"المونيتور": الاستهداف الأميركي لقائد عسكري سوري مُعارض رسالة إلى المتمرِّدين

إنّ الضربة الأميركية التي قتلت قياديّاً بارزاً في المعارضة السورية في بداية الشهر الجاري هدفت إلى تبليغ رسالة للمسلّحين الذين يرفضون الانضمام إلى الجيش الوطني السوري، ويتحدّون الحكّام الجدد في دمشق.

0:00
  • "المونيتور": الاستهداف الأميركي لقائد عسكري مُعارض رسالة إلى المتمرِّدين

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر مقالاً يتناول الضربة الأميركية في شمال سوريا التي أودت بحياة قيادي في جماعة "أنصار الإسلام"، موضحاً أنها تتجاوز الطابع الأمني لتشكّل رسالة سياسية إلى الفصائل المسلحة الرافضة للانضمام إلى الجيش السوري الجديد أو إلقاء السلاح.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

مع تزايد التنسيق بين الولايات المتحدة والحكومة السورية ضدّ تنظيم "داعش"، ينظر المسؤولون السوريون إلى الضربة الأميركية التي أسفرت عن مقتل أحد قادة الفصائل المعارضة في أوائل الشهر الجاري على أنّها تحذير للمجموعات السلفية المسلَّحة التي لا تزال تتحدّى السلطات السورية الجديدة.

وقد أعلنت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم" في وقت سابق أنّ قوّاتها نفّذت ضربة في سوريا في ثاني أيام الشهر الجاري، أسفرت عن مقتل محمد عبد الوهّاب الأحمد، الرجل الثاني في جماعة "أنصار الإسلام"، وهي جماعة مُتطرِّفة مقرُّها محافظة إدلب شمال غرب سوريا. وقد قُتل المسلّح، المعروف أيضاً باسمه الحركي "أبي الدرداء الكردي"، في ضربة بطائرة مسيّرة أثناء تنقّله بسيّارته قرب مدينة حارم شمال إدلب. ووصفت "سنتكوم" الأحمد بأنّه "مُخطِّط هجمات كبير يرتبطُ بتنظيم القاعدة"، وبدت الضربة كعملية أميركية روتينية ضدّ هذا التنظيم.

ومع ذلك، قال أربعة مسؤولين سوريين في مقابلات مع موقع "المونيتور" إنّهم يعتقدون أنّ الضربة كانت تهدف أساساً إلى توجيه رسالة إلى مقاتلي "أنصار الإسلام" وغيرهم من الفصائل المعارضة الذين يرفضون أحد خيارين: إمّا الانضمام إلى الجيش الوطني السوري الجديد، أو إلقاء السلاح، كما تُطالب الحكومة التي تتخذ من دمشق مقرّاً لها.

جماعة "أنصار الإسلام"

تعود جذور هذه الجماعة إلى "الحركة الإسلامية في كردستان" التي تأسّست في العراق عام 1987. وفي منتصف تسعينيات القرن الفائت انشقّ تنظيم "أنصار الإسلام" عن الحركة الأمّ تحت وطأة التأثُّر بالأيديولوجية "الجهادية". وبعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، قاتلت الجماعة ضدّ الغزاة قبل أن تُنهي أنشطتها في العراق بعد هجوم تنظيم "داعش" على الموصل في عام 2014، بينما حافظت الجماعة على نشاطها في سوريا منذ عام 2012.

يقول أحد الذين قاتلوا إلى جانب "أنصار الإسلام" ضدّ الاحتلال الأميركي في العراق لموقع "المونيتور"، إنّه في أثناء تشكيل الجماعة، أرسلت "أنصار الإسلام" وفداً للقاء قادة تنظيم "القاعدة"، لكنّ الاجتماع لم يُسفر عن بيعة بين الجانبين. كذلك قدَّمَ مصدر تركي على صلة بالجماعات الجهادية في سوريا وجهة نظر أكثر دقّة بقوله، إنّ أنصار الإسلام تعاونوا مع تنظيم "حرّاس الدين" في سوريا بين أعوام 2018 و2020، وهو تنظيم معروف بتنظيم "القاعدة" السوري، لكن أُعلن عن حلّ الجماعة للتنظيم في بداية العام الجاري.

وأوضح المصدر أنّ جماعتي "أنصار الإسلام" و"حرّاس الدين" انخرطتا معاً ضمن غرفة عمليات و"حرّض المؤمنين"، في إشارة إلى مركز القيادة المشترك للجماعتين المسلحتين، والتي أُنشئت في إدلب في عام 2018، واستمرّت في العمل حتى عام 2020. يضيف المصدر، إذا كان القصد الأميركي بتصوير محمد عبد الوهّاب الأحمد كعنصر في "القاعدة" استند إلى هذه المعلومات فهذا صحيح، لكن لا علاقة تنظيمية أو ارتباط بين أنصار الإسلام والقاعدة".

رسالة إلى المتمرِّدين 

بحسب 4 مسؤولين سوريين، فإنّ السبب الرئيسي وراء استهداف الجيش الأميركي لجماعة "أنصار الإسلام" هو رفض الجماعة إلقاء السلاح أو الاندماج في قوات الأمن الوطني. وقال أحد المسؤولين، وهو ضابط في الجيش لموقع "المونيتور": "من خلال هذا الهجوم، تسعى أميركا إلى دفع جميع الجهاديين المناهضين للحكومة إلى الانضمام إلى دمشق، في إطار جهود دمشق لإنشاء جيش مركزي في سوريا". وبينما نجح الشرع في تشتيت معظم الجماعات السلفية المتطرّفة وكسب تأييدها، لا تزال "أنصار الإسلام" أكبر قوّة معارضة لـ"هيئة تحرير الشام" الحاكمة"، لكنّها مجموعة صغيرة جدّاً الآن بحسب ما يقول أفراد حاليون في الجيش السوري ومقاتلون أجانب سابقون شاركوا في الحرب الأهلية السورية، عن أنّ عدد أعضاء جماعة "أنصار الإسلام" في سوريا لا يتجاوز 250 عنصراً اليوم، وهو رقم أقلُّ بكثير من تقديرات الأمم المتحدة التي تشير إلى وجود 700 عنصر.

قبل كانون الأول/ديسمبر 2023، "كان لدى جماعة "أنصار الإسلام" موقع عسكري واحد فقط في جنوب محافظة إدلب، وكانت "هيئة تحرير الشام" هي التي تُزوِّد هذه المجموعة بالأسلحة الثقيلة والغذاء والرواتب"، وفقاً لمصدر إضافي من الجيش السوري. وقال عضو سابق في تنظيم "حرّاس الدين"، عمل بشكل وثيق مع "أنصار الإسلام"، لقد "انضمَّت شخصيات مُعارضة مختلفة للحكومة السورية من أنصار الإسلام، لكنّ أميركا لا تريد مثل هذا التشكيل"، بينما قال أحد المقاتلين الأجانب تحدّث إلى "المونيتور" إنّ "أنصار الإسلام رفضت الانضمام إلى هيئة تحرير الشام"، ثم إلى الجيش السوري لاحقاً، لأنّها "مثل تنظيم القاعدة، تريد إقامة نظام قائم على الشريعة الإسلامية".

مع أنّ الشرع كان "جهاديّاً" سابقاً، وقاد "هيئة تحرير الشام" و"جبهة النصرة" التابعة لتنظيم "القاعدة" في سوريا، لكنه منذ وصوله إلى السلطة في كانون الأول/ديسمبر الماضي، فإنه ملتزم بالحكم الشامل، بينما لا يزال العنف الطائفي يُؤرِّق البلاد التي مزّقتها الحرب.

يقول جندي من الوحدات الكردية في الجيش السوري لموقع "المونيتور"، إنّ وصف القيادة المركزية الأميركية لزعيم "أنصار الإسلام" المقتول بأنّه "مخطط هجمات" كان خاطئاً ومبالغاً فيه. وأضاف، "كانت أنصار الإسلام تُنسِّق مع هيئة تحرير الشام، لكنّها رفضت الانضمام إليها، ولهذا السبب أصبحت هدفاً"، ورسالةً لمن يعنيه الأمر.

وقد مثّلت الاشتباكات التي وقعت في الأسبوع الماضي بين الجيش السوري و"فرقة الغرباء"، وهي جماعة أصغر بكثير من "أنصار الإسلام"، مُؤشِّراً آخر على تصعيد دمشق للضغط على الجماعات السلفية المتطرِّفة المتمرِّدة.

تراجع الدور الأميركي في مكافحة "داعش"؟

جاء الهجوم الأميركي على جماعة "أنصار الإسلام" وسط استمرار التنسيق الأمني بين دمشق وواشنطن. وفي الأسبوع الماضي، شارك السفير الأميركي لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، توم برّاك، خبر عملية مشتركة ضدّ "داعش" على وسائل التواصل الاجتماعي مع التعليق "سوريا عادت إلى جانبنا". ووفقاً لأحد المسؤولين الأمنيين السوريين الذين تحدّثت إليهم "المونيتور" كانت دمشق تطلب من واشنطن إنهاء تدخُّلها العسكري في العمليات ضدّ "داعش" و"القاعدة" في سوريا ومحاولة المساعدة في مجال الاستخبارات بدلاً من ذلك.

وقال مسؤول سوري مطلع على مضمون المحادثات: "لقد عبّرنا للولايات المتحدة أنّنا لا نريد أن تكون الولايات المتحدة مُتورِّطةً عسكريّاً في العمليات ضدّ "داعش"، ونحن نقاتل التنظيم منذ سنوات، ويمكنهم "تقديم المعلومات الاستخباراتية إذا دعت الحاجة". وأضاف، عن أنّ سبب هذا الطلب هو أنّ "بعض شرائح الشعب السوري منزعجة" من التعاون مع الولايات المتحدة ضدّ "داعش". وأوضح المسؤول أنّ هذه الرسالة نقلت إلى الجانب الأميركي خلال محادثات ثنائية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، وفي اجتماعات جرت منذ ذلك الحين في سوريا.

لقد أصبحت سوريا مغناطيساً لـ"الجهاديين" منذ اندلاع الحرب الأهلية، وجذبت مقاتلين مدفوعين بأيديولوجيات مُتطرِّفة من مختلف أنحاء المنطقة. كما أنّ هذه الأيديولوجيات ترسّخت في أجزاء من البلاد، حيث لا يزال بعضهم خارج الدولة، بينما اندمج بعض آخر في القوّات الموالية للحكومة.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.