"المرض العضال" الذي سيُجبر "إسرائيل" على "الصراخ" أولاً؟

حماس وحزب الله وفصائل المقاومة نجحت في نزع قدرة الجيش الإسرائيلي على إنهاء الحرب في زمن قصير، وهذا هو أحد أهم أسرار النجاح حتى الآن.

  • المقاومة والحرب على غزة.
    المقاومة والحرب على غزة.

دخلت حكومة الحرب الإسرائيلية في سباق مع الوقت، ولم يعد سماع "الصراخ" في لعبة "عضّ الأصابع" في جبهتي غزة ولبنان موضع شك، وإنما السؤال اليوم يبقى بشأن توقيت حدوث ذلك. ووفقاً لأكثر المتشائمين، فإن الأمر لن يتجاوز عدة أسابيع، ولن يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. فما الأسباب الموجبة لهذا الاستنتاج؟ وما أسباب ارتفاع منسوب المواجهة في غزة وجنوبي لبنان؟

ميدانياً، في رصد للمعطيات العسكرية، ثمة فارق جوهري بين ما يحدث من تصعيد في جبهة جنوبي لبنان، تزامنا مع التصعيد في جبهة الحرب في غزة. ففي المواجهة مع حركة حماس، يرفع جيش الاحتلال وتيرة النيران المستخدمة، كماً ونوعاً، مع ازدياد مطّرد في عدد المجازر ضد المدنيين، في إطار الضغط الميداني لتحسين موقف الموساد وكابينت الحرب في المفاوضات الشاقة وغير المباشرة مع حماس، عبر الوسيطين القطري والمصري، بعد رفض قيادة الحركة أي تفاهمات جديدة قبل وقف شامل لإطلاق النار.

في المقابل، فإن التصعيد مع حزب الله من خلال توسيع رقعة الاعتداءات، تزامنا مع رفع المقاومة نسق ضرباتها بالأسلحة النوعية، يأتي رداً على إنهاء الحزب عملية التفاوض المفترضة بشأن إمكان تعديل القرار 1701 قبل أن تبدأ.

عاد الفرنسيون، سياسيين وأمنيين، "بخُفَّي حنين"، من جولاتهم المكوكية في بيروت، بعد أن تم إبلاغهم أن هذا الملف غير قابل للبحث قبل توقف العدوان على غزة. وعندما تتوقف الحرب لا مجال لنقاش أي تعديل في "قواعد الاشتباك" التي كانت سائدة قبل "طوفان الأقصى"، "ونقطة في أول السطر".

وهذا الأمر يعني أن حزب الله ليس شرطي حدود لدى "إسرائيل"، وليس في وارد منحها أي ضمانات لطمأنة مستوطنيها. وإذا لم يشعروا بأن جيشهم قادر على حمايتهم، فهذه مشكلة داخلية إسرائيلية، وعليهم الاهتمام بكيفية إيجاد حل لها. كما كان موقف المقاومة واضحاً، وأبلغت الموفدين أن "ما كُتب كُتب" منذ عام 2006، ومن يقوم اليوم بالحرب الوقائية لنصرة غزة هم أبناء القرى الحدودية، الذين لن يذهبوا إلى أي مكان مع انتهاء هذه الجولة القتالية. في المقابل، فإن المطلوب التزام قوات الاحتلال قواعد الاشتباك ووقف الخروقات الجوية والبحرية والبرية. وإذا أراد الأميركيون الدخول على الخط مجدداً فمهمتهم ستكون محددة في تثبيت الحدود في البر، ومعالجة الخروقات الإسرائيلية.

ووفقاً لمصادر ديبلوماسية، فإن المفارقة المثيرة للتساؤلات تبقى "الواقعية" الأميركية في التعامل مع ملف الحدود اللبنانية، بعد أن تم إبلاغ المسؤولين الإسرائيليين عدم رفع سقف توقعاتهم بشأن التفاهمات المفترضة في الحدود الشمالية، لأن سقف التوقعات لا يتجاوز عودة الهدوء إلى ما قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لأن أدوات الضغط على حزب الله غير متوافرة، واحتمالات توصل عاموس هوكشتاين إلى أي تسوية ستكون مقرونة بتنازلات إسرائيلية مؤلمة تتعلق بضرورة التخلي عن مناطق يتمركز فيها الجيش الإسرائيلي راهناً!

ووفقاً لتلك الأوساط، باتت القناعة الأميركية راسخة بأن "إسرائيل" لن تنتصر في هذه الحرب، والبحث جارٍ عن صورة انتصار لإنهاء الحرب بأقل الخسائر الممكنة. فهناك نحو 150 ألف مستوطن إسرائيلي تركوا أماكن سكنهم في غلاف غزة وفي منطقة الشمال، وهم مهجَّرون منذ قرابة ثلاثة أشهر. وبات مشكوكاً فيه إذا كان هدف القضاء على حماس قابلاً للتحقق.

في المقابل، نجح حزب الله في ترسيخ معادلة تبادل إطلاق النار في الشمال، وفق النسق الذي يريده. أمّا حقيقة المشهد فتلخصها صحيفة "هارتس" الإسرائيلية بالقول إنه "حان الوقت لنعترف بأننا لن نحقق انتصاراً، والحقيقة المؤلمة أن حركة حماس، ومعها حزب الله، جرّا إسرائيل إلى حرب بدأت بمبادرة هجومية وبفشلنا الفظيع. وإن العمليات العسكرية لن تنجح في تغيير الوضع السياسي الذي وجدنا أنفسنا فيه، والحل يكمن في وقف إطلاق النار وإجراء صفقة شاملة لإطلاق سراح جميع الأسرى، ومحاسبة المسؤولين عن الفشل في أسرع وقت".

هذه الخلاصة تشير بوضوح إلى أن موازين القوى لن تكون في مصلحة "إسرائيل" مهما استمر قادتها في إنكار الواقع، فمحور المقاومة لن يمنح أحداً "جوائز" مجانية. فعلى الرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعه المدنيون، فإنه لا يبدو في وارد تقديم تنازلات من دون الحصول على ثمن تلك التضحيات. هو نجح في جبهتي غزة ولبنان عبر تطوير فكرة الحرب، في شكلها الجديد، وأنهى استراتيجية "إسرائيل" بخوض حرب قصيرة وبنصر سريع، كما تبلور في مفهوم الأمن منذ بن غوريون.

حماس وحزب الله وفصائل المقاومة نجحت في نزع قدرة الجيش الإسرائيلي على إنهاء الحرب في زمن قصير، وهذا هو أحد أهم أسرار النجاح حتى الآن. وبالتوازي، تم بناء منظومة تهديد جدية تحيط بـ"إسرائيل" من كل الجبهات، وصولاً حتى البحر الأحمر. واليوم، فإن "إسرائيل" أمام خيارين أحلاهما مر: إمّا وقف الحرب من دون تحقيق انتصار واضح، وهو ما سيعمق الهزيمة وسيسرّع انفجار "القنبلة" السياسية في الداخل الإسرائيلي، وإمّا الاستمرار في دوامة "فخ" الحرب الطويلة، والذي سيتحول إلى "مرض عضال" يقضم جسم كيان الاحتلال حتى انهياره. ولهذا، فإن "إسرائيل" "ستصرخ أولاً".

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.