حرب الطوفان... هل من مصلحة الإدارة الأميركية الانخراط الآن في أتون حرب إقليمية طاحنة؟!

ما يجعل الحرب الإقليمية عبثية وليست ضمن أجندة الإدارة الأميركية الفاتورة الباهظة التي تتحمّلها الإدارة الأميركية في حرب لن تعود عليها بأي فائدة تذكر.

  • معركة طوفان الأقصى.
    معركة طوفان الأقصى.

التطورات الأخيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط من حيث انخراط اليمن في معركة طوفان الأقصى، واستهدافه للبوارج الأميركية وتوجيهه لصواريخه البالستية ومسيّراته الانتحارية للجنوب الفلسطيني المحتل، واشتعال الجبهة الجنوبية وتزايد الرشقات المتبادلة بشكل لافت للانتباه بين حزب الله و"الجيش" الصهيوني الغاشم، وتعنّت الكيان الصهيوني في الاستمرار في خوض معركة عبثية تنعدم فيها فرصه في تحقيق أيّ من بنك أهدافه، وفي مقدّمتها اجتثاث المقاومة الفلسطينية وتهجير الشعب الغزّي المرابط والمتشبّث بأراضيه مجابهاً القوة الأعنف في التاريخ، والاحتمالية المتزايدة لدخول حزب الله الحرب بشكل رسمي. 

جميع هذه المؤشرات تزيد من احتمالية اتساع رقعة الاقتتال وانزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية طاحنة، لكن هل من مصلحة الإمبراطورية الأميركية استراتيجياً الانخراط في حرب إقليمية في الشرق الأوسط في الوقت الراهن؟! 

جملة من المعطيات تفرض على الإدارة الأميركية التحلّي بسياسة ضبط النفس وعدم الانزلاق في أتون حرب إقليمية لن تخدم المصالح الأميركية، وقد تكون في الوقت الراهن ليست في مقدمة أولويات الإدارة الأميركية في أجندتها الاستراتيجية، وفي ما يلي أهم هذه المعطيات:

اولاً: في محاولة أميركا الاستمرار في بسط نفوذها على العالم برمّته، تولي الإدارة الأميركية الأولوية لمجابهة تزايد نفوذ روسيا والصين.

ثانياً: لا تستطيع أميركا المنهكة اقتصادياً، الغارقة بديون تجاوزت سقف 31 تريليون دولار، خوض الحروب في أكثر من جبهة، وهذا بدوره يعني أن انزلاق أميركا في حرب إقليمية في الشرق الأوسط سيعطي الفرصة لروسيا في ابتلاع أوكرانيا، ويمنح الفرصة الذهبية للصين لإعادة ضم تايوان إلى الإمبراطورية الصينية الصاعدة.

ثالثاً: فشل المشروع الصهو-أميركي في تهجير الشعب الغزّي إلى سيناء من جرّاء رباطة جأش الغزيّين وتشبّثهم في وطنهم، إضافة إلى صلابة الموقف الرسمي المصري "إلى الآن" ورفضه القاطع لمشروع التهجير.

رابعاً: عبثية الحرب وعدم استفادة الإدارة الأميركية منها، إذ إنها لا تزال تحافظ على نفوذها ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط من خلال استعمارها لمعظم الدول العربية بفرض قواعدها فيها، واستيلائها على مدخراتها وثرواتها بأثمان بخسة ومن دون الحاجة إلى الانخراط في أتون حرب عبثية وطاحنة. 

خامساً: اطمئنان الإدارة الأميركية من عدم وجود أي خطر يهدّد الكيان الصهيوني وجودياً بعد قيامها بخطوات استباقية من خلال تحريكها البارجتين الأضخم في أسطولها البحري إلى منطقة الشرق الأوسط.

سادساً: انتصار الشباب العربي الواعد في حروبه الإلكترونية ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي ساعد في تبيان الأكاذيب التي مارستها الإدارة الأميركية وتزوير الحقائق للشعب الأميركي، وهذا بدوره أدى إلى تزايد أصوات الأميركيين الرافضين للتدخّل العسكري الأميركي في حرب طوفان الأقصى، ولازدواجية معايير البيت الأبيض وسياساته العنصرية. 

أخيراً: خطر روسيا والصين المتزايد يفرض على  الإدارة الأميركية أن تمنع اندلاع حرب إقليمية في الشرق الأوسط، إذ إن اندلاع شرارة الحرب الإقليمية سيكون وبالاً على أميركا، وسيهدّد مصالحها، بل وقد يهدّد وجودها في منطقة الشرق الأوسط، فالإدارة الأميركية تعلم أن محور المقاومة لن يسمح بحال من الأحوال بسحق المقاومة الفلسطينية واجتثاثها، إذ إنّ مصيره مرتبط ارتباطاً استراتيجياً ومصيرياً باستمرار وبقاء المقاومة الفلسطينية، إذ إن سيناريو كسر المقاومة الفلسطينية يعني تفرّغ الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية بدعم الأنظمة العربية العميلة وغطائها لمحور المقاومة واجتثاثه. 

وما يجعل الحرب الإقليمية عبثية وليست ضمن أجندة الإدارة الأميركية الفاتورة الباهظة التي تتحمّلها الإدارة الأميركية في حرب لن تعود عليها بأي فائدة تذكر. إضافة إلى عدم توافق وانسجام إدارة بايدن مع رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو والذي يحاول أن ينقذ مستقبله السياسي بأي ثمن، غير مكترث بالتوصيات الأميركية في عدم خوض الحرب البرية، تجعل السيناريو الأقرب إلى الواقعية البراغماتية الأميركية، الإطاحة برئيس الوزراء الصهيوني والتضحية به وتأجيل الانخراط في حرب اجتثاث الحركات الجهادية والتحرّرية المناوشة للكيان الصهيوني إلى جولة مقبلة.