إيران في قناة بنما: تفوّق عسكري وحنكة دبلوماسية

يمكن وصف المرور الإيراني في قناة بنما الدولية بكونه نجاحاً وتحوّلاً نوعياً لإيران في سياق مجابهة العدوانية الأميركية ضدها.

  • قناة بنما المائي
    قناة بنما

ذكرت تقارير أنّ طهران تعتزم إرسال سفن حربية إلى الممر المائي الاستراتيجي، وأعلنت سلطات بنما أنّها ستسمح لسفن إيرانية بعبور قناتها ما دام أنّها تلتزم بالمعايير الدولية المتمثّلة في "التزام السفن بمعايير السلامة ودفع الرسوم وعدم ارتكاب أي أعمال عدائية"، موضحة، في بيان، أنّ قرار هيئة قناة بنما يستند إلى معاهدة عام 1977م الدولية، التي تمكنت بموجبها بنما من السيطرة رسمياً على القناة، وأرست وضعها المحايد. 

وبعد أيام معدودة من تصريح قائد القوات البحرية الإيرانية، شهرام إيراني، بوجود البحرية الإيرانية في جميع المضائق الاستراتيجية، في جميع أنحاء العالم باستثناء مضيقين بنما أحدهما، جاء الإعلان الإيراني بشأن الرغبة في إرسال سفن حربية إلى قناة بنما؛ الأمر الذي عزاه أحد القادة الإيرانيين إلى الرغبة في تعزيز الوجود البحري في المياه الدولية، حسبما نقلته الميادين نت.

هذا الأمر لا يمكن حصر تفسيره في البعد العسكري، حسبما يذهب إليه الكيان الصهيوني في مخاوفه من أن طهران لديها القدرة على وضع أجهزتها العسكرية على مرمى حجرٍ منها ومن الأراضي الأميركية، وفق ما ذكره موقع "واشنطن فري بيكون"، وهذا ما لا يصح، وإنّ كانت بنما بوابة ومركزاً رئيسياً للنقل التجاري والعسكري في العالم، ولطالما كانت بنما محوراً استراتيجياً وإحدى أهم سلاسل التوريد العالمية، ويأخذ المرور بها طابعاً اقتصادياً بحتاً علاوة على وجود ضوابط له من قبل دولة الممر. 

 ولقد سبق للولايات المتحدة أن عدّت وصول إيران إلى المحيط الهادئ استفزازاً لها، وإشارةً إلى تعاظم قدرات طهران العسكرية التي تعدّها خطراً على أمن حلفائها، وتحاول بشتى السبل تحجيمها، ولا أدل على ذلك من البنود التي تضعها لعرقلة التفاهمات حول الملف النووي الإيراني.

 واليوم، وصل العقل الأميركي في تخوفه من الوجود الإيراني في " فناء الولايات المتحدة الخلفي" حسب تسميتهم، خصوصاً في ظل التحسن المطرد الذي تشهده العلاقات الإيرانية مع دول أميركا اللاتينية، بالاستفادة من تصاعد المد اليساري المعترض على السياسات الأميركية، علاوة على وجود قواسم مشتركة أخرى يترأسها التضييق الأميركي، والذي جعل بعض المسؤولين الأميركيين يزعمون بوجود إيران في بنما؛ للحد من وطأة العقوبات الأميركية عليها، حسب مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست".

 ويدعمون حججهم بطروحات تمهيد إيران لوجودها اليوم، عبر ما أجرته من مناورات عسكرية مع حليفتيها الصين وروسيا، وفي حين يبالغ الأميركيون في تحليلاتهم وتخوفهم على مصالحهم، يستثنون أنفسهم من العمل على خلق توترات في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي والمناورات البحرية التي تجريها الولايات المتحدة الأميركية مع حلفائها وآخرها مع اليابان في سيناريو محتمل لحرب مع الصين. وكذلك الدعم الأميركي العسكري لأوكرانيا بغرض استنزاف روسيا، وصولاً إلى ضرب مصالح إيران في الشرق الأوسط وحتى داخل حدودها وآخرها ضرب مجمع أصفهان.

يمكن وصف المرور الإيراني في قناة بنما الدولية بكونه نجاحاً وتحوّلاً نوعياً لإيران في سياق مجابهة العدوانية الأميركية ضدها وتجلياتها، لا سيما العقوبات الاقتصادية وعرقلة رفعها وحرمانها من الحفاظ على أمنها ومصالحها الجيوستراتيجية، حيث تكللت جهود إيران بالنجاح في سعيها الحثيث والذكي لإقامة شبكة علاقاتها مع أميركا اللاتينية وتقويتها على مدى الأعوام الأربعين الماضية، من خلال إنشاء سفارات واتفاقيات ثنائية مع مجموعة من الدول اللاتينية، من قبيل علاقاتها الوثيقة مع فنزويلا والبرازيل ونيكاراغوا، وباشرت علاقات مع كولومبيا.

 ويبقى من المهم جداً، الإشارة إلى دلالات هذا الحدث الهام، والتي تتمثّل في الوجود الأول من نوعه في المحيط الهادئ الذي وصفه الأدميرال قائد البحرية الإيرانية بأنه واحد من المحيطين اللذين لم يكونوا موجودين فيهما، وهذا ما سيكون له أثر في الخطوط العامة للصراع بين إيران وحلفائها اللاتينيين والصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى.

علاوة على المفرزات الاقتصادية لهذا الوجود وكيفية تأثير عائداته في صمود إيران ومتابعة سياساتها في وجه الأميركي في ظل التضييق الإقليمي والدولي الذي يُمارس ضدها، والأهم أن حدث (إيران – بنما) يعكس المقدرة والتخطيط الإيراني للوجود في بقية المحيطات والممرات العالمية الاستراتيجية، وتوفّر الكفاءة العلمية والتكنولوجية لتوفير متطلبات هذه العملية ذات الصدى الدولي.