بروفا للانتخابات النيابية وتقدم حركة الشارع في السلطة

يعيش لبنان اليوم في ظلال سلطة أتت بها الحرب الهمجية المستمرة على لبنان، وكانت حركة الشارع قد مهّدت لها حيث كانت أسماء القادة المقترحين من الحركة هم الذين وصلوا إلى السلطة في ظلال الحرب.

  • عندما وقعت الحرب مع العدو الإسرائيلي، استغلت السياسة الأميركية ظروف الحرب.
    عندما وقعت الحرب مع العدو الإسرائيلي، استغلت السياسة الأميركية ظروف الحرب.

أجرت الحكومة اللبنانية الجديدة الانتخابات البلدية مُثيرةً الكثير من التساؤلات حول الاستعجال بإجرائها، في وقت كانت تنتظرها ملفات وقضايا كبيرة، خصوصاً ما كان منها من مخلّفات الحرب الأخيرة، وفي وقت تئن فيه السلطة من العجز المالي، وعدم توافر الأموال لها، وذلك إثر الحصار المفروض على لبنان، ونتيجة لانهيار النظام المالي فيه، ما طرح علامة استفهام كبيرة حول كيفية تمويل البلديات، ومن أين ستأتيها الأموال للقيام بالمهام المنوطة بها.

في الظلال، ظهرت صورة للسفيرة الأميركية تحتفي فيها بالمتخرجين في برامج التبادل، وتبادل التجارب، وهي احتفالية سنوية تقيمها السفارة تكريماً للمتخرجين المتدربين على برامجها، ومنهم كثر كان لهم دور مميّز في المعارك الانتخابية البلدية، برز في تنظيم العمليات الانتخابية، والتعبئة، والتحشيد. 

بين إصرار الدولة على الانتخابات، ولفتة السفارة للمنخرطين فيها، يُمكن فهم لماذا أسرعت الدولة في إجرائها، وإن هي إلّا اختبار لما استجدّ من معطيات في الواقع، ومحاولة إعادة تشكيل السلطة على النمط الذي تعمل عليه الاستراتيجات الاميركية في ساحات دول العالم المختلفة، ولكل ساحة أجندتها.

عملية إعادة تشكيل السلطة على نمط الرغبة والمصالح والاستراتيجيات الأميركية بدأت مع إطلاق العملية على لسان مسؤولين في الخارجية الأميركية، ومفادها أننا "سنعيد لبنان إلى العصر الحجري إذا لم يتخلَّ عن سلاح المقاومة". 

في أقلّ من سنة على إطلاق الشعار، حدثت عدّة تطورات بارزة، أشّرت في حينه للمسار الذي رغبت فيه السياسة الأميركية في لبنان: حركة الشارع الملوّنة (17تشرين الأول 2019)، وضرب النظام المالي المصرفي في لبنان، أي ضرب عامة الناس الذين ساقتهم السلطة السياسية، خدمةً لسياسة مصرف سويفت الأميركية، لإيداع أموالهم، وإجراء كل أعمالهم عبر المصرف، فانفجار مرفأ بيروت الكارثي.

قيل يومها إن المستفيد من ضرب النظام المصرفي اللبناني، وانفجار المرفأ هم الإسرائيليون الذين كانوا يخططون لتحويل وجهة التعامل المالية مع أموال العرب من بيروت إلى تل أبيب، وتحويل دور مرفأ بيروت بأهميته الدولية إلى مرفأ حيفا، لكي يصبح الاحتلال هو مركز استقطاب اقتصادي وسياسي في المنطقة بديلاً للبنان الذي لعب هذا الدور منذ نشأته، وذلك بعد أن انفتحت غالبية الدول العربية المؤثرة على الكيان المحتل. 

وما لبث أن اتضّح الموقف في قمة العشرين في الهند عندما طرح الرئيس الأميركي جو بايدن استراتيجية بناء خط الهند-الخليج- غزة بديلاً منافساً لخط الحرير الصيني. إلّا أن تطورات "طوفان الأقصى" أعاقت هذه المشاريع، والصراع مستمر لمآلات مجهولة. 

دُمّر النظام المصرفي اللبناني في حركة تشرين الأول 2019، ولحقه انفجار المرفأ، وجرت انتخابات نيابية عام 2022، سعت إلى تحويل موازين القوى في البرلمان اللبناني لمصلحة الوجهة الأميركية، ووقعت نسبة من التحوّلات بتدخّلٍ خليجي، وضغط أميركي من دون أن تتم السيطرة الأميركية التامة على البرلمان، وبقي البلد في حالة من التوازن، أمكنت من حماية المقاومة، وسلاحها، مع أرجحية للتأثير الأميركي في وجهة السلطة اللبنانية، خصوصاً بالضغط على المقاومة وسلاحها، ومنها منع دخول الصين وروسيا إلى ساحة الأعمال في لبنان.

وعندما وقعت الحرب مع العدو الإسرائيلي، استغلت السياسة الأميركية ظروف الحرب، ونتائجها، لتغيير وجهة البلد على غرار تحوّلات غالبية دول العالم العربي، أي الانفتاح على الكيان الصهيوني، والتطبيع معه، شعار يستهدف بالمباشر سلاح المقاومة الذي تعرّض لضربات كبيرة في الحرب، لكن من دون القدرة على إنهائه بفضل صمود المقاومين، وبطولاتهم.

وفي ظل الضربات الجوية المعادية، وما أصاب المدنيين اللبنانيين من مآسي الحرب، حاول العدو تحقيق ما عجزت عنه حركة الشارع، فجرى تمرير انتخاب رئاسة الجمهورية، وتشكيل حكومة، وكان من الطبيعي أن تتم العملية بالوجهة التي وصل إليها الصراع العسكري، ما فرض على تحالف المقاومة قبول ما كانت ترفضه سابقاً، وذلك رغبةً في وقف النزيف الوطني، خصوصاً على المدنيين.

يعيش لبنان اليوم في ظلال سلطة أتت بها الحرب الهمجية المستمرة على لبنان، وكانت حركة الشارع قد مهّدت لها حيث كانت أسماء القادة المقترحين من الحركة هم الذين وصلوا إلى السلطة في ظلال الحرب.

وتشكّلت السلطة وفق الشعارات والإنجازات التي أفسحت حركة الشارع المجال لها، وكانت أبرز شعارات السلطة الجديدة شعارات تجريد المقاومة من سلاحها، ورفع راية التطبيع والسلام مع العدو الصهيوني، وهذا ما سمعنا الكثير منه على ألسنة القادة الجدد، ورُبطت عملية إنقاذ البلد اقتصاديا وإنمائياً، وإعادة بناء ما جرى تدميره، بتحقيق هذين الشعارين: جمع السلاح، والتطبيع.

المسار عينه مستمر، وشهدت المعارك الانتخابية البلدية الكثير من اتجاهاته، والهدف الأوضح كان محاولة السيطرة على أكبر عدد ممكن من البلديات بوجوه وهيئات متوافقة مع هذا الاتجاه، ومحاولة إيصال بلديات شيعية من خارج أجواء الثنائي الشيعي بهدف زيادة الحصار على المقاومة.

لم تأتِ صورة الانتخابات البلدية بنتيجة واضحة على المسار الأميركي في لبنان، لكنها بالتأكيد، شكّلت "بروفا" للانتخابات النيابية المقبلة بعد عام، وأسّست لتجربة تمهيدية للانتخابات النيابية، وهذا كان الهدف من الإسراع في إجرائها، وسيجري الارتكاز على تجربتها، وتجربة برامج التبادل، وما شابه للسفارة الأميركية، في محاولة لقلب موازين القوى في البرلمان اللبناني المقبل، تكريساً للمسار الذي انطلق صيف 2019، والغاية إلحاق لبنان بمسارات الاستسلام العربية، والتطبيع مع الكيان الصهيوني.

يرتّب ذلك على القوى الرافضة للتغلغل الصهيوني في مفاصل المجتمع اللبناني الاستعداد لانتخابات 2026 البرلمانية، والعمل بتضحية لمنع نجاح انقلاب السلطة التام لمصلحة الاستسلام والتطبيع.