حرب أهليّة في "إسرائيل"

من يتكل على قدرة "إسرائيل" على إزالة تهديد حزب الله، إنما هو يكذب على جمهوره، بينما يرجّح المراقبون أن حرباً إسرائيلية واسعة على لبنان، قد تخسرها "إسرائيل" في الساعات الـ 24 الأولى منها.

  • العنتريات الإعلامية لا تبدو كافية لتوفير الاطمئنان للداخل الإسرائيلي.
    العنتريات الإعلامية لا تبدو كافية لتوفير الاطمئنان للداخل الإسرائيلي.

تتردّد "إسرائيل" أمام خيارات معقّدة على الجبهة اللبنانية، وتعاني من مأزق استراتيجي ينحصر بين السيّئ والأسوأ، وسط معالم تخبّط واضطراب يجتاحان دوائر القرار في الكيان. وعلى الرغم من الدعوات الشمشونية لغُربان التطرّف في محيط نتنياهو (المحتار بدوره أمام معادلات ما زال يراها مستحيلة)، إلا أنّ احتمال شنّ الحرب على لبنان لا يزال مسألة افتراضية تحفّ بها التمنيات والمخاوف.

"حزب الله" من جهته يحافظ على مستوى انخراطه في نصرة غزّة والذود عن البلدات اللبنانية، ويربط حجم نيرانه بحجم ردّ الفعل الإسرائيلي، إلا أنه يؤكد جادّاً أنه لن يتردّد في خوض الحرب "إذا فُرضت علينا" كما قال الشيخ نعيم قاسم.

لا شكّ أن الكثافة النارية والنوعية للحزب، وليس التدخّل الأميركي، هي ما يحول دون "إسرائيل" وتنفيذ تهديداتها وتوسيع عدوانها حتى الآن، ولا سيما أنّ ما تحقّقه المقاومة يومياً من لبنان في تصدّياتها النقطية على مراكز "جيش" العدو تحديداً، ليس غير جرس إنذار للإسرائيليين يذكّرهم بحجم التكلفة التي سيتكبّدونها في ما لو وسّعوا بيكارهم الدموي، إذ سوف تضطرّ المقاومة إلى استخدام كامل ترسانتها.

لهذا يقفون على "إجر ونص" بحسب تعبير السيد نصر الله، متخوّفين متردّدين، بينما وزير الثقافة والرياضة اليميني "ميكي زوهار" لا يتردّد في كشف الحقيقة المريرة التي تغلي في قدور أركان العدو، مُعلناً الواقع الذي يدركه الجميع: "نحن فشلنا أمام حماس في 7 أكتوبر، وفشلنا أمام حزب الله، وسنفشل أمام إيران".

من هنا فالعنتريات الإعلامية لا تبدو كافية لتوفير الاطمئنان للداخل الإسرائيلي، وبالتالي فإن ارتفاع حدة التهديدات العسكرية ضد لبنان من قبل نتنياهو وفريقه، لا تعدو كونها نوعاً معتاداً من الهروب إلى الأمام.

من الواضح بالتجربة أنه كلما أوغل نتنياهو في حربه الدموية على غزة والجنوب اللبناني، كلما ساء وضعه أكثر؛ وكلما زاد عناداً ومكابرة، تتضاءل أمامه الفُرص وينكشف المزيد من أوراقه؛ وكلما أراد أن يهرب من حصيلته البائسة في الميدان نحو أهداف وآمال موهومة، يجد نفسه في حالة أكثر يأساً وبؤساً وخسارة؛ هذا في حين أن المقاومة في غزة وفي الشمال الفلسطيني تثبت يوماً بعد يوم وضربة بعد ضربة، قدرتها المتصاعدة على حماية شروطها، وإجباره على النزول عن الشجرة. 

وقد وصل الأمر بـ "إسحاق فاسرلوف" وزير النقب والجليل والمنعة الوطنية، (حزب يهدوت هتوراه) إلى الإعلان عن مقاطعة الحكومة ورفض المشاركة في اجتماعاتها، ليس لكي يضطرّها إلى المبادرة بشنّ الحرب على لبنان، بل... "للتصويت على مساعدة سكّان الشمال".

تسوية بلا حرب

فيما يشتدّ الخناق على الداخل الإسرائيلي، يخرج عضو الكنيست "عوديد فورير" من حزب (إسرائيل بيتنا) لوضع النقاط على الحروف في مقابلة مع القناة الـ 14 قائلاً بمرارة المهزوم، إن "إسرائيل خسرت الجليل في خمسة أشهر ونصف الشهر، وظهر حزام أمني داخل الأراضي الإسرائيلية ذاتها، بدلاً من أن يكون هذا الحزام الأمني داخل الأراضي اللبنانية". هذا فيما ترتفع أصوات مصادر رفيعة المستوى في المؤسّسة الأمنية قائلة "إذا كان ممكناً التوصُّل إلى تسوية قبل شنّ الحرب على لبنان، فمن الأفضل التوصُّل إلى هذه التسوية من دون حرب".

وهذا على غرابته يبدو منطقياً من الناحية العملية، ذلك أنّ شنّ الحرب الواسعة في غمرة هذه الأوضاع يعني أن "الجيش" العاجز بعد أشهر دموية طويلة عن ابتلاع جمرة غزّة، سيكون مُلزماً بخوض حربين معاً، داخل فلسطين وفي شمال الكيان. وهذه وضعية خطيرة لم تحصل منذ حربي 1967 و1973. وهذا ما أعاد إلى الواجهة تهديد أنفاق "حزب الله" التي يعتقد القادة الأمنيون أنها أكثر خطورة وتعقيداً من أنفاق غزّة ومفاجآتها القاتلة. 

من هنا فمن البديهي القول إن من يتكل على قدرة "إسرائيل" على إزالة تهديد حزب الله، إنما هو يكذب على جمهوره، بينما يرجّح المراقبون أن حرباً إسرائيلية واسعة على لبنان، قد تخسرها "إسرائيل" في الساعات الـ 24 الأولى منها.

تصريحات تبعث على السخرية

يضرب "حزب الله" يومياً "الخاصرة الرخوة لإسرائيل" بحسب "معاريف"، والدفاع الجوّي لـ "جيش" الاحتلال مرتبك بما يكفي بشأن تعطيل قدراته المفترضة على التعامل مع مسيّراته وصواريخه واعتراضها كما تقول صحيفة "إسرائيل هيوم"، وبالتالي فالتهديدات ضدّ حزب الله من قبل وزير الأمن "يوآف غالانت" (الذي أقاله نتنياهو)، ورئيس الأركان "هرتسي هليفي" (المتوقّعة استقالته بعد استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ــ أمان ــ "أهارون هاليفا")، تحوّلت إلى موضوع سخرية وتندّر، وبات من الرائج توقّع أن يخسر الكيان حربه على لبنان خلال 24 ساعة من شنّها.

هذا في حين ينتقد خبراء ومُعلّقون من أسموهم بـ "الدجالين" من غربان الكيان الذين يُحرّضون على الحرب، لأنّهم "إمّا لا فكرة لديهم عما يتحدّثون عنه، وإمّا ـــــ وهذا أخطر ـــــ أنهم يعرفون (الواقع)، ومع ذلك يحرّضون على الحرب".

وسط ذلك يصرّح وزير الخارجية الإسرائيلي "يسرائيل كاتس" بالقول: "إذا لم ينسحب حزب الله من الحدود فإننا نقترب من حرب شاملة". وهنا تجيبه "هآرتس" بعنوان عريض: "ممنوع أن نستهين بالضرر الناجم عن غباء وزير الخارجية".

على الرغم من كلّ ذلك فالحرب تلوح في الأفق... لكنها الحرب الأهلية في "إسرائيل" حسبما ما كتب "أنشيل أبفيفر" في "هآرتس".