الرابح والخاسر في الانتخابات الإيرانية

حسب نتيجة الانتخابات فاز تيار المحافظين أو التيار الأصولي فوزاً ساحقاً ولا سيما في العاصمة طهران، في ظلّ مقاطعة التيار الإصلاحي للانتخابات، لكن هناك أكثر من خاسر ورابح في هذه الانتخابات.

  • الخريطة السياسية ما بعد الانتخابات البرلمانية.
    الخريطة السياسية ما بعد الانتخابات البرلمانية.

شهدت إيران يوم الجمعة الماضي الانتخابات التشريعية لمجلس الشورى الإسلامي في دورته الثانية عشرة والدورة السادسة لمجلس خبراء القيادة، بحضور شعبي في أوّل انتخابات بعد أحداث عام 2022 والتي شهدت أعمال عنف كبيرة بتحريض أجنبي غير مسبوق، خصوصاً في الدول الأوروبية.

وبحسب نتيجة الانتخابات فاز تيار المحافظين أو التيار الأصولي فوزاً ساحقاً ولا سيما في العاصمة طهران، في ظلّ مقاطعة التيار الإصلاحي للانتخابات، لكن هناك أكثر من خاسر ورابح في هذه الانتخابات.

انتصار بعد الحرب التركيبية

منذ عام تقريباً بدأت حملة تحريض على موضوع الانتخابات، ومحاولة لإقناع الشعب الإيراني بمقاطعة هذه الانتخابات بشكل كامل، للبدء بمرحلة جديدة من هجمات إعلامية وربما سياسية بحجة "فقدان الجمهورية الإسلامية قاعدتها الشعبية"، تمهيداً للمزيد من الضغوطات الأجنبية وتشديد الحصار على الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي صمدت أمام أصعب مراحل الحصار.

بالنظر إلى وسائل الإعلام فإنّ قناة إيران إنترنشنال المعادية كانت رائدة في هذا التحريض، ويذكر أن هذه القناة كانت مموّلة سابقاً من قبل إحدى الدول العربية والتي تخلّت عن تمويل القناة بعد المصالحة الإقليمية التي شهدتها المنطقة قبل عام، وبات موضوع تمويل هذه القناة على عاتق اللوبيات الصهيونية، ناهيك عن الجيوش الإلكترونية التي كانت تروّج لفكرة إسقاط شرعية هذه الانتخابات بترويج فكرة "لن يشارك أحد"، و"لن تتجاوز نسبة المشاركة أكثر من 20%". 

والمحطة وحدها كانت تركّز منذ عام وعلى مدار 24 ساعة على هذا الموضوع، وأحد أهم النقاط التي كانت موضع اهتمام هذه المحطة وأخواتها المعادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية هو موضوع الأحداث التي وقعت بعد وفاة مهسا أميني في أيلول/سبتمبر 2022، والتي أعلنت عنها إيران أنها "الحرب التركيبية" وأنّ تأثيرها قويّ على شعبية النظام. وهنا يجب أن نذكر أنّه في فترة الأحداث من يشاهد هذه القناة كان يحصل على يقين أن النظام سيسقط خلال أسبوع.

بحسب معلومات أصدرتها وكالات رسمية إيرانية فإنّ نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 41%، بتصويت 25 مليون ناخب إيراني من أصل 61 مليوناً، وهي تقريباً نسبة المشاركة نفسها في الانتخابات التشريعية عام 2020 والتي بلغت 42%.

صحيح أن هذه النسبة من المشاركة ليست بالمستوى المطلوب لدى قيادة الجمهورية الإسلامية وسائر المسؤولين الإيرانيين الذين يريدون دائماً أعلى مستوى من المشاركة من الشعب في الانتخابات، ولكن هذا الثبات في نسبة المشاركة يؤكد أنّ سنتين من التحريض على الجمهورية الإسلامية بشتى الوسائل، منها إعلامية وسياسية واقتصادية لم تجدِ نفعاً، وانخفاض نسبة المشاركة منذ عام 2020 ليس مرتبطاً بالتحريض الخارجي بل له أسباب داخلية، وفي حال معالجتها في الداخل ستعود نسبة المشاركة إلى التصاعد مجدّداً، والتقديرات تشير إلى أن معالجة الثغرات الداخلية سواء الاقتصادية أو السياسية هي مسألة وقت.

النقطة الأهم في هذه الانتخابات التي يجب أن يشار إليها هي أن التحريض الإعلامي منذ سنوات يروّج لفكرة وجود نظام غير صادق وشفّاف مع شعبه، ويتلاعب بنتيجة الانتخابات ويزوّر النتائج.

لكن أثبتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عكس ذلك بإعلانها عن نسبة المشاركة الحقيقية، حتى ولو كانت هذه النسبة ضد مصلحتها وتؤثّر سلباً على صورتها، وتؤكّد كذلك صدق النظام مع شعبه وجمهوره بإعلان أنها أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.

الخريطة السياسية ما بعد الانتخابات البرلمانية

بحسب نتائج غير رسمية نشرت إلى الآن فإن التيار الأصولي سيكون المسيطر على البرلمان خلال السنوات الـ 4 المقبلة مع فوز غالبية مرشحيه في أنحاء البلاد، وسط غياب ومقاطعة من قبل التيار الإصلاحي الذي تمثّل في عدم مشاركة الرئيس الأسبق محمد خاتمي في الانتخابات، ما تسبّب بتوجيه انتقادات شديدة له من قبل بعض أنصار التيار الإصلاحي الذين يؤمنون بصناديق الاقتراع كطريقة سلمية للتغيير في البلاد. وهنا يجب ذكر البيان 110 من الناشطين الإصلاحيين حول ضرورة المشاركة في الانتخابات، والانقسام الحاد الذي حدث بين مؤيّد ومعارض لهذا البيان. 

يرى التيار الإصلاحي على المستوى الرسمي أنّ مشاركته في الانتخابات تستلزم توفير ظروف معيّنة مسبقاً، وفي حال عدم تلبية هذه الشروط لن يشارك الإصلاحيون في أي انتخابات، بينما أنصار التيار الإصلاحي يصرّون على الانتخابات كسبيل وحيد لإيصال أصواتهم إلى النظام وحل المشاكل الاقتصادية والسياسية والخارجية، في ظلّ ترويج الأعداء إلى الخارج لفكرة إسقاط النظام بالقوة والسلاح وإراقة الدم.

وبرأيهم إنّ مقاطعة الانتخابات تسهّل فوز خصمهم السياسي أي التيار الأصولي أولاً، وإضعاف الخيارات السلمية للتغيير ثانياً، وهنا يجب القول إن التيار الإصلاحي ارتكب خطأً كبيراً جداً بمقاطعته للانتخابات، وهذه الخطوة بالفعل ستؤثّر على شعبيته في المستقبل.

بناء على النتائج فإن الخريطة السياسية الإيرانية لم تشهد تغييراً جذرياً مقارنة بالانتخابات السابقة، رغم أن التيار الأصولي يضم عدة تيارات وأحزاب، والتي تمكّن بعضها من تعزيز حضوره بينما البعض الآخر خسر مكانته السابقة.

رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف سيكون الأوفر حظاً لاختياره رئيساً للبرلمان في دورته الجديدة، لكن تشير تقديرات إلى أن قاليباف لن يستكمل السنوات الأربع في البرلمان، وقد يكون أحد أبرز المرشحين في الانتخابات الرئاسية في السنة المقبلة.

مستقبل إيران ما بعد الانتخابات

يمكن وصف الانتخابات البرلمانية بأنها صفعة مدوية في وجه أصحاب نظرية قرب إسقاط النظام وفقدان شعبيته بالكامل، مشاركة الشعب الإيراني في الانتخابات أثبتت أن التأثير الخارجي على الداخل ليس قوياً، والشعب يقرّر مشاركته أو عدمها بناء على ظروفه الداخلية، وما يواجهه من تحديات على الصعيد الاقتصادي خصوصاً، وهنا تُسجّل الخسارة الكبرى لمن يراهن على إسقاط النظام بدعم وتمويل أجنبي، ويُسجّل انتصار للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

الانتخابات البرلمانية الإيرانية أثبتت مجدّداً تمسّك الشعب الإيراني بثورته وحقّه في التعبير عن رأيه من خلال صناديق الاقتراع مهما تعرّض للضغط من الخارج، أو شهد تخاذلاً داخلياً من قبل بعض الأحزاب، وأيضاً أثبتت أنّ الجمهورية الإسلامية خلافاً لما يُقال عنها في الخارج مهتمة بصوت الشعب، وهي توفّر له الأرضية المناسبة للمشاركة تنفيذاً لمبادئ الثورة والدستور الإيراني الذي أكد على صناديق الاقتراع منذ اليوم الأول انتصار الثورة.