لماذا الحرب على العمامة الحوزوية؟

المعسكر الأميركي الصهيو سعودي لا يميز بين عمامة سنية وأخرى شيعية عندما يتعلق الأمر بمقاومة الصهاينة ومشروعهم وأدواتهم، ونار هذا الاستهداف بالتأكيد لن توفّر أي عمامة ولا أي رمز مقاوم.

  • لماذا الحرب على العمامة الحوزوية؟
    لماذا الحرب على العمامة الحوزوية؟

على مدى السنوات الماضية لم يفتأ الإعلام المتسعود بشقيه العربي والفارسي يستخدم الوسائل المختلفة لتشويه وتسقيط العمامة، ونقصد هيبة المرجعية الإسلامية، وأعتذر أن أشير تحديداً إلى الشيعية خصوصاً، أو المشيرة إلى الولي الفقيه على رأس الجمهورية الإسلامية في إيران، وضرب رمزية آخر الحصون الإسلامية في وجه الاستكبار العالمي، وعنوان الاستقلال عن الحكام السياسيين، فهي الوحيدة المقاومة الصامدة، بعد أن انبطحت التيجان والعمائم، وبصمت مؤسسات المسلمين الدينية الأخرى موافِقة أنظمة العمالة، في البيعة لـ"إسرائيل"، بل علّلوا قتل العباد، وارتهان البلاد، وخرج من يُنسب إلى إمامة الحرم المكي، عالم السلطان، يضفى الشرعية على بيع القدس، يوم زار ترامب السعودية في صفقة القرن، ويصفه بقائد السلام! 

ليست وليدة اللحظة

قبل عامين نشرت صحيفة الشرق الأوسط الممولة من النظام السعودي رسماً كاريكاتوراً مسيئاً إلى المرجع الديني، آية الله السيستاني، صاحب فتوى (الجهاد الكفائي) التي أدت إلى اقتلاع داعش الوهابي من العراق، الذي كان عصبه من التكفيريين السعوديين، تلا ذلك، وقبل اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في إيران، نشر شريطين مسجلين غير واقعيين على نطاق واسع في العراق وإيران. الأول لشخص يضع عمامة دينية وهو يقدّم زوجته، في مشهد جرى تمثيله، كمية كبيرة من الذهب، بالتوازي مع شريط تمثيلي آخر يصوّر شاباً إيرانياً يصفع رجل دين معمّماً.

هجمة موجهة متسلسلة، في سياق الحرب الخشنة والناعمة على محور المقاومة بقيادة الجمهورية الإسلامية التي على رأسها آية الله خامنئي، الذي يرتدي لباس الروحانية كما يعرف هنا في إيران، ومن الواضح أن الحرب لن تتوقف عن الإساءة إلى العمائم الثورية المقاومة، فالقدوات الأصيلة العارفة بزمانها، مطلوب أن تسقط من أعين الجماهير، لتحل محلها شخصيات التفاهة المصنعة في الغرف المظلمة، مثقفون سطحيون ينبرون لإصدار الأحكام المتعسفة على الأحداث والمواقف والأشخاص، ليكون لها التأثير الأكبر في الشارع وبخاصة على الشباب.

من وحي تجربتي واستقصائي

منذ سنوات وأنا أقيم في إيران، أتنقّل بين حواضرها، وأدرّس الفلسفة بقم المقدسة، الحاضرة المتبقية التي تعنى بتدريس العلوم العقلية في العالم الإسلامي، فهنا بيوتات ورثة الكندي والفارابي وابن سينا وإخوان الصفا والسهروردي وصدر المتألهين.. والمهتمون بالعلوم الفلسفية يعرفون قدر الفلاسفة المعاصرين من أهل العمامة، التي قضّت مضاجع صنّاع الإسلام الأميركي، وسحقت أحلامهم يوم تصدى الفيلسوف الخميني فأسقط تيجانهم، وقطع يد الاستكبار عن إيران الإسلام، واحتضن المقاومين للمشروع الصهيوني بلا تمييز، حتى أحيط بني صهيون بأحزمة النار من كل جانب، وصولاً إلى خليفته المفكر الإسلامي السيد الخامنئي الذي رعى مشروع تسليح الضفة، بحيث نرى اليوم ثمار ذلك في نبض الضفة الجديد الذي يذهب بالأبصار، بالطبع بعد تسليح المقاومة في غزة وخطوط المواجهة الأخرى.

ومن مشاهداتي في جائحة كورونا عندما كان يفر الابن من أبيه المصاب أو المتوفى كان المعمّمون في الطليعة، مساندةً للمرضى، واهتماماً بالموتى، وفي الفيضانات والزلازل كانوا السباقين إلى التطوّع والمساعدة في الإنقاذ، بل هم عنوان التواضع وخدمة الناس.

أصابع الاستخبارات البريطانية (إم. إي. 6)

بريطانيا عجوز الشياطين المؤسِّسة للنظام السعودي الوهابي، وهي من تحتضن عمائم الجهل والتطرف في لندن المحركة والمحرضة، فهي صاحبة التجربة مع المرجعية الدينية في العراق وإيران، مذ تصدى المراجع قادة ثورة العشرين للاحتلال البريطاني فخرجت مهزومة، وصولاً إلى عمائم غيّرت وجه التاريخ المعاصر وشكلت أعظم سد في وجه التمدّد الاستكباري، فعمامة الخميني مهدت الطريق وصنعت الفجر الجديد، وعمامة السيد حسن نصر الله حققت الظفر الأول على "إسرائيل" وعمامة السيد السيستاني أوقفت مشروع الأميركيين المتخفي بداعش، وحمت المشرق كله من السقوط في الزمن التكفيري الإسرائيلي، فيما لا يزال الولي الفقيه المرجع الخامنئي يتصدى ثابتاً أميناً على إرث الراحل الخميني، على الرغم من الحروب والحصار والضغوط.

معممون في خط الدفاع الأول

وهنا نتذكر السيد عباس الموسوي المعمّم رأس المقاومة اللبنانية، الذي استشهد مع زوجته وولده في قصف صهيوني بل المئات من الشهداء الحوزويين الخمينيين في لبنان ممن قضوا في مواجهة الصهاينة كالشيخ راغب حرب وغيره من قيادات الميدان، وعندما احتل داعش بقياداته السعودية وتسهيل أميركي لحركته ما يقارب نصف العراق فضلاً عن انتشاره في سوريا، في الأردن يومذاك حيث كنت أقيم بدأ يسري خوف حقيقي من خلافة داعش الذي كان شعاره (باق ويتمدد) وأسر كثيرة بدأت تفكر في الهجرة، يومذاك، وفي تلك الأيام العصيبة، هزّنا من الأعماق مشهد آلاف المعممين المتطوعين من العراق وإيران على السواتر يصدون الدواعش فيستشهد من يستشهد منهم ليصنع النصر للعراق الذي يعيش فيه الجميع، بل لكل المنطقة، المدينة شعوبها لعمامة السيد السيستاني، وتضحيات العراقيين ولدور الشهيد سليماني.

المستهدف هو العمامة المقاومة

وما من شك في أن المعسكر الأميركي الصهيو سعودي لا يميز بين عمامة سنية وأخرى شيعية عندما يتعلق الأمر بمقاومة الصهاينة ومشروعهم وأدواتهم، ونار هذا الاستهداف بالتأكيد لن توفّر أي عمامة ولا أي رمز مقاوم، وستطول شرارتها العمائم السنية الملهمة في الثورة مِن خَلَف عز الدين القسّام وعمر المختار والكواكبي ومحمد عبده والأبرار الراحلين.