على خلفيّة استراتيجية "اليوم التالي": هل يتفكّك "الجيش" الإسرائيلي؟

في الكيان لا تأتي الأزمات فرادى. فقد أظهرت وثيقة محدودة الانتشار أعدّها جهاز الأمن الإسرائيلي أنّ "إسرائيل" لن تكون قادرة على إقامة حكم عسكري في قطاع غزة، وذلك بسبب التكلفة المالية التي ستشكّل عبئاً اقتصادياً كبيراً.

  • "إسرائيل" لن تكون قادرة على إقامة حكم عسكري في قطاع غزة.

خلافات "اليوم التالي" للحرب تشتعل في الكيان مع احتدام المعارك في غزة ورفح والضفة الغربية في آن معاً.

نتنياهو يعمل عبثاً للسيطرة الأمنية على غزة ويهاجم في الضفة ويقصف رفح، لكن "الجيش" يدفع "أثماناً باهظة"، ويتأكد أن لا عودة ولو مؤقتة إلى جباليا ولا حي الزيتون ولا جحر الديك وغيرها من "المربّعات" التي كان قد اجتاحها وانسحب منها غير مرة. 

على الرغم من هذا الاستعصاء فالعاجز العنيد يربط مصيره السياسي بحلم السيطرة العسكرية الكاملة، مُعتمداً على تأييد اليمين المتطرّف... الذي يشهد واحدة من أسوأ معاركه البينية.

معارضات متعارضة

وزير الدفاع والأمن يوآف غالانت يشقّ الصفوف مُعارضاً رئيسه نتنياهو وخطته لليوم التالي. يرى أن احتلال القطاع سيكون "دموياً ومكلفاً"، ويدعو الحكومة إلى تكوين إدارة جديدة فلسطينية لا صلة لها بحركة "حماس"، للحيلولة كما قال دون ضياع المكاسب العسكرية للحرب. 

وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير يقف إلى جانب نتنياهو في ما يرسمه لليوم التالي وفق ما نقلت صحيفة "معاريف"، ويصرّ على "أن يكون القطاع بكامله لنا وتحت سيطرتنا، وأن نعيد الاستيطان هناك". ثم يلتفت إلى غانتس ويصفه بأنه "منافق وكذّاب"، ويستخفّ بغالانت داعياً لإقالته كي تتحقّق أهداف الحرب. 

وزير المالية بتسلئيل سموتريتش يساند توجّهات نتنياهو بشأن اليوم التالي مُطالباً "بالسيطرة الإسرائيلية الكاملة على غزة وعدم إبرام أيّ صفقة مع حماس... لن تكون سوى استسلام وكارثة تنهي الحرب من دون نصر".

يائير لبيد زعيم المعارضة، يرفض دعوات الوزيرين في مجلس الحرب بيني غانتس وغادي آيزنكوت ويدعوهما إلى "الانسحاب من مجلس الحرب"، رافضاً فكرة إيقاف عملية رفح مقابل إعادة المختطفين، ومُهاجماً نتنياهو الذي "يخشى تفكّك ائتلافه الحاكم... "أسوأ حكومة في تاريخ إسرائيل".

مشروع الحلّ يصبح المشكلة

أمام هذه الحملة الكبيرة من قبل بعض صقور اليمين المتنافسين على التشدّد، يردّ نتنياهو بأنّ "الحديث عن اليوم التالي قبل القضاء على حركة حماس عسكرياً هو كلام فارغ". يتوجّه إلى وزير دفاعه فيطالبه بتأدية واجبه بالقضاء على حماس من دون أعذار، ويرفض اقتراحات "إدخال السلطة الفلسطينية إلى غزة وإقامة دولة فلسطينية... ستكون حتماً دولة إرهاب".

استراتيجية اليوم التالي التي أرادها نتنياهو حلاً صارت هي المشكلة. الخلافات تشتعل في جميع الاتجاهات والتوتر يتصاعد بين الحكومة و"الجيش" كما لم يحدث من قبل. أبرز الاحتمالات المترتّبة على ذلك هي انسحاب الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت من "كابينيت الحرب"، ومعهما وزير الدفاع والأمن يوآف غالانت. والمعنى وضع نتنياهو أمام جدار مسدود وتضييق الخناق السياسي عليه.

الخوف من تفكّك "الجيش"!

في الكيان أيضاً لا تأتي الأزمات فرادى. فقد أظهرت وثيقة محدودة الانتشار أعدّها جهاز الأمن الإسرائيلي بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنّ "إسرائيل" لن تكون قادرة على إقامة حكم عسكري في قطاع غزة، وذلك بسبب التكلفة المالية التي ستشكّل عبئاً اقتصادياً كبيراً، إلى جانب التسبّب "بمخاطر أمنية" تتعلّق بانتشار قوات "الجيش" عند حدود "إسرائيل"، الأمر الذي يتطلّب فرقاً عسكرية هجومية وأخرى دفاعية، أي استدعاء أعداد كبيرة من قوات الاحتياط بشكل دائم، وبالتالي نقل قوات إضافية إلى القطاع وتقليص القوات في الضفة الغربية وعند حدود "إسرائيل" الشمالية مع لبنان". 

وهذا ما يصعب الصمود أمامه، وسيؤدي إلى حدوث أزمة غير مسبوقة في ميزانية الدولة، ويلحق ضرراً جسيماً في الخدمات للمواطنين... كذلك ستتضرّر جاهزية "الجيش" أمام احتمال تصعيد في الجبهة الشمالية، ومقدرته على إحباط عمليات مسلحة في الضفة الغربية وداخل "إسرائيل".

كلّ هذا يُضاف إلى مضاعفة التوتر بالتوازي داخل مجلس الحرب ذاته الذي بات يواجه "الانهيار".

وما يزيد تعقيد الوضع أن لا وجود لحلول سحرية كم نقلت "يديعوت أحرونوت" عن ضابط إسرائيلي كبير، فيما "حماس" لا تزال قوة عسكرية منظّمة، ولا سبيل لإيجاد إدارة مدنية تحلّ مكانها، وبالتالي فلا ينبغي "تجربة المجرّب بالعودة إلى الأماكن نفسها مرة تلو الأخرى... لأن الخسائر التي يدفعها أبناؤنا لا يمكن تعويضها".

ربما يصحّ القول إن "المطلوب هو تغيير استراتيجي وليس تضييعاً للوقت" كما تقول صحيفة "هآرتس"... وإنه "لا بدّ من وأد خطة الحكم العسكري لغزة في مهدها، والحيلولة دون تآكل ما أنجزه الجيش". فهذا "الجيش" الذي كان لا يُقهر (من يتذكّر...!) "بات اليوم مهدّداً في بنيته العسكرية والمعنوية" بحسب ما أوردته الصحيفة.

وبموجب معطياتها من الداخل، يُسجّل "تفاقم عمليات الانتحار بين العسكريين، ومنهم ضباط برتبة رائد ومقدّم، بينما "الجيش" يتكتّم ويرفض الإفصاح".

وفي مقالة تحليلية قال الصحافي يوسي ميلمان في الصحيفة إن أموراً عديدة تثير القلق بشأن مستقبل "الجيش" على المدى القريب... فقادة هذا "الجيش منفصلون عن الواقع وقد استشرى النزاع بينهم، وهناك طيارون يرفضون شنّ غارات على غزة... لقد بات الجيش ذاته مهدّداً بالتفكّك".