الهولوكوست... نازيّة اليوم ضحيّة الأمس!

النيران التي استفاد منها اليهود واستثمروها لاستعطاف العالم وأسره، عادوا ليستثمروها في هولوكوست واقعيّة فعليّة مع أهالي "غزّة"، لكنّ مصدرَها اليوم ليس أفران "هتلر"، بل طائرات الكيان الإسرائيليّ.

  • الاحتلال يستهدف الأطفال في غزة.
    الاحتلال يستهدف الأطفال في غزة.

"اكذب، اكذب، حتّى يُصدِّقَك الآخرون"، مقولةٌ شهيرةٌ تُنسَب إلى "جوزف غوبلز"، الشريك الأقرب للزعيم النازيّ "أدولف هتلر"، والمعادي الأبرز لليهود.

الهولوكوست أو المحرقة، تلك الأسطورة التي تحوّلَت إلى حقيقة لا تقبل التشكيك، إذ قد يكون من السهل عليك أن تنكر بديهةً من البديهيّات أو تشكّك بها، ولكن في ما يخصّ المحرقةَ اليهوديّة: لا تقترِب! لا تلمس! وإيّاك ثمّ إيّاك أن تُبلّغ! لأنّ لغمَ معاداة الساميّة سينفجر بك.

نعم، نجح اليهود في تحويل الأسطورة إلى حقيقة دامغة، مستفيدين من تلك المقولة الشهيرة لعدوِّهم! نجحوا في تضليل العالم، وتقديم أنفسهم على أنّهم ضحايا النازيّة، نجحوا في أن يجعلوا العالمَ يدفع ثمن ما لم يحصل بهم، وما لم يقع فيهم، صاغراً، مُتأسِّفاً، نادماً على ما لم تقترفه يداه، ممتنّاً لهم تجاوزَهم عن الكارثة التي لم تحصل...

قد لا تكون ثمّة قضيّة استفاد منها مستثمروها، كقضيّة المحرقة اتّساعاً وانتشاراً، حتّى باتت جذورُها عميقةً هناك في وجدان كلّ يهوديّ، وكأنّها صارت البارحة. نعم، فَهُم أرباب الإعلام والصحافة والمؤسّسات الدوليّة، يسوّقون الخبر كيفما شاءوا؛ ينفخون الضفدعَ فيصبح فيلاً، ولا ينفجر! ويُدخِلون الجملَ في سَمِّ الخيّاط! سيراً على قاعدة عدوِّهم السالفة.

سواءٌ أكنتَ من المصدّقين لتلك المحرقة أم من المكذّبين بها، تلك حكايةٌ سُوِّق لها كثيراً، وبات لها واقعٌ بالغٌ في العقل اليهوديّ، وتشكّل اشمئزازاً في الوعي العامّ لديهم، وتُحدِث نفوراً عالياً في وجدانهم، ويكرهون الانتقال والتحوّل عن دور الضحيّة التي تستعطف العالم بأسره، وتجعله مُقيّداً بين أنياب مظلوميّتها، فلا يحاكيها إلّا من ثقوب أفران "هتلر".

اليوم، وبعد خمسٍ وثمانين سنة على بداية الهولوكوست الأسطورة، يشهد العالم الهولوكوست الواقعيّة! لكنّ نازيّةَ اليوم لم تعتمد على أفكار الطبيب "ألفريد بلويتز" الذي أجاز في كتابٍ له القضاءَ على الأحياء الذين لا يستحقّون الحياة، بغية تحسين النسل البشريّ، بحسب زعمه... نازيّة اليوم، لم تعُد تستند إلى الرؤى المشتركة بين القانونيّ "كارل بايندنك" والطبيب النفسيّ "ألفريد هوج"، التي تدعو إلى تعجيل القتل الرحيم للمصابين بأمراضٍ مستعصيةِ العلاج... نازيّة اليوم، لم تجعل ذلك في مخطّطها أبداً؛ فهي لا تحتاج إلى ذلك مطلقاً، فنازيّة اليوم هي عينها (ضحيّة الأمس)، وقادة العالم المُتحضّر! المُتمدِّن! المدافعون عن حقوق الإنسان! يدعمونها في محرقتها...

نازيّة اليوم "إسرائيل"، ومكان الهولوكوست ليس في "أوروبّا" ومعسكرات الموت ليست في "بولندا"، بل في "فلسطين" و"غزّة".

لقد سعى هذا الكيان جاهداً، ومنذ تأسيسه، كي يكتسب صورة الشعب المظلوم، الذي يحقّ له ارتكاب أيّ شيء تحت هذا العنوان، مستفيداً من الهولوكوست الأسطورة، ونجح في ذلك على مرّ تاريخه المُعمَّد بالدم، ليقوم اليوم بإبادةٍ جماعيّة لأهالي "غزّة" على مرأى من العالم أجمع ومسمعه!

نيرانُ أيِّ محرقةٍ تلك، أعظم من نيرانٍ تهوي على جرحى ومصابين، من أطفالٍ ونساءٍ وشيوخٍ، في مستشفى المعمدانيّ، فيختلط بياضها بدماء مظلوميها، فلا يكاد يبين له أثر؟! فمَن هو النازيّ الواقعيّ إذاً؟!

إنّ مصطلح النازيّة، كان الاسمَ المختصر للحزب الاشتراكيّ الوطنيّ الألمانيّ، ثمّ تحوّل إلى وصفٍ للأيديولوجيّة التي اتّخذها هذا الحزب في ممارساته وسياساته القائمة على العنصريّة واحتقار الأعراق الأخرى، وتصنيف الأجناس البشريّة إلى دُنيا وعُليا...

بناءً عليه، وإذا تأمّلت قليلاً، تجد أنّ أبرز مصداقٍ للنازيّة، ومن دون منازع، هو هذا الكيان الغاصب، الذي يقدّم نفسه على أنّه شعب الحضارة، وشعب التفوّق العرقيّ؛ إذ يمارس أعلى درجات الغلوّ في القوميّة واحتقار مَن لا ينتمون إلى العقيدة والعرق واللون والدم والجنس نفسه، ويُجيز لنفسه تصفيتهم وإبادتهم... وبهذا الفكر يواجه اليوم أهالي "غزّة" بآلة القتل الأميركيّة.

إنّ النيران التي استفاد منها اليهود واستثمروها لاستعطاف العالم وأسره، عادوا ليستثمروها في هولوكوست واقعيّة فعليّة مع أهالي "غزّة"، لكنّ مصدرَها اليوم ليس أفران "هتلر"، بل طائرات الكيان الإسرائيليّ، مدافعه، آليّاته، صواريخه، رصاصاته... نيران تصنع الجرائمَ الدوليّة الأشدّ خطورة؛ جرائمَ الإبادة الجماعيّة، جرائمَ ضدّ الإنسانيّة، جرائمَ الحرب...

إنّهم النازيّون الجدد، يعيدون الرؤى النازيّة ومساراتها الإجراميّة من جديد، هذا الوصف الذي أرعبهم عبر التاريخ وأرهبهم، هم اليوم أهله وأصحابه، وهم أولى الناس به، ومعهم مَن يساندهم ويدعمهم، أصحاب المعايير المزدوجة والعين الواحدة.

إنّ دولاً أوروبّيّة، كألمانيا وفرنسا، تُجرِّم إنكارَ المحرقة النازيّة، وتمنع نشر مطبوعات النازيّين، على الرغم من ادّعائها بأنّها أوطان الحرّيّات والحقوق، ولكن عندما تكون المحرقة بأيادي "إسرائيل"، والمُحترِق أطفال "غزّة" وشيوخها، نساؤها ورجالها، يصبح للحرّيّة لونٌ آخر لا يألف لونَ الدم في "غزّة"، ويصير للحقّ مسارٌ عكسيّ لا تدركه أصواتُ الاستغاثة في "غزّة"! نعم، إنّها دول العدالة الموسومة بنجمةٍ سداسيّة، تطال رؤوسُ مُثلَّثَيها كلَّ مَن تسوّل له نفسه باستنكارٍ قلبيّ لما يجري في "غزّة".

حين يسخر المستشار الألمانيّ "أولاف شولتز" من مقولة سقوط قتلى مدنيّين في المواجهات بين "جيش" الاحتلال وحماس، مُتجاهلاً ما تتعرّض له "غزّة" من قتلٍ وتدمير، معرباً عن دعمه وتأييده لـ "إسرائيل"! حين يُبدي "ماكرون" أعلى معايير العطف والحنان، فيقول لمبيدي الطفولة في "غزّة": لستُم وحدَكم! حين يغضب "بايدن" ويحزن لقصف المستشفى المعمدانيّ، ويخبرنا بأنّ الجانب الآخر وراء ذلك، وليست "إسرائيل"! حينها لن تحتاج إلى جهود كبيرة لتثبت أنّ الهولوكوست الأسطورة هي خرافة حيكَت، تمهيداً لهولوكوست فعليّة واقعيّة تُرتكَب بحقّ الفلسطينيّين، أربابُها إسرائيليّون نازيّون، أحرقوا أنفسَهم في وثائقَ ومذكّرات، كي يُحرقوا شعباً بأكمله في وطنه، وعلى تراب أرضه!

النازيّون الجدد هم مَن يحرقون "غزّة"، ويصنعون الهولوكوست الفعليّة...