أميركا ودعم الإرهاب.. الاعتراف سيد الأدلة!

الولايات المتحدة الأميركية في حال استجابت للمطالب والضغوط العراقية بإنهاء وجودها العسكري في البلاد، فإنها بلا شك ستكون قد فكّرت وخطّطت بعمق للدخول من بوابات ومنافذ أخرى.

  • الاستخبارات الوطنية الأميركية تدعم الجماعات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة (أرشيف).
    الاستخبارات الوطنية الأميركية تدعم الجماعات والتنظيمات الإرهابية المتطرّفة (أرشيف).

قبل شهور قلائل كشفت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية تولسي جابارد، معلومات خطيرة عن دعم بلادها للجماعات والتنظيمات الإرهابية المتطرّفة من أجل إسقاط بعض الأنظمة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وقد حدّدت في كلامها، دعم إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما (2008-2016) لتنظيم القاعدة الإرهابي من أجل الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد، مع إشارات واضحة الى العمل بالأسلوب والسياق نفسه في دول أخرى بالمنطقة.  

ورغم أنّ ما كشفته جابارد في حينه ربما لم يكن جديداً وغير مسبوق، إلا أنه يثبت ويؤكّد مرة أخرى، حجم النفاق والخداع والتضليل والتناقض في عموم السياسيات والمواقف الأميركية  من مجمل الوقائع والأحداث، ناهيك عن امتداد ذلك النفاق والخداع والتضليل والتناقض إلى ساحات الصراع والتنافس السياسي الداخلي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على مواقع السلطة والتأثير والنفوذ. 

من حيث التوقيت، تحدّثت تولسي جابارد عن دعم أوباما الديمقراطي لتنظيم القاعدة بعد أن عيّنها دونالد ترامب الجمهوري في منصب رئاسة الاستخبارات الوطنية، وهو أحد أبرز المواقع الأمنية الفيدرالية في هيكلية الإدارة الأميركية. علماً أنها في عهد أوباما، كانت تشغل منصب عضو في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي، وكانت بشكل أو بآخر مقرّبة إلى أوباما، وأكثر من ذلك، إنها ترشّحت للانتخابات الرئاسية في عام 2015، إلا أنها خسرت في معركة التنافس داخل الحزب الديمقراطي أمام جو بايدن. 

وارتباطاً بالتوقيت أيضاً، فإنّ جابارد تحدّثت عن دعم أوباما لتنظيم القاعدة لإسقاط الأسد، في الوقت الذي دعم ترامب جبهة النصرة، المدرجة كمنظّمة إرهابية في قوائم وزارة الخارجية الأميركية، وساعدها كثيرا، حتى نجحت فيما لم ينجح به تنظيم القاعدة في عهد أوباما!. 

وليست جابارد وحدها التي أماطت اللثام عن حقائق مخزية، بل سبقها في ذلك ساسة كبار، أمثال وزير الخارجية الأسبق جون كيري، والسيناتور السابق ريتشارد بلاك، بل إنّ ترامب نفسه اتهم بشكل واضح وصريح أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلنتون في عام 2016، بتأسيس تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي عاث فساداً وإجراماً في كلّ من سوريا والعراق وبلدان أخرى.

لكن علينا هنا التنبيه إلى أنّ ترامب الذي فضح أوباما، هو ذاته الذي أشرف على خطط أميركية لاستهداف من واجه تنظيم "داعش" وهزمه في العراق، فضرب مقارّ الحشد الشعبي، واستهدف قياداته ورموزه، جرى الكثير منها خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب بين عامي 2016 و2020، وأبسط وأقرب مثال على ذلك، اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي مطلع عام 2020.  

ولم تقتصر عمليات استهداف الحشد الشعبي من قبل واشنطن على الجانب العسكري، بل إنها امتدّت إلى الجوانب الإعلامية والسياسية والمالية، الهادفة بمجملها إلى تفكيك هذا العنوان الكبير والمهم، إما عبر حلّه نهائياً أو في أفضل الأحوال دمج أفراده في مؤسسات وزارتي الدفاع والداخلية. 

وما نشهده اليوم من حملات تسقيط وشيطنة وتشويه للحشد ورموزه وقياداته من قبل وسائل إعلام، ومنصات ومنابر سياسية، محلية وأجنبية، ليس سوى جزء من خطط ومشاريع ممنهجة، لا تنفصل بأيّ حال من  الأحوال عن خطط ومشاريع واسعة تستهدف كلّ قوى وتيارات محور المقاومة، في سبيل الوصول إلى هدف استراتيجي يتمثّل بجعل الكيان الصهيوني الطرف الأقوى والأكثر هيمنة ونفوذاً في المنطقة، بعد تحييد وتحجيم أعدائه وخصومه، مثل حزب الله اللبناني، وحركات المقاومة الفلسطينية، وفي مقدّمتها حماس والجهاد الإسلامي، وحركة أنصار الله اليمنية، والنظام الحاكم في الجمهورية إلاسلامية الإيرانية، وسوريا، وفصائل المقاومة الإسلامية العراقية. 

وهنا ينبغي الإشارة إلى التحذيرات التي أطلقها مؤخّراً إمامُ جمعة النجف الأشرف، السيد صدر الدين القبانجي، عن وجود مخططات تستهدف تصفية قادة الإطار التنسيقي وتشكيل ما يسمّى بحكومة إنقاذ وطني في العراق. 

وترى دوائر القرار الأميركية والصهيونية، أنها نجحت خلال العامين المنصرمين في إضعاف مختلف أطراف محور المقاومة، لتبقى مهمة إنهاء وجود الحشد، مهمّة مفصلية للاقتراب من الهدف المنشود، ولعلّ عرقلة إقرار قانونه -أي قانون الحشد- ومن ثمّ خلق العراقيل المالية له، تمثّل محاولات إضافية لإنهاء وجوده.

وإذا لم تكن مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية قد تحدّثت بوضوح وصراحة عن المخططات والمشاريع الأميركية الصهيونية حيال العراق، فإنّ آخرين من الساسة والعسكريين والإعلاميين والباحثين الأميركيين والصهاينة والغربيين، لم يخفوا في تصريحات ومقالات ودراسات وبحوث لهم، حقيقة ما يجري داخل الغرف السرية وكواليس واشنطن و"تل أبيب" وعواصم أخرى لقلب الموازين والمعادلات في العراق بالشكل الذي يفضي إلى تقليص تأثير وحضور القوى المناهضة لمشاريع التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني، وربما يكون الاقتصاد بمعناه الواسع، إحدى بوابات تحقيق أهداف واشنطن و"تل أبيب" المنشودة، وهذا ما يطرح هنا وهناك في مراكز التفكير الأميركية والغربية، التي يرى البعض -أو الكثير منها- "أنّ تأكيد التعاون في مجالي الطاقة والأمن يمكن أن يخدم بشكل مباشر أهداف الولايات المتحدة المتمثّلة في مواجهة النفوذ الإيراني والصيني، وخلق فرص اقتصادية جديدة، وتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بشكل عامّ، وتقليص المساحات غير الخاضعة للحكم التي غالباً ما تستغلّها الجهات المعادية".

والولايات المتحدة الأميركية في حال استجابت للمطالب والضغوط العراقية بإنهاء وجودها العسكري في البلاد، فإنها بلا شكّ ستكون قد فكّرت وخطّطت بعمق للدخول من بوابات ومنافذ أخرى، منها بوابة الاقتصاد، وغيرها. ناهيك عن إبقائها ورقة "داعش" تحت اليد، لتحرّكها وتلعب بها متى ما أرادت، علماً أنّ ساسة وقادة عسكريين أميركيين، أقرّوا قبل أعوام، "أنّ التوجّه العامّ يتمثّل بتحجيم وإضعاف تنظيم "داعش" وليس القضاء عليه نهائياً". وكلام جابارد ورفاقها وزملائها يؤكّد كلّ ذلك.