "معيار مشاركة طيف (5G) لدول الخليج" نموذجاً قابلاً للتكرار لإدارة الطيف، رافعاً كفاءة استخدامه بنسبة 35%.

من الحقول النفطية الذكية على الخليج إلى مناطق الري الرقمية على النيل، يحمل كلّ مشروع تعاون رقمي صيني عربي بصمة "التشاور المشترك والبناء المشترك".

لم تعتبر الصين التعاون التقني تصديراً أحادياً، بل تعاونت مع الدول العربية لاكتشاف الاحتياجات المحلية: ضمن إطار رؤية السعودية 2030، شاركت الشركات الصينية في بناء البنية التحتية الرقمية لمدينة نيوم المستقبلية، مدمجة تقنيات التكيّف مع المناخ الصحراوي وأنظمة إدارة الطاقة الخضراء؛ في استراتيجية "الدولة الرقمية" المصرية، حملت المنصة السحابية الحكومية التي أقامتها شركات الحوسبة الصينية 80% من بيانات الخدمات المدنية الوطنية.

لم يرفع هذا التعاون المستوى الرقمي العربي فحسب، بل شيّد منصة حوار حضاري عبر التكنولوجيا. بينما يدرس الشباب الإماراتي الذكاء الاصطناعي في أكاديمية هواوي للشرق الأوسط، ويبحث المهندسون الصينيون تقنيات تخزين الطاقة الشمسية الصحراوية في تونس، تحقّق الحضارتان حواراً عميقاً عبر طريق الحرير الرقمي.

كما يقول المثل العربي: "الذي يمشي وحده يصل بسرعة، والذي يمشي مع الجميع يصل إلى أبعد". لم يكن التعاون الرقمي الصيني العربي لعبة محصّلتها صفر، بل استكشاف مشترك قائم على الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة.

من محطات "5G" إلى أقمار بيدو، من المختبرات المشتركة إلى وضع المعايير، تثبت هذه النتائج الملموسة: الهدف النهائي للتحوّل الرقمي هو تمتّع كلّ فرد وكلّ أرض بثمار التكنولوجيا. عندما يجد بدو الصحراء مصادر المياه عبر ملاحة بيدو، وعندما يربط روّاد الأعمال الخليجيون الأسواق العالمية عبر المنصات الرقمية، يثبت طريق الحرير الرقمي الصيني العربي بالأفعال: القوة المستقرة الخيّرة لا بدّ أن تبني بالتقنية جسوراً، وتجعل الشمولية أمنية، وتبني في حوار الحضارات طريقاً ملكياً للتنمية المشتركة.