"نتنياهو" يحلم بـ "الحذاء الثاني للسنوار"!

مراهنة حكومة الكيان على القتل العنيف كطريقة تعتمدها للخروج من الأزمة، ربما ستقنعها ذات يوم بحقيقة أن ضرب الرأس بالجدار لا يجلب سوى الورم والألم.

  • محاولة اجتياح رفح، لو تحقّقت، لن تكون مُجدية بعد أن فقدت شرعيّتها المنطقية.
    محاولة اجتياح رفح، لو تحقّقت، لن تكون مُجدية بعد أن فقدت شرعيّتها المنطقية.

يواصل نتنياهو هجومه الشامل على رفح كما على غزّة، وتتواصل في الوقت عينه خسائر "جيشه" المتراكمة بشكل مؤذٍ، ولا يكفي كتم المعلومات عنه للتخفيف من وطأته داخل المؤسسة العسكرية كما في أوساط المجتمعات الإسرائيلية. 

فإذا كان الجمهور لا يعلم عن ذلك غير ما تُفسح له الرقابة العسكرية المتشددة في التعمية والإخفاء، إلا أنّ كثيرين من الضباط والشخصيات السياسية في الكيان يملكون الحقيقة بمختلف تفاصيلها المريرة... وبالتالي لا يلبث كلّ ذلك أن ينتشر، ولو همساً، على الرّغم من أنّ أحداً من ذوي الرتب العليا أو الدنيا لا يجرؤ على التحدّث علناً. لكن الأصعب من ذلك ما كتبه المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، قائلاً بصراحته الفجّة إنه "مثلما علّمتنا حروب إسرائيل، ولا سيما حرب غزة، فإن ما يخطّط له الجيش الإسرائيلي، وما يحدث على أرض الواقع، هما قصتان مختلفتان". 

فحماس تواصل القتال بضراوة أكبر، و"جيش" الكيان يغرق أكثر، حيث إن ضباطاً وأمنيين سابقين وحاليين يتذمّرون بقلق من واقع أنه "ليس لدى نتنياهو استراتيجية خروج" من هذه الحرب، بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت. وهذا لن يمرّ بسلام خاصة وأنّ برنياع نفسه يُبدي تخوّفه من ردة الفعل الأميركية على هذا الوضع، مُختصراً رأيه بالقول إنه "بعد سبعة أشهر من الحرب تبدو "إسرائيل" عالقة في غزة كما في لبنان... هذه ليست "إسرائيل" التي يسعى بايدن إلى مساعدتها".

من جهة أخرى فإنّ إيجابية قادة حماس حيال خطة وقف النار التي طرحها المفاوض المصري، أدّت إلى دقّ أسافين إضافية بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، ما يُضاعف إحراج الحكومة ومحاصرة تشدّد نتنياهو. هذا فضلاً عن أن عائلات الأسرى (المخطوفين بحسب التسمية الإسرائيلية) طالبت نتنياهو بالموافقة على المقترح المصري، وقد رفضه، ما زاد الأمور تعقيداً. 

وفوق ذلك انتبه المعنيون كأنهم استفاقوا من سُبات، إلى أن توسيع العملية العسكرية ومحاولة اجتياح رفح، "سيشكّل خطراً على حياة المخطوفين"، بينما يعترف قادة أجهزة الأمن بأنهم لا يرون فائدة لإسرائيل من اجتياح كهذا، بل إنه يزيد من الورطة، بسبب تكدّس 1.4 مليون نازح فلسطيني في المدينة، مع احتمال أن تؤدي النيران إلى قتل المخطوفين وليس إنقاذهم".

 "الجيش" يزيد الورطة

يقول المحلّل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إن "الجيش الإسرائيلي قادر على احتلال رفح، لكن السؤال هو: ما الذي سيحقّقه من احتلالها... سوى أنه يكون قد أخذ على محمل الصحة والدقة ما نقله له كلّ من وزير الأمن، يوآف غالانت، ورئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي، من أنّ اجتياح رفح سيلحق ضرراً بكتائب حماس وبنيتها التحتية".

ويستدرك هرئيل بالقول "حتى إذا كان هذا صحيحاً فإن احتلال رفح لن يؤدّي إلى انتصار حاسم على حماس، خلافاً لوعود نتنياهو للجمهور". ثم يضيف "إن تهديد الإدارة الأميركية بأن اجتياحاً لرفح سيدفع واشنطن إلى اتخاذ خطوات متشدّدة ضد إسرائيل، يمكن أن يتسبّب بشرخ مع الولايات المتحدة سيستغرق لأمه سنوات".

أهل الجنود بعد أهل الأسرى

إن مراهنة حكومة الكيان على القتل العنيف كطريقة تعتمدها للخروج من الأزمة، ربما ستقنعها ذات يوم بحقيقة أن ضرب الرأس بالجدار لا يجلب سوى الورم والألم.

وعلى خلفية احتجاجات عائلات الأسرى، لماذا لا نتوقّع أن تأتي بعدها احتجاجات عائلات الجنود وهم يتساءلون: "لماذا يُقتل أبناؤنا هناك"؟ وبناء على هذه المتاهة المقفلة، فأفضل ما يمكن توقّعه هو أن تصرخ مراسلة تلفزيونية متحمّسة فوق كومة أنقاض لتعلن فصلاً جديداً من "انتصارات" نتنياهو بالقول: "ضبطنا الحذاء الثاني للسنوار".

وسط ذلك تتحدّث صحيفة "نيزافيسيمايا" الروسية عن اعتزام مصر الانضمام إلى دعوى قضائية ضد "إسرائيل"، سبق أن رفعتها جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية. وتأتي صحيفة "الموند" الفرنسية لتختصر الموقف بالدعوة إلى "حماية إسرائيل من نفسها".

صحيح أن "جيش" الاحتلال اقتحم معبر رفح من الجهة الفلسطينية ورفع العلم الإسرائيلي، إلا أنّ هذا لا يشكّل "الانتصار المُطلق" الذي يطارده نتنياهو. لذا فإن محاولة اجتياح المدينة، لو تحقّقت، لن تكون مُجدية بعد أن فقدت شرعيّتها المنطقية.