النصر ومدّعوه الألف!

انتصرت المقاومة الفلسطينية عسكرياً وإعلامياً وأخلاقياً، من دون أدنى شك، وكسرت شوكة الأعداء وتفوّقت عليهم من دون إسناد عربي يُذكر.

  • كتائب القسام.
    كتائب القسام.

فشلت الحرب البربرية والمحرقة الجهنمية في غزة ولم تؤتِ أُكلها، وسقطت معها جميع المراهنات على "الجيش" الصهيوني الذي لا يُقهر، وأصبح النصر الأسطوري للمقاومة والشعب الفلسطينيين قاب قوسين أو أدنى.

وفيما يخصّ النصر وصانعيه، بدأنا نلاحظ مؤخّراً تسابق ثلّة من المفكّرين والمحلّلين والأقلام المأجورة وغير المأجورة، ولكلّ مشاربه ومآربه، في ادّعاء مواقف عروبية مشرقة لحكوماتهم وبلدانهم، وتزييف حقائق وتكييف مواقف عملاً بقاعدة كلّ يدّعي وصلاً بليلى، وكأنّ ليلى وحيدة، لا أصل لها ولا أهل، أو أن الثرى قد غيّبها وغيّب كل من له صلة بها. 

سابقاً، في بواكير المعارك الفلسطينية الصهيونية كان ممكناً فبركة الأخبار وتزييف الحقائق وادعاء البطولات والمواقف المشرّفة في ظل الجهل الذي كان مطبقاً، آنذاك، على معظم أصقاع الأرض. 

وكذلك، كان يسيراً اختلاق وادعاء صناعة أو المشاركة في صناعة الأحداث، في ظل عدم إمكانية استقصاء المعلومات والحصول عليها بسهولة ويسر، وتمحيصها والتأكّد من صحتها ومصداقيتها.

آنذاك، كان سائغاً تضليل الرأي العام وخداعه. ولكن اليوم، وفي ظل انتشار العلم والثقافة والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، بات سخيفاً ومعيباً استمرار الحكومات العربية وأبواقها الإعلامية المقيتة في اللعب على وتر الاستخفاف بوعي الرأي العام وخداعه وتضليله. 

سقطت ورقة التوت عن الأنظمة العربية وانكشفت عوراتها، وعليه لم نعد نشعر بالأسى والشجن لمواقفها المخزية والمعيبة، إذ علّمتنا التجارب السابقة أن الدول العربية قاطبةً ما زالت محتلة وفاقدة للسيادة الوطنية، وعليه لم نعد نرجو من هذه الحكومات خيراً يُذكر. 

ومع أننا في هذه العجالة لسنا بصدد تجريم الأنظمة العربية وتقريعها، إذ لا حياة لمن تنادي، ولكن وفي الوقت نفسه لم يعد بوسعنا الصمت والتغاضي عن ممارسات بعض الأنظمة العربية واتخاذها القضية الفلسطينية مطيّة لتحقيق مآربها وسياساتها. 

لم نكترث يوماً لذباب الأنظمة العربية الإلكتروني وأبواقها الإعلامية، والتي تحاول بشتى الطرق تبييض صفحة دولها وإصباغ المآثر المزيّفة على حكوماتها ورؤسائها، ولكن ما يحزّ في النفس أن نشاهد قامات فكرية وأعلاماً صحافية وطنية، ليست محسوبة على الأنظمة العربية، تتجرّأ على التاريخ وحقائقه الدامغة وتحاول صناعة بطولات مكذوبة لدولها، ولسان حالها يشي كأنّ قدر هذه الأمة ألا تحقّق أيّ انتصار يُذكر إلا إذا شاركت فيه دولهم.

للأسف، يبدو أن قدر الشعب الفلسطيني لا ينحصر فقط في خوض حروب الأمة لوحده، وإنما أيضاً أن يبقى أرضاً مشاعاً يغرس كل من هبّ ودبّ بطولاته وادّعاءاته المزيّفة فيها، فلا عجب إذا سمعنا أحدهم يقول: أيّدت، شجبت، كنت أتوقّع، لدولتنا الفضل الأكبر في إتمام صفقة الأسرى، قامت حكومتنا بزيارات مكوكية... إلخ. 

وقياساً على ما تمّ سرده، دافعت قامة فكرية ناصرية باستماتة عن مواقف الحكومة المصرية بشأن فتح معبر رفح والتي لم تألُ جهداً، بحسب تعبيره، في فتح المعبر من أجل إدخال المساعدات الإنسانية للشعب العربي الفلسطيني المقهور في غزة، إلا أنّ جميع محاولات الحكومة المصرية باءت بالفشل من جراء رفض الجانب " الاسرائيلي" وتعنّته. 

وغاب عن ذهن المفكّر الألمعي أن معبر رفح يقع تحت السيادة المصرية ويفترض أن الكيان الصهيوني لا سلطة له عليه. 

نختم بالقول: إنّ الترّهات التشككية وتلفيقات الأنظمة العربية وبطولاتها المزيّفة لم تعد تُفلح في ظل التطوّر التقني المأهول وبوجود مليارات الشهود، وإنّ نقل الحقائق بشفافية ومن دون مواربة وتوثيقها للأجيال القادمة أمانة تاريخية تقع على عاتق جميع أبناء المرحلة.

وعليه، وتبعاً لمجريات الأحداث على أرض الواقع ومواقف جميع الأطراف، بما لهم وما عليهم، نستطيع أن نسطّر وبضمير مرتاح حقيقة أنّ للنصر عنواناً واحداً: الصمود الأسطوري للمقاومة والشعب الفلسطينيين ومجابهتهم، وحدهم، القوى الكونية الاستعمارية ومن ورائها الشرذمة المنبطحة المنوط بها تنفيذ مخططاتهم الشيطانية. 

انتصرت المقاومة الفلسطينية عسكرياً وإعلامياً وأخلاقياً، من دون أدنى شك، وكسرت شوكة الأعداء وتفوّقت عليهم من دون إسناد عربي يُذكر، ما خلا المساندة الفعلية والمشرّفة لحزب الله، والموقف البطولي الأصيل والمشرّف للقوات اليمنية الباسلة.