عديلة هاشم: اليمنية التي أحرجت "إسرائيل" في المحكمة الدولية

هل محكمة العدل الدولية قادرة على وقف حرب "إسرائيل" على غزة؟ ما أقصى عقوبة يمكن أن تحكم الكيان؟ ولو حكمت، من سينفّذ العقوبة؟

  • من هي عديلة هاشم؟
    من هي عديلة هاشم؟

في الأيام الماضية، شاهد العالم محامي جنوب أفريقيا وهم يحاكمون "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية، ولكن وسط متابعتنا المحاكمة، لاحظنا امرأة بملامح عربية ترافع وتوجه الاتهامات إلى حكومة العدو، ولم يستطع أحد إيقافها أو حتى مجاراتها في مرافعتها. 

تُدعى هذه السيدة عديلة هاشم علي محمد المشرقي، وهي محامية من جنوب أفريقيا أصولها يمنية، بعد مهاجرة جدها اليمني نحو بريطانيا، ثم ذهابه إلى جنوب أفريقيا، حيث قرر الاستقرار. وُلدت عديلة في مدينة ديربن شرق جنوب أفريقيا عام 1972. وبعد حيازتها بكالوريوس القانون عام 1995، تسجلت عضواً في نقابة المحامين في جوهانسبرغ عام 2003. 

أكملت دراستها العليا إلى حين حصولها على دكتوراه في الحقوق والقانون من أميركا. عاشت وترعرعت في جو مشحون مليء بذكريات الفصل العنصري ومشاعر التحرر والحريات، فكان من الطبيعي تأثرها وتشبّعها بمشاعر التعاطف مع القضايا الإنسانية، كيف لا وهي ابنة بلد نيلسون مانديلا!

أول بذرة نبتت في قلب عديلة

ترأست عام 2018 لجنة التحقيق في قضايا فساد ضد رئيس جنوب أفريقيا شخصياً، ومن ثم أسَّست مراكز ومنظمات لدعم العدالة الاجتماعية. عام 94، حصل التحوّل الحقيقي في حياة عديلة هاشم حين قتل مستوطن إسرائيلي 29 شهيداً فلسطينياً وجرح 150 آخرين في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل أثناء تأديتهم الصلاة، فيما عُرف في وقتها بمجزرة الحرم الإبراهيمي.

ومن شدة بشاعة الإرهابي، خرجت تظاهرات في جنوب أفريقيا بهدف الضغط لفتح شارع الشهداء الذي يصل إلى قلب الحرم الابراهيمي. بعد المجزرة، أقفل "جيش" العدو الإسرائيلي الشارع الوحيد الذي يؤدي بالمصلين إلى الحرم، بدل محاكمته المستوطن الإسرائيلي وتأمين الحرم الإبراهيمي للمصلين. عُرف هذا الشارع بشارع الشهداء، ومُنع أحد من العبور باستثناء المستوطنين الإسرائيليين، إلى درجة تحويل المواقف الموجودة في هذا الشارع إلى قاعدة عسكرية لمنع الشعب الفلسطيني من تأدية الصلاة.

حينها، اكتفت الحكومات العربية ببيانات الإدانة، لتبرز دولة جنوب أفريقيا برأي آخر؛ فقد قررت مساعدة الفلسطينيين عبر تنظيم مسيرات كبرى، ووصل الأمر إلى سفر المواطنين الأفريقيين إلى فلسطين المحتلة لتنظيم مسيرات للضغط على الاحتلال لفتح شارع الشهداء. 

كانت عديلة هاشم من مواطني جنوب أفريقيا. تأثرت بهذه المجزرة وقررت المشاركة في هذه المسيرات. وفعلاً، سافرت إلى فلسطين وشاركت في المسير الذي كان أول بذرة نبتت في قلبها تجاه القضية الفلسطينية. توّجت عديلة هذه البذور عام 2024، عبر ترؤسها فريق محامي جنوب أفريقيا بهدف محاكمة الكيان بتهمة الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني. وقفت عديلة يوم 11 كانون الثاني/يناير في محكمة العدل الدولية، وقدمت دعوى قضائية مؤلفة من 84 صفحة مفصلة عن كل الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في حقّ السكّان المدنيين داخل قطاع غزة. 

للمرة الأولى: "إسرائيل" تواجه الخطر في المحكمة الدولية

براعة عديلة في المرافعة دفعت محامي الدفاع عن الكيان إلى شعوره بالتوتر إلى درجة ضياعه في ترتيب أوراق دفاعه لكثرة الاتهامات الموجهة إلى العدو.

هل محكمة العدل الدولية قادرة على وقف حرب "إسرائيل" على غزة؟ ما أقصى عقوبة يمكن أن تحكم الكيان؟ ولو حكمت، من سينفّذ العقوبة؟ لأول مرة نشاهد" إسرائيل" مرعوبة بهذا الشكل، إلى درجة أن عنوان مانشيت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" كان: "يجب أن نقلق. إسرائيل تواجه الخطر أمام محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية في غزة".

في هذا السياق، سنعرض 3 مفاجآت؛ الأولى تعتبر "إسرائيل" من مؤسّسي محكمة العدل الدولية في خمسينيات القرن الماضي. أما المفاجأة الثانية، فتظهر في اتفاقية الحماية من جريمة الإبادة الجماعية التي وضعت خصيصاً لحماية "إسرائيل" بعد محرقة الهولوكوست في أيام الحرب العالمية الثانية، أي أن هذه الاتفاقية التي تُحاكم" إسرائيل" بسببها الآن كانت موضوعة بشكل خاص لحمايتها، ومرسومة على مقاسها لكي تحميها من جيوش العالم.

أما المفاجأة الثالثة، فاقتضت بتوقيع السلطة الفلسطينية على اتفاقية الإبادة الجماعية عام 2014؛ أي أنها تستطيع تقديم شكوى في محكمة العدل الدولية ضد "إسرائيل"، إلا أن الأمر غير الغريب هو عدم محاولة تقديم السلطة برئاسة محمود عباس في كل تاريخها محاكمة "إسرائيل" على جرائمها.

على مدار تاريخ الكيان منذ عام 48 إلى يومنا هذا، لم تجرؤ دولة في العالم على محاكمة الكيان أو التقدم ضده بأي إجراء قانوني داخل محكمة العدل الدولية. لذلك، ما يحصل من ناحية جنوب أفريقيا هو حدث تاريخي، فـ"إسرائيل" لأول مرة في التاريخ تُحاكم أمام محكمة بتهمة الإبادة الجماعية.

ماذا سيحدث إذا نُفذ الحكم؟ 

بعد قرار جنوب أفريقيا بتنظيم مسيرات لكسر حصار الحرم الإبراهيمي عام 94، قررت كدولة من تلقاء نفسها أن تحاكم "إسرائيل". وهنا تفصيل مهم، ما طبيعة علاقة جنوب أفريقيا بأحداث حرب غزة؟ صحيح أن قواعد التقاضي في محكمة العدل الدولية تجبر الدولة صاحبة القضية على أن تكون صاحبة مصلحة؛ بمعنى آخر تكون طرفاً في الحرب. ولو طبقنا هذه القاعدة على جنوب أفريقيا، فستصبح المحاكمة غير قانونية، لأنها ليست طرفاً في الحرب، إلا أن هذه القاعدة لا تنطبق على الصراعات التي تنتج من نتائجها الإبادة الجماعية، لأن الإبادة الجماعية هي جريمة ضد الإنسانية، ومن حق أي دولة في العالم أن تقدم دعوة قضائية لمحاكمة الدولة المعتدية.

هذه ليست المرة الأولى التي تعرض فيها محكمة العدل الدولية قضية بتهمة الإبادة الجماعية، فقد حدثت أول مرة عام 93 عندما حققت مع يوغوسلافيا بتهمة الإبادة الجماعية ضد البوسنة. 

وخضعت يوغوسلافيا للمحاكمة بعد 14 عاماً، وتحديداً عام 2007. بعدها في القضية الثانية، حققت المحكمة في قضية بين جورجيا وروسيا عام 2008، ولم يُحاكم أحد منها إلى يومنا هذا. 

أما القضية الثالثة، فقد جرت عام 2019 بين غامبيا وميانمار، ورابعها قضية بين روسيا وأوكرانيا بعد مطالبة الأوكران بالتحقيق في الغزو الروسي لأراضيهم. في ما يخص غامبيا، حكمت المحكمة عام 2020 باتخاذ إجراءات أولية لحماية سكانها من جرائم ميانمار أو ما يعرف في القانون الدولي بالحماية المؤقتة. الأمر نفسه انطبق ضد روسيا عبر قرار ينصّ على منع روسيا من تنفيذ أي عمليات عسكرية جديدة. 

واشنطن تقف في وجه تحقيق العدالة

في المبدأ، قرارات محكمة العدل الدولية نهائية، لكنها غير ملزمة، أي لا يجوز طعنها؛ فعند صدور القرار عن المحكمة يتم تنفيذه في مجلس الأمن، وهذا يعني أن تنفيذ قرار كهذا يعتمد على قوة الدولة ووجودها ونفوذها داخل المجلس. هل أميركا ستدعم "إسرائيل" في مجلس الأمن وتحميها من حكم محكمة العدل الدولية؟ 

بداية، الإجابة عن سؤال كهذا تبدو سهلة لأنها نعم، ولكنها معقدة بعض الشيء. ولو راجعنا عناوين صحف الكيان، فسنجدهم فعلاً خائفين من قرار المحكمة بسبب إدانة المحكمة للجيش الإسرائيلي بأنه ارتكب فعلاً إبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة.

ومنذ اليوم الأول، استمر الكيان في تقديمه سردية حق الدفاع عن النفس، وهذا ما انطبق أيضاً على أغلب الحكومات الغربية التي قمعت معارضي جرائم "إسرائيل" في غزة. يفسر هذا المنطق أن كل الدول التي دعمت الكيان منذ اليوم الأول هي شريكة في هذه الجريمة. 

صحيح أن الكيان الإسرائيلي لم يلتزم بإنهاء الحرب، إلا أنّ قادة "إسرائيل" سيدفعون ثمن حكم هذه المحكمة، وخصوصاً الوزراء الذين طالبوا علناً عبر وسائل الإعلام بإبادة سكان غزة، ومنهم بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي، ووزير الأمن الإسرائيلي، وآخرهم وزير المالية.

المطلب الأساسي لجنوب أفريقيا هو إيقاف الحرب إلى حين إصدار حكم نهائي في القضية. والأهم أن هذا المطلب تحكم فيه المحكمة خلال مدة أقصاها شهر، ولكن ستبقى ورقة واشنطن مطروحة في مجلس الأمن. لهذا السبب، حاولت "إسرائيل" توريط مصر بإقفالها معبر رفح ورفضها تقديم المساعدات. تؤكد هذه التهمة مدى ضعف أدلة الكيان وقوة خطوة جنوب أفريقيا. والأهم الآن، أيقظت جنوب أفريقيا العالم، وأعادت إليه ذاكرة فلسطين الدولة التي تتعرض للإبادة من كيان مجرم يُدعى "إسرائيل".